أدى فشل المحاصيل في أفريقيا على مدى العامين الماضيين إلى نقص حاد في المواد الغذائية في جميع أنحاء القارة، وهناك ما يقرب من 50 مليون شخص في حاجة إلى مساعدة عاجلة، فقد أعلنت 7 دول عن أوضاع كارثية، حيث تواجه أثيوبيا أسوأ موجة جفاف منذ 50 عامًا، وفي الوقت نفسه تواجه جنوب أفريقيا واحدًا من أكثر المواسم جفافًا منذ أكثر من 35 عاما.
ويعد السبب المباشر لهذه الأزمة هو ظاهرة "النينو" التي تؤثر على أنماط الطقس في مختلف أنحاء العالم ما أدى إلى تداعيات بشرية خطيرة ممثلة في المرض وسوء التغذية الشديد، ولا يمكن إرجاع هذه الأزمة إلى أسباب طبيعية فقط، فقد شجعت العديد من البلدان الأفريقية والغربية المزارعين على زراعة أحد المحاصيل الأساسية، حيث لا يناسب محصول الذرة مع الجفاف أو ارتفاع درجات الحرارة في البلاد.
ويتوقع أن تصل الأزمة إلى ذروتها خلال الشهرين المقبلين، إلا أن الحكومات في جميع أنحاء العالم تعهدت بدفع نصف الأموال اللازمة لإطعام الجميع في حين يتوقع أن يموت جوعًا عدد قليل من الناس، كما يعاني ملايين من الأطفال من سوء التغذية وهو ما سيؤثر سلبًا على التعليم ويضر بصحتهم على المدى الطويل، وزارت مؤسسة بيل ومليندا غيتس 3 دول تواجه الأزمة هي ملاوي وزيمبابوي وزامبيا لتقديم الذرة والوجبات الأخرى للمزارعين والقرويين والسياسيين والتجار.
وتروي عاملة الإغاثة من ملاوي إلفاس مونثالي التي تعمل في منظمة "Concern Worldwide" : "نتناول الطعام في مطعم في نيغالي بالقرب من الحدود مع موزمبيق، وأتعامل مع القرى في أقصى جنوب ملاوي، لقد صدمت عندما زرت الناس وأخبروني أنه ليس لديهم بذور أو غذاء، لكننا لا يمكن أن نصل إلى الجميع، ذهبت إلى منزل امرأة لديها 4 أطفال وزوجها توفى، ولم تأكل المرأة طوال اليوم، وكانت تعاني من فيروس الإيدز ولا حول لها ولا قوة، لكنها كانت تحاول العمل في الحقول من أجل العثور على الطعام".
وأضافت مونثالي: "الناس يجدون صعوبة في تناول طعام صحي فهو مكلف للغاية ويحصلون بصعوبة على اللحوم والزيوت، المناخ يتغير ونزرع حاليًا الذرة في نهاية ديسمبر/ كانون الأول أو يناير/ كانون الثاني، بعد أن كنا نفعل ذلك في نوفمبر/ تشرين الثاني، أعلم كيف يكون الأمر في موسم الجوع فالعائلة تعتمد على الزراعة للطعام، وفي موسم الجوع نتناول الشاي والقليل جدًا من الطعام، وحاليًا أدعم أخي للذهاب إلى المدرسة لأن والدي ليس لديهم مال، وأشعر بالفخر لكوني عاملة إغاثة حيث أجلس مع الناس وأتناول مما يتناولنه وأحاول مساعدتهم".
وقالت ألفوفاسي يالو التي تعيش في Nkhundi جنوب ملاوي في منزل منحته لها إحدى العائلات: "هناك 5 أفراد منا يعيشون معي في المنزل ولدى طفل واحد عمره 4 سنوات وتعيش معي شقيقتي واثنين من أطفالها، ويتلقى بعض الأشخاص في القرية المساعدات الغذائية لكني أتسول لأني فقدت من قائمة المساعدات عندما كانوا يأخذون الأسماء، كنت نائمة في ذلك الوقت، أنام كثيرًا لأني أعاني من فيروس الإيدز، وتجعلني الأدوية التي أتناولها ضعيفة وجائعة، طفلي أيضًا ضعيف للغاية.
وتابعت يالو: "نحن نتناول بعض المياه طوال اليوم ولا أعرف ما سنأكله، أحيانًا يعطينا شخص ما البطاطا وأحيانًا نأكل المانجو من الأشجار لكنها تحتاج إلى ذهاب شخص ما إلى الأشجار وأنا لا أستطيع، وقيل لي أنه لا يمكن وضعي على برنامج للتغذية حتى مارس/ آذار ولا أعتقد أنني سأعيش كل هذا الوقت، وأحيانًا يقدم لي الجيران العصيدة، بينما يعتمد الأطفال على برنامج التغذية المدرسية، ويساعدون بعضهم البعض".
وأكد المزارع نيلسون مودزينغوا من وسط زيمبابوي الذي يعيش في إحدى ضواحي هراري: "أنا واحدًا من 400 ألف شخص استفادوا من الإصلاح الزراعي لمزرعة روبرت موغابي، وتبلغ مساحة الأرض 8 هكتار قرب ماسفينغو، على بعد نحو 300 كيلو من هراري، وكنت أعمل في أرض بحوزة ثلاثة مزارعين بريطانيين وكانوا جيدين لكنهم يصدرون محاصيلهم إلى أوروبا، وهناك حاليًا نحو 500 عائلة تزرع المحاصيل الغذائية لزيمبابوي، إنها أرض جيدة أزرع فيها الذرة والبازلاء والفواكه وأربي الماشية".
وأردف مودزينغوا: "حصلنا على بعض المطر في فبراير/ شباط ولكن لدينا حاليًا أسوأ موجة جفاف وفقدت بعض الأبقار لكننا لم نعاني من نقص الطعام وما نأكله يأتي من المزرعة، نحن نمارس الزراعة الإيكولوجية في إطار مجموعة "Zimsoff" للفلاحين وهي جزء من حركة "La Via Campesina " العالمية للفلاحين التي تضم 300 مليون عضو حول العالم، ونجمع كل قطرة مياه ونحفر القنوات والسدود لمنع تآكل التربة ونخزن البذور ونغذي التربة بالسماد العضوي وليس بالسموم".
وتابع مودزينغوا: "عندما وصلنا إلى هنا عام 2000 لم يكن لدينا أي بنية تحتية وكان علينا أن نبنى منازل لنا، وتعلمنا التركيز على الحبيبات الرفيعة بدلًا من الذرة بسبب تغير المناخ، ويعتبر التنوع سلاح لحماية المزارعين وتوفير الغذاء، وأعلنت زيمبابوي عن كارثة في الغذاء وطالبت ب 1.5 بليون دولار لإطعام 4 مليون شخص، ويمكن تجنب هذه الكارثة من خلال الزراعة الإيكولوجية، حيث نجت المناطق التي حظيت بزراعة متنوعة هذا العام إلا أن الحكومة لا زالت مهووسة بالزراعة التقليدية والتي تتأثر بالبذور والشركات الكيميائية الكبرى، فهي تركز على الذرة والتبغ والبذور المهجنة، ويعود الجوع في جنوب أفريقيا إلى الثورة الخضراء في الستينات عندما تم تشجيع الجميع على زراعة المحاصيل الغذائية مع المواد الكيميائية ما جعل الذرة المحصول الوحيد في جنوب أفريقيا، ولذلك يجب علينا تجنب المواد الكيميائية والمحاصيل المعدلة وراثيًا والبدء في اتباع الزراعة الإيكولوجية".
وتوضح المزارعة لوسيا بيلو التي تعيش في قرية "Aloufasi" في ملاوي: "أنا ربة أسرة مكونة من 9 أشخاص، فقدت زوجي منذ 10 أعوام ولدى 8 أطفال لأطعمهم بما في ذلك 4 أيتام وهم أبناء شقيقتي الكبرى، وأعتمد على الزراعة ولكن هناك فشل كلي في المحاصيل هذا العام، وتم إعطائي 50 كيلو من الذرة في نوفمبر/ تشرين الثاني وهي تكفي لمدة أسبوعين ونصف فقط ولكن من المفترض أن تستمر لمدة شهر، نحن نأكل وجبة واحدة في اليوم".
وأكدت بيلو: " كنت في الشهر الماضي جائعة للغاية ولم يكن لدّي الخبز فاضطررت إلى أكل زنابق الماء، ومشيت لمدة 6 ساعات لأحصل عليهم، والأطفال اللذين لا يأكلون لا يذهبون إلى المدرسة، عندما تكون جائعًا يتضرر بصرك ويعمل قلبك بشكل أسرع وتتضرر معدتك ورأسك، وعندما يأتي الطعام يكون مثل الإغاثة، لقد أعددت أرضي لزراعة الذرة، إنها مستعدة إلى استقبال هطول الأمطار ولكن ليس لدى بذور، وحتى إن كان لدي وزرعتها في ديسمبر/ كانون الأول فلن نحصل على المحصول قبل أبريل/ نيسان وخلال هذه الفترة نحتاج إلى مساعدة".
وأوضحت كوكو يوشايما برنامج الأغذية العالمي في ملاوي: "تزداد أعداد الذين يحتاجون إلى الغذاء بسرعة ففي نوفمبر/ تشرين الثاني كان هناك 5.7 مليون من ملاوي يحتاجون الطعام وتقترب من 6.5 مليون جائع بحلول يناير/ كانون الثاني وتستمر الأزمة على الأقل حتى مارس/ آذار، لدينا الكثير لعمله ونخطط إلى الأسوأ ونأمل في الأفضل، يجب أن يكون لدينا ما يكفي من الذرة، ولكن ليس لدينا ما يكفي من البقول أو الزيت النباتي أو الفيتامينات أو الأطعمة المغذية".
وتابعت يوشايما: " نتعاقد مع السفن وتُخصص أموال حكومية من ميزانيات أخرى ولكن هناك أنباء عن المضاربة بين التجار ويجب أن تستقر الأسعار لكنها لا تزال مرتفعة بشكل غير طبيعي، نحتاج 15 شاحنة و3 مروحيات، وفي العام الماضي كان هناك فيضانات في ملاوي ولكن هذا العام هناك جفاف شديد، وحاليًا سيكون هناك أمطار لكنها ستتلف الطرقات مما يصعب عملية توزيع المواد الغذائية، ولا تتعلق الأزمة بالغذاء فقط، فقبل عامين كان هناك محصول وفير ولكن كان هناك جياع أيضًا، والسبب أن ملاوي تضم 9 مليون فقير من أصل 17 مليون نسمة، ويضطر الفقراء إلى إنفاق 50-70في المائة من دخلهم على الغذاء، وهناك حاجة ماسة إلى تنويع المحاصيل ولكن الأمر يتطلب بعض الوقت".
وأوضح ديفيد غوردون أحد أكبر المزارعين في زامبيا: "اعتدت على تغذية زامبيا وكنت أكبر مزارع ذرة في البلاد، ونزرع نحو 2000 هكتار من الذرة وكانت الحقول جيدة وكنا ننتج ما يصل إلى 16 ألف طن سنويًا، وأملك 6 مزارع مساحتها أكبر من 29 ألف هكتار، ولدينا 2500 من الماشية ونزرع 600 هكتار من فول الصويا والتبغ والقمح والذرة للحيوانات، وتقول الحكومة أن هناك ما يكفي من الذرة للجميع لكن الناس ليس لديهم ما يكفي من الطعام".
وتابع غوردون: "تكمن المشكلة في أن 70 في المائة من الناس من أصحاب الحيازات الصغيرة يزرعون الذرة من خلال الإعانات، ولكن لا يمكن للبلاد دعم المزارعين في كل وقت، فضلًا عن انخفاض الإنتاج الزراعي التجاري من 400 ألف طن من الذرة سنويًا إلى 30 ألف طن، ويتحتم علّي تحقيق ربح كبير لأني في حاجة إلى آلات كبيرة، لقد أنفقت 500 ألف دولار على حصاد العام الماضي، وأوظف 150 من الرجال و80 من النساء لمدة تتراوح بين 6-8 أشهر في العام، فيما تعد المحاصيل المعدلة وراثيًا كارثة حيث أنها لن تنتج المزيد من الغذاء كما أنها تستخدم الكثير من المبيدات التي تحرق الجذور".
وبّين فاراي مونياني رئيس شركة "Bayer Crop Science" في زيمبابوي لعلوم المحاصيل: "نحن شركة علوم محاصيل عالمية وعرضنا 65 مليار دولار لشراء شركة "Monsanto" لكننا لا نربح من الجفاف بهذا القدر، لقد خسرنا المال وفشلت المحاصيل وأصبح المزارعون يشترون عددًا قليلًا من المواد الكيميائية والبذور، ونعتقد أنه إذا استخدم الناس تقنياتنا يمكن تقليل الأزمة الغذائية، ويعد تغير المناخ هناك حقيقة ولذلك يحتاج المزارعون إلى تعليم التوقيت المناسب للزراعة وكيفية التعامل مع الآفات، ولكن هناك فجوة بين المزارع الصغيرة والكبيرة حيث تحصل المزارع الكبيرة على 8 طن من الذرة للهكتار الواحد أما المزارع الصغيرة فتحصل على 800 كيلو فقط، إنهم بحاجة إلى التغيير".
وأردف ديفيد فيري رئيس منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة في جنوب أفريقيا: "إنها كارثة ضخمة وصدمة كبيرة على النظام، مئات الآلاف من الناس على شفا مجاعة، وربما نرى الموت جوعًا في بعض الأماكن، تقاعسنا عن العمل أو مجرد التأخر سيكون لها نتائج مروعة، نحن نتوقع تأثر 40 مليون شخص في كل أنحاء جنوب أفريقيا، وتعد مدغشقر وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومالاوي وزيمبابوي من أسوأ الأماكن المتورطة، وتعتبر ظاهرة "النينو" حاليًا الأقوى منذ 35 عاما، حيث أدت موجات الجفاف في الخمسينات إلى العديد من الوفيات ويمكن أن يكون الوضع أكثر سوءً".
وأكد فيري: "أعتقد أن التكلفة الإجمالية ستكون 2.9 مليار دولار لكننا نمول 40 في المائة فقط، ونتوقع المزيد من المال حتى يمكننا التصدي إلى الأمر لكننا نتفهم محدودية ميزانيات الجهات المانحة، وخوفنا ليس من مجاعة واسعة النطاق ولكن من البقع الساخنة للجوع القاتل، لأن الناس استنفذوا احتياطيات الطعام، وإن لم يصل الطعام إلى الناس سيؤدي ذلك إلى كوارث خطيرة، وربما تتضرر جهود الإغاثة بسبب هطول الأمطار ويصعب توزيع البذور، وترغب الجهات المانحة في التصرف ولكن الأمر يستغرق أشهر للعمل، علينا أن نبدأ بالتفكير بشكل مختلف عن الطعام في أفريقيا، وأعتقد أننا سنواجه المزيد من هذه الأزمات مع تزايد درجات الحرارة وسنرى المزيد من الأمراض، وينبغي أن نبدأ في توقع وجود كارثة كل عام".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر