دمشق - جورج الشامي
أصدر اتحاد تنسيقات الثورة بياناً تفصيلياً، الثلاثاء، بما توفر من معلومات، بشأن المجازر التي ارتكبتها عناصر تابعة إلى نظام الرئيس السوري بشار الأسد، في بانياس والبيضة وقرى في محيطهما، بينما نقلت شهادات إلى ناجين من المجزرة، تفاصيل جديدة عنها، وكيف تمت، ومن قام بها، وأسباب القيام بها.
وذكر البيان، أنه بعد فترة هدوء امتدت لمدة تقارب السنتين، ضمن اتفاق غير مكتوب على استمرار الهدوء في مناطق التوتر الطائفي، تحت بند الحفاظ على السلم الأهلي، بدأت قوات النظام حملة على الأحياء الجنوبية إلى بانياس، هي الأعنف في الساحل منذ بداية الثورة السورية.
وفي صباح 2 أيار/مايو عادت قرية"البيضا" إلى واجهة الأحداث، مع بدء توارد أنباء عن اشتباكات في البلدة، التي تبعد عن بانياس نحو10 كم جنوباً، والتي اكتسبت شهرة خاصة بها، كإحدى أهم المراحل في بداية الثورة، إذ شهدت الساحة نفسها التي أهان الشبيحة، والأمن أبناء البيضة فيها، واحدة من أبشع المجازر في حق السوريين، بعد تطويق قوات الأمن والشبيحة وقصف عشوائي استمر ساعات عدة، تبعها اقتحام إلى القرية الصغيرة ذات الـ 6 آلاف نسمة.
وتشير تقديرات الناجين إلى اشتراك الآلاف من مقاتلي، ما يسمى اللجان الشعبية، وجيش المقاومة الوطنية، ومعهم شباب من القرى العلوية المجاورة، بالإضافة إلى أشخاص يتكلمون اللهجة اللبنانية.
وذكر البيان أن القطع العسكرية المحيطة بالمنطقة، والتابعة إلى الجيش النظامي، قامت بالقصف المدفعي، ومع الاقتحام بدأت حملة تطهير طائفي، وقاموا بإعدامات ميدانية لكل من وجدوه من السكان (نساء وأطفال ورجال)، وتم تصفية الضحايا بطلقات في الرأس، أو بالذبح، أو بضرب الحجارة على الرأس حتى الموت، ومن ثم قاموا بإحراق معظم الجثث، وتظهر إحدى الصور لقطة لمحل "عزام بياسي" في قرية البيضا، وقد وُجد بداخله عشرات الجثث المتفحمة بعد إحراقها.
وقال أحد المشاركين في دفن شهداء مجزرة البيضا، إنه تم دفن 200 شهيد دفعة واحدة، في قبر جماعي واحد، في وجود عصابات القتلة وإحدى قنوات إعلامهم، وتم توثيق 150 شهيداً من أبناء القرية وضيوفها من نازحين إليها ومزارعين فيها، مشيراً إلى وجود 50 جثة لم يُعرف أصحابها، نظراً لتشوه الجثة، أو بسبب تفحمها، أو لأنه ضيف غير معروف الشخصية.
وأكد الشاهد أن مجمل الضحايا بين شهداء ومفقودين هم 700 مواطن من أهالي قرية البيضا، 400 منهم شهداء، و300 مفقودون، مشيراً إلى أن الناس شاهدت عدد من القتلى في الساحة، إلا أنهم لم يجدوا الجثامين التي اختفت دون دفن.
ولفت إلى استمرار عمليات البحث عن الشهداء، إذ تعج الأحراش والوديان التي حاول الأهالي الاختباء فيها بالجثث المتفسخة.
وبحسب شاهد آخر، فإن القصف الذي بدأ الساعة السابعة صباحاً من الجمعة حتى الساعة العاشرة، استخدمت فيه قذائف مدفعية وصاروخ واحد، والكثير من طلقات الرشاشات الخفيفة والثقيلة، وخلال هذا الوقت فر مجموعة من أهالي القرية عبر البساتين وبقي عدة مئات، في الساعة العاشرة بدأ الهجوم من محور جبل العجمة ومحور قرية المراح المسيحية، حيث تجمعوا فيها سابقا، مع الكثير من الرصاص بدأت المذبحة واستمرت حتى الساعة الثانية ظهراً، وتمت إبادة جميع سكان القرية من المسلمين، وتم اقتياد العشرات إلى قرية الزوبة حيث تم حرقهم أحياء، وتم إحراق كل البيوت والسيارات بشكل شامل.
ويقول ح.أ.ن" القصف لم يستهدف الحارة المسيحية، كان الانتشار فقط عندهم، حيث نزلوا من الجبل واجتمعوا بحارة المسيحية، وانتشروا فيها منهم من نزل إلى الكنيسة والباقي نزل علينا، كان في تعليمات، بعدم الاقتراب من المسيحية.
وأضاف"عمّ الهدوء بعد الساعة الثانية ظهراً وبقي انتشار الغاصبين حتى المساء، حيث عادوا إلى قراهم مع فرض حظر خروج المسيحيين من بيوتهم، بينما بقيت الجثث في البيوت والطرقات ورائحة اللحم المحروق فيها تزكم الأنوف.
كشف أن الشبيحة، حفروا خندقاً في مقبرة الضيعة على عمق يقارب 10 أمتار، وكدسوا الجثث فيه، ثم عاد الأمن والشبيحة رفقة الهلال الأحمر في اليوم التالي، لدفن مئات الجثث، موضحاً أنه بعد حفر الشبيحة مقبرة جماعية بواسطة" تركس" هدم سور المقبرة ليدخل، ووضعوا الجثث فيها على طابقين، لتأتي بعد ذلك سيارات الإطفاء وتغسل ساحة القرية من الدماء حيث تم الإعدام الجماعي للعشرات، وتم منع حتى المسيحيين من الخروج من حارتهم باتجاه حارة المسلمين أو الاقتراب من ساحة البيضا.
وكشف شاهد عيان ثالث، أن80 % من القرية ومنازلها دمرت والأراضي الزراعية معظمها أحرقت، وقتل معظم المزارعين الذين يعملون بها (معظمهم من منطقة الغاب)، إضافة إلى حارتين كاملتين من حارات القرية حرقهما الشبيحة تماماً بعد قتل كل من وجد فيهما.
في حين نقلت إحدى الشاهدات واحداً من أفظع المشاهد في المجزرة فقالت"أحرقوا خالي وأبناءه جميعاً أمامي أحرقوهم وهم أحياء".
وأوضح البيان أن قصفاً متقطعاً تعرضت له الخميس 2أيار/مايو منطقة بطرايا في مدينة بانياس أدى إلى إصابة مسجد التقوى وعدد من الأبنية المجاورة، ولم تعرف حصيلة هذا القصف والاقتحام الذي تلاه حتى الآن بسبب استمرار احتلال المنطقة من عصابات الأمن، وتم تطويق المدينة تماماً ومنع الدخول أو الخروج منها وحتى التنقل ضمن أحيائها، بعد انتشار القناصة.
ونقل موقع "الأورينت" شهادات لناجين من المجزرة، وحسب نازحة تدعى "خلود" والمتواجدة حالياً، على أتستراد بانياس طرطوس الدولي أن البيضا خاوية تماماً من سكانها وما زالت عناصر الشبيحة تقوم بعمليات النهب فيها، وأوضحت "خلود" أنها لم تتذكر وجوه القتلة بقدر ما تتذكر بضعة شبان تم تجميعهم وافتتاح المجزرة بحرقهم أحياء ومن ثم تم تقسيم القرية إلى ثلاث مناطق شملتها المجازر، الحي الأول والذي يسمى الحارة التحتانية وحارة المسجد في مدخل البيضا حيث تمت المجازر بينما كانت الحارة الداخلية أقل ضرراً حيث اقتصرت الأذية فيها على حرق البيوت والتهجير والخطف والاعتقال.
وقالت "خلود" إن عمليات القتل، تمت في الشوارع وليس فقط في الساحة العامة، ويتم تجميع الشبان والأطفال من مجموعة من البيوت وقتلهم بالسكاكين والحجارة دون الحاجة غالباً لاستخدام الرصاص، ثم يتم تغطية عيونهم أو ربط أكفهم ثم الرسم على أجسادهم بالسكاكين حتى الموت، بينما تم اقتياد البعض وتفتيتهم في قريتي المورد والزوبة.
ويصرح أحد سكان راس النبع ويدعى خالد"كنا خائفين نحاول أن نتوقع أن ما يجري سيقتصر على البيضا، لم نكن نستطيع أن نتخيل مستقبلنا القريب إلا أن البعض امتلك الجرأة للهروب عبر البساتين حيث تنتظره قناصة الأتستراد وجسر القوز".
"وتساءل زين ابن البيضا (شاهد عيان) "ما حجة الشبيحة فيما ارتكبوا؟" وأردف "كان بإمكانهم أن يتهموننا بأننا حين ننظر إليهم لا نخشى من وجوههم مثلاً، أو أننا لا نشرب المتة صباح كل يوم رغم أن أغلبنا يشربونها، لم يذكر أحد منهم شتيمة تتضمن أن شباب من البيضا اشتبكوا مع سيارة أمنية، أغلبهم لا يعرف واقعة هذا الاشتباك الذي جعل منه النظام مبرراً لإبادة مدينة، مع العلم أن الاشتباك السابق للمجزرة بأيام كان بسيطاً للغاية وهو ضد سيارة تعتقل شباباً من البيضا".
وعاشت البيضا أشهراً من الهدوء التام فصلت بين مجزرتين الأولى مطلع نيسان /أبريل2011 وهي بسيطة جداً مقارنة بالثانية منذ أيام، ولم تشهد البيضا خلال العامين أي خلل أمني خاصة وأن أغلب ناشطيها هاجروا أو نزحوا خارج سورية أو إلى مناطق الصراع الأكثر أمناً.
ويرى أحمد أحد سكان رأٍس النبع في بانياس أن هناك "90 في المائة من أبناء الطائفة العلوية، في كل المناطق يحملون حقداً طائفياً كبيراً ضد مدينة بانياس وقراها"، وأرجع ذلك إلى التحريض الطائفي الذي لم يتوقف خلال عامين، وكان الشعار الواضح هو ضرورة إزالة المدينة وقراها عن الخارطة وقتل جميع أبنائها الصغار، قبل الكبار وهو ما ظهر واقعياً خلال الأيام الأخيرة.
وبدأ حصار البيضا من قبل مجموعة كبيرة من الشبيحة المدنيين "جيش الدفاع الوطني" من أبناء القرى المجاورة لبانياس وهنا نخص "العصيبة - بارمايا - سقبلة - حريصون - المروج - وأحياء بانياس العلوية القصور والقوز".
و كانت مهمة الجيش المتمركز على الأوتسراد الدولي بانياس - طرطوس، وفي قلعة المرقب والقرى المجاورة وكتيبة الزوبة هو القصف المركز تمهيداً للاقتحام وما إن تم الاقتحام حتى بدأ اعتقال الذكور من الأعمار كافة ، بمن فيهم الأطفال والشيوخ وتم اقتياد بعضهم إلى قرى قريبة من البيضا لتصفيتهم هناك بينما تمت تصفية الغالبية في شوارعها وساحتها الرئيسية.
وحسب "زين" الذبح كان فوضوياً دون أية مساءلة أو تحقيق أو حتى توجيه تهمة، وقال ان عملية الذبح كانت تتم عن طريق ربط أو تغطية رأس الضحية، ومن ثم اللهو بضرب السكاكين أو قطع الأعناق أو تدمير الجماجم بالأحجار، وترك الجثث في الشوارع ليتسلى آخرون إما بإحراقها أو تجميعها، أو تفريقها بين البيوت للترهيب، مع العلم أن هناك أعداداً هائلة لم توثق من المخطوفين أو القتلى ، ومن المؤكد أن هناك مقابر جماعية سيتم اكتشافها قريباً، فأسماء القتلى الموثقين يفوق 300 بينما، من شوهدوا يقتادون إلى الموت أو قتلوا أكثر من 700 كما أن حالة النزوح الجماعية إلى طرطوس وبانياس منعت من إمكانية التوثيق.
لنقل أن عقوبة البيضا إثر مجابهة سيارة أمنية هي مجزرة مروعة حيث لم يتمالك النظام نفسه، وعقب أن انتهت السكاكين من عملها في البيضا حتى توجهت إلى رأس النبع في بانياس، ولم يبدِ السكان أي ردة فعل سابقة بفعل التخوف من استهدافهم وهو ماحصل بالفعل، فمن لم ينشغل باستكمال عنفه الطائفي في البيضا اتجه إلى بانياس، التي كان تمهيد الاقتحام فيها قد انتهى، ووجهت المدافع مقذوفاتها إلى "رأس النبع - بطرايا - رأس الريفة - الباصية - سهم البحر" بينما تولى شبيحة القوز القنص من على الجسر خوفاً من فرار ناجين، وكانت النتيجة عملاً إجرامياً كما البيضا ذهب ضحيته ما يقارب 300 شهيد أغلبهم سقطوا بالسلاح الأبيض.
ونزح معظم الناجين من البيضا إلى مدينة طرطوس متجاوزين عشرات حواجز اللجان الشعبية "جيش الدفاع الوطني حيث متوسط الأعمار 19 عاما"، وتكفلت الحواجز باعتقال الرجال وشتم النساء بتهمة "الطائفية"، ولم يسمح لهم بدخول طرطوس، فقط من اتجه نازحاً إلى بانياس استطاع الدخول لتستقبله المجزرة الجديدة أو النزوح الثاني.
وأكد معظم السائحين أنه "ليس لدينا سلاح"، وهو ما بدا منطقياً، فلم يسجل أي حالة قتل في صفوف القتلة، وهو ما يبرهن على غياب المقاومة، وكان الدخول إلى البيوت سهلاً، كما أن توثيق هذه الجرائم كان صعباً، على اعتبار أن الحرق ألغى كل الصور التي من الممكن أن تكون شاهداً على الذبح ضمن المنازل باستثناء تلك الخزانات الخشبية التي خبأت فيها الأمهات أطفالهن فأصبحت بقدرة الجريمة توابيت محروقة فيها رماد جثث صغيرة.
ولا تزال أغلب الجثث تفترش الشوارع، حيث من يقدر على دفنها إما مختبئ بعيداً عن سكين الذبح أو نازح أو فرد من أفراد شوارع الموتى.
لم تستطع غالبية القتلة المشاركة في حلقات الدبكة والتأييد التي كانت تجري في حي القصور وعلى جميع الطرقات المؤدية إلى بانياس، حيث كانوا يستكملون مهامهم الوطنية، إلا أن السيارات التي اصطفت بالمئات على طريق بانياس طرطوس، وبانياس اللاذقية، وبانياس القدموس، وجدت أن بانياس اكتفت بأعداد القتلى الذين نزلوا إليها وبالتالي كانوا قادرين على الاحتفال بالنصر كل من مكانه، وخصوصا ساحة السنتر الشهيرة وحي القصور.
وفي القرى أيضاً عقدت حلقات الدبكة بانتظار "مجاهدي" الأسد وهم على قناعة تامة بأنهم سيعودون سالمين على اعتبار أن معركتهم في بانياس وليست في ادلب أو دير الزور أو ريف دمشق حيث تختلف المعادلة.
ويقول زين "رأيت أكثر من 25 شخصاً مقطعين، كدسوا فوق بعضهم في دكان إستعدادا لحرقهم، ركضت بين الجثث.. رأس على يميني، وطفل محترق على يساري".
لم يسمع زين أنينهم أبداً، كان صوت احتفالية ريف بانياس بالانتصار طاغياً على صمت المقابر العائمة فوق الشوارع حتى على صوت المدفعية، لا شيء يعلو فوق نشوة الانتصار والنجاح في تنفيذ عملية قتل منظم وتطهير عرقي طائفي واضح المعالم بوقاحة.... انتصر الموت مبدئياً على جنان المتوسط وصيادي الأسماك، ويبقى للتاريخ أن يكتب الهزيمة وللبحر أن ينصف ساحله.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر