الجزائر – ربيعة خريس
أخرج الصراع الحاد القائم بين رئيس الحكومة الجزائرية الجديد، عبد المجيد تبون، الذي لم يمض على تعيينه سوى شهرين على رأس الحكومة، و"الكارتل المالي" بزعامة أحد أكبر رجال الأعمال في الجزائر، علي حداد ودخول الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين عبد المجيد سيدي على خط الأزمة المشتعلة، الطبقة السياسية عن صمته، وأجمعت على أن هذا الصراع يمهد لمرحلة سياسية جديدة تحسبا لرئاسيات ابريل / نيسان 2019. ومنذ أول تصريح رسمي له بالبرلمان الجزائري، أظهر رئيس الحكومة الجزائرية الجديد، عبد المجيد تبون، توجهه نحو وضع حد لتوغل "الكارتل المالي" في دواليب السلطة.
فقال بتاريخ 21 يونيو/ حزيران الماضي، أمام نواب البرلمان الجزائري، خلال عرضه وثيقة مخطط عمل حكومته، " ليكن واضحا أن الجزائر بلد الحريات وستظل كذلك وأنه من حق أي مواطن أن يخوض في الأعمال أو في السياسة أو يمارس الاثنين دون الجمع بينهما في وقت واحد، وسنفرق بين المال والسلطة ليصبح كل في فلكه"، مضيفا "يقال هنا وهناك أننا سنصطدم برجال المال والأعمال وهذا غير صحيح، فنحن متيقنون أن الثروة لا تأتي إلا بفضل المؤسسة الاقتصادية ولا تأتي إلا بالأعمال لكن العمل والمال لا يتوغلان في دواليب الدولة، فالدولة دولة والمال مال"، وكان هذا التصريح بداية لمواجهة مفتوحة بين الحكومة الجزائرية ولوبيات المال باسم الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقط بل فجر خليفة عبد المالك سلال في قصر الدكتور سعدان فضائح من العيار الثقل صنعت الحد في الساحة أبرزها إهدار 70 مليار دينار جزائري بشأن مشاريع عمومية فاشلة، وكشف حقائق مثيرة عن مصانع الاحتيال الصناعي لتركيب السيارات وتوعد بالتحقيق فيها.
واتخذ بعد ذلك عبد المجيد تبون سلسلة من القرارات وصفت بـ " الجريئة " من طرف المتتبعين للشأن السياسي، حيث جمد تبون 6 قرارات اتخذها سلفه عبد المالك سلال، تتعلق بالقطاعين الصناعي والاقتصادي، وطلب من وزراء في حكومته إعداد قائمة بالمشاريع التي لُزِّمت في شكل مشبوه المستثمرين من طريق التراضي، ثم بعث باعذارات إلى رجال الأعمال الذين لديهم ديون في البنوك، وأمرهم بتسوية وضعيتهم، ومنحهم 60 يوما قبيل سحب المشاريع منهم.
وفسر رئيس حزب الجيل الجديد سفيان جيلالي، الصراع القائم بين رئيس الحكومة و "الكارتل المالي" على أنه يمهد لمرحلة سياسية جديدة يتم التحضير لها وراء الكواليس، وما هو قائم الآن له علاقة بتصفية حسابات مع رجال الأعمال، الذين استعلموا نفوذهم لصالحهم خلال حكومات عبد المالك سلال المتعاقبة، وتساءل عن أسباب دخول عبد المجيد سيدي سعيد على خط الأزمة، قائلا " كيف يتحدث سيدي السعيد باسم شرائح من المجتمع وهو في الحقيقة يدافع عن رجال المال ".
وأرجع سفيان جيلالي الصراع القائم حاليا إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية التي جرت يوم 4 مايو / آيار الماضي، فنسبة العزوف التي شهدتها هذه الاستحقاقات دفعت بالسلطة الجزائرية إلى تغيير استراتيجيتها وتفادي تكرار هذا السيناريو في رئاسيات ربيع 2019. وانتقد رئيس حركة مجتمع السلم الجزائرية، أكبر الأحزاب الإخوانية في الجزائر، عبد الرزاق مقري، موقف الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين عبد المجيد سيدي سعيد الذي أعلن تخندقه مع منظمات رجال الأعمال ضد الوزير الأول عبد المجيد تبون، ووصفه بـ"بوديغارد الباترونا".
وعنون مقري في منشورا على صفحته بموقع "فايسبوك"، بـ"سيدي السعيد: النقابي الذي أنهى الطبقة الشغيلة يتحول إلى بوديغارد الباطرونا"، في تعليق منه على بيان مشترك للامين العام للمركزية النقابية مع منظمات رجال الأعمال، ينددون فيه بـ"سوء معاملة" علي حداد من قبل الوزير الأول"، وحسب رئيس حركة "حمس"، فإن "سيدي السعيد لم يدافع مدة سنواته الطويلة متربعا على عرش الاتحاد العام للعمال الجزائريين على العمال كما يدافع اليوم على أرباب العمل".
وأضاف "سيدي السعيد الذي رافق كل الحكومات السابقة في تفكيك الاقتصاد الوطني وإضعاف الطبقة العاملة، وتدمير روح العمل النقابي يريد أن ينهي مشواره "خدام" لصالح رجال الحكومة الذين اغتنى أصحابه فيها بالقروض الامتيازية بعيدا عن الشفافية والعدل والقانون والمردودية وتساوي الفرص". وفسر مقري موقف زعيم المركزية النقابية بأنه "لا يوجد في موقفه أي بعد اقتصادي أو سياسي، إنها الأيديولوجية والجهوية والولاءات لا غير. أين الوطن؟".
ويرى القيادي البارز في حركة النهضة الجزائرية، محمد حديبي، إن السلطة في الجزائر بدأت في ضبط أجندة التسيير تحسبا للمرحلة القادمة، بعد التسيب والعجز الكبير الذي شهدته الحكومات السابقة، فلأول مرة في تاريخ يعلن عن تحالف بين " الباترونا " أي منظمات أرباب العمل. ومن جانب آخر وجهت الكونفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية، سعيدة نغزة، انتقادات لاذعة للحملة الشرسة التي شنها تحالف رجل الأعمال على حداد والأمين العام للمركزية النقابية سيدي سعيد، ضد رئيس الحكومة الجزائرية عبد المجيد تبون، وقالت إن الاتفاق بين الطرفين ما هو إلا رد فعل على سياسة حكومة تبون في فصل المال عن السياسة وبداية استرجاع الخزينة العمومية لأموالها المنهوبة في ظل الأزمة الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد جراء تهاوي اسعار النفط الأسواق الدولية ونضوب أموال الصناديق السيادية.
وأوضحت نغزة، في مؤتمر صحافي، أن الاجتماع الذي نظم بفندق الأوراسي بأعالي محافظة الجزائر العاصمة، لم يحظ بمشاورة أعضاء الهيئات و التنظيمات، مشددا على أن الحضور "لا يمثلون إلا أنفسهم"، وانتقدت نغزة ما وصفته بخطاب الأمين العام للمركزية النقابية "لقد قال لي إذا لم تشاركي، فانك ستعاقبين"، معتبرة أن لقاء الاوراسي تم على أساس تقاطع مصالح، وإذا هم أعلنوا معارضتهم لرئيس الوزراء، فإنهم بالتالي ضد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لأنه يطبق برنامجه وهو من عينه."
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر