تونس - اسماء خليفة
صالح، اسم مستعار نطلقه على ضيفنا بطلب منه، اسمه الحقيقي ح.م، مقاتل ليبي كان يمر من تونس محاولاً الانتقال إلى مصر للإقامة هناك، بعد قراره مغادرة بلاده بشكل نهائي، فالأمر كما يؤكدّ "ليبيا اليوم ليست ليبيا التي قاتلنا من أجلها وقدت كتيبة من أجل تحريرها من قبضة معمّر وليست هي التي حلمنا بها، اليوم في بلدي لا حرمة للجامعات وللمؤسسات التربوية ولا هيبة للأمن والجيش والمتشدّدون دينيّا تسرّبوا في مفاصل البلاد وبعض الليبيين لم يجدوا من طريقة للانتقام من إرهابيي القاعدة، سوى نبش قبورهم حين يدفنون، هذا هو وضعنا وما من سامع ربّما علينا انتظار مُعجزة لنزع الأسلّحة من الميليشيات وتركيز مفهوم الدولة".
وأوضح صالح لـ"المغرب اليوم" بعد أن نجحنا في إقناعه بالتحدث إلينا ما بعد مرور أسبوع عن تواجده بتونس، عن تجربته في القتال ضد القدافي بمرارة وعن حقيقة الوضع الامني في بلاده واصفا إياه بـ"الفوضى الكبرى".
وكان صالح رئيسًا لكتيبة ثوّار وانخرط في الثورة المُسلّحة ضد نظام العقيد الراحل معمر القدافي، بعد تواتر انتهاك الكتائب لحرمة النساء في بنغازي. مؤكدًا "مثل الجميع رأيت ذاك الفيديو الصغير الذي تم تناقله عبر الموقع الاجتماعي فيسبوك لمواطنات في بنغازي يصرخن ويطلبن النجدة ما بعد اغتصابهنّ من قبل رجال النظام، حينها اقتنعتُ بأنّ القتال كُتِبَ على الليبيين للدفاع عن عرضهم ووطنهم ومنذ ذلك الحين التحقت بالثوّار".
وبعد 4 أشهر فقط تحوّل الوجه المعروف في التجارة العامة، من تاجر إلى مقاتل، تدرّب على أنواع الأسلّحة المختلفة بعد تلقّيه لدروس في الإسلام والوسطيّة على أيدي شيوخ تمّ تجنيدهم لتثقيف المُقاتلين وفق نهج مُعتدل. وقسم المقاتلون إلى كتائب، ومن ثمّة توزيعهم حسب المعارك. وأوضح"كانت معاركنا ناجحة وكنّا في كتيبتنا نحرص على حماية الأسرى وإسعاف الجرحى منهم، ولم يكن لنا هدف سوى التخلّص من النظام الحاكم وبناء ليبيا جديدة ليبيا الحرية والديمقراطية".
وتحدث عن مصدر التسلّح وهو ينهمك في عرض صوره الكثيرة، مشيرًا "كان يأتينا من بن غازي وأذكر أن مئتا قطعة سلاح نوع "أف ان" (نوع من الرشاش) جاءتنا من قطر".
وضع أمني كارثي
وأكدّ أنّ "ما بعد سقوط القذافي شكّلتُ كتيبة في مدينتي، وأشرفت على تسيير وتنظيم أمور المدينة إلى حين تنظيم الانتخابات، وفي الانتخابات دعّمت المعتدلين فكان الذنب الذي لم يغفره لي الإسلاميّون".
صمت قليلاً، وأكدّ "الإخوان المسلمين في ليبيا تناسوا جهود الثوّار والمقاتلين، بل هم يريدون التخلّص منهم إمّا بإبعادهم عن ليبيا عبر تعيينهم في مناصب سياسية خارج البلاد، أو تتم تصفيتهم بالاغتيالات، هؤلاء يريدون الإبقاء على الموالين لهم فحسب".
وأشار إلى أنّ الوضع الأمني أصبح كارثيّا في ليبيا، فـ"المتشددين دينيّا" يسعون لتغيير نمط حياة الليبيين بالقوّة ولا دليل على ذلك سوى هدم الأضرحة وفرض نمط حياة جديد. وروى أنّ ظاهرة اختطاف الطالبات تزايدت وحين خرج أحد المسؤولين الليبيين للتحدّث في الأمر قال بالحرف الواحد "من تريد أن لا تُخْتَطَفْ لا تغادر منزلها".
ولفت إلى أنّ "الدولة مُنهارة في ليبيا، وما يحدث تحالف مخيف بين الإخوان المسلمين وأنصار الشريعة التي يقودها سفيان ڤمو وبعض الفصائل الأخرى التابعة لتنظيم القاعدة فحتّى أعضاء المؤتمر الوطني لديهم ميليشيات".
200 ميليشيا في مدينة واحدة
وتحدّث صالح عن عمليّة اختطاف رئيس الوزراء علي زيدان، موضحًا أنّ "غرفة ثوّار ليبيا لا تتبع الهيكل الرسمي للدولة بل هي تشكيل يتكوّن من أربع ميليشيات تتبع أعضاء كتلة وفاء في المؤتمر الوطني، هذه الميليشيات حاصرت المؤتمر الوطني لفرض تمرير قانون العزل السياسي، وتخضع غرفة ثوّار ليبيا لإمرة بوسهمين رئيس المؤتمر الوطني شخصيًًا".
وأكدّ أنّ السلاح في ليبيا ينتشر بشكل كارثي وأن عدد القطع قد يتجاوز أربعين مليون قطعة سلاح، وأن الميليشيات تصل حوالي مئتي ميليشيا في المدينة الواحدة". ولفت إلى أنّ الشعب الليبي يعاني ولا حول له ولا قوة لفرض هيبة الدولة، مؤكدًا أنّ "هناك مدن في ليبيا تحولت إلى مدن أشباح مثل مدينة تورغة الليبيون يعيشون مهجّرون في أحياء قصديريّة في طرابلس ومصراتة ويصل عدد هؤلاء إلى أربعين ألف مهجّر، وفي ورفلّة وبني وليد هناك خمسين ألف مهجّر هناك زواج متعة في ليبيا بين الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة من أجل حكم ليبيا بشكل نهائي بعيدًا عن مشاغل الشعب، وهناك تُجّار أسلّحة يسيطرون على الحدود الوضع جد كارثي ولا حرمة للجامعات والمدارس، فالميليشيات تخطف المُدرسين متى أرادت ذلك، والخدمات الصحية للمواطن الليبي تكاد تنعدم، أنا أعتقد أن القدرة الإلهية وحدها قد تنقذ ليبيا من هذا التردي في الأوضاع".
تدريب التونسيين
وبشأن حقيقة تدرّب التونسيين في ليبيا، أكدّ أن هناك فعلاً تدريب لتونسيين في كل من مطار معيتيڤة في طرابلس، وفي مدينة درنة، وهناك مشايخ تكفيرية في الخُمْس (قريبة من طرابلس) يُلقون دروس لاستقطاب الشباب التونسي، ومن ضمنهم الشيخ أبو أحمد الليبي، وهو تكفيري كان يعيش في اليمن لحوالي ثلاثين عام، على حد قوله.
وأشار إلى أنّه بعد تدريبهم، يتم تسفيرهم وغيرهم من الجنسيات المُختلفة للقتال في سورية، ولف إلى أنّه يُشاع أنّه يتم إنشاء قاعدة كبيرة في جنوب غرب ليبيا وهي تحت سيطرة من سماهم "المتشددين" و"بالتالي، أنا أصبحت أرى في بلدي مرتعًا للإرهاب والدولة منهارة تمامًا، وعلى التونسيين أنّ يفهموا أنّ كل وافد ليبي هو طالب نجدة من أجواء القتل والتسلّح والإرهاب، فالتكفيريين يريدون السيطرة على الدولة وهم بصدد تدمير التعليم والمجتمع".
وأكدّ أنّ التدخل الأجنبي في ليبيا سيكون كارثيًا وأن ليبيا مُرشحة للانفجار في أيّة لحظة، وتوجه بأصابع الاتهام للمُسيطرين على المجلس الوطني، مؤكدًا أنهم "لا يريدون بناء الدولة ولا يريدون تشكيل جيش نظامي قوي، بدليل أنّه كان بإمكانهم استغلال النواة التي شكلها الراحل عبد الفتاح يونس، كتيبة الصاعقة في بنغازي، وهي نواة منظمة وقوية وبإمكانها أنّ تكون نواة للجيش الوطني لكن المؤتمر الوطني يقطع اليوم عن أفرادها المُرتّب الشهري، وهي تضم حوالي عشرين ألف مقاتل، وذلك فقط لإضعافها لصالح الميليشيات الأخرى". كما أكدّ أنّ هناك من الميلشيات من لديها حوالي خمسة عشر ألف مضادة للطيران.
تنظيم القاعدة والحدود التونسية
وأوضح صالح أنّ الحدود الليبية المُتاخمة لتونس خالية من تنظيم "القاعدة"، وتضمّ المناطق القريبة من تونس مثل الزنتان ونالوت ميليشيات قويّة هي التي تحدث التوازن داخل ليبيا اليوم، موضحًا أنّ شعبية الجهاديين تراجعت لدى الشعب الليبي بل أن الشعور بالنقمة بدا يتزايد تجاههم بسبب أفعالهم التي وصفها بـ"الإرهابية" من ذلك قتل الجرحى في المستشفى وحرق منازل من يختلف عنهم في الرأي بدليل نبش البعض لقبور الجهاديين عند وفاتهم الأمر الذي جعل بعض عائلات الجهاديين يتسترون بالظلام لدفنهم لتفادي نبش قبورهم.
كما لاحظ أنّ أمن تونس من أمن ليبيا لذلك "ينظر أهل بلدي وشعبنا المسالم الذي يكره السلاح والقتل لتونس على أنها المتنفّس الذي يجب أنّ يحافظ على استقراره".
وتابع "تبدو العملية السياسية أكثر من صعبة في ليبيا، فعلي زيدان يعجز حد اللّحظة عن تمرير ما يثبّت هيبة الدولة من ذلك عجزه عن التغيير في المجالس المحلية إمّا بتعيين رؤساء مجالس جدد أو بتنظيم انتخابات (بلديّة)، إلا أنّ المجلس الوطني الذي يسيطر عليه المتشددين يعيق قراراته، هذا بالإضافة إلى تعكّر الوضع الاجتماعي بين مهجّرين في الداخل والخارج، وارتفاع عدد المفقودين الذي يقارب خمسة وعشرين ألف مفقود، وكثرة السجون السريّة والمشاكل بين المدن والقبائل والتسلّح".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر