لا يختلف اثنان على أنَّ مدينة مراكش تشتهر عالميًا وليس فقط على الصعيد الوطني، فهي المدينة التي تجد فيها كل شيء، الصورة السلبية والإيجابية، لاسيما في السنوات الأخيرة.
وأصبحت تعرف ارتفاعًا في نسبة الجريمة على جميع المستويات والتي لم تقتصر فقط على فئة عمرية محددة بل تجاوزت الشبان والراشدين لتدخل عالم القاصرين الذين حطموا الرقم القياسي في ارتكاب مختلف الجرائم على صعيد المدينة وفي مختلف أحيائها سواء العتيقة والمهمشة أو حتى على مستوى الأحياء الراقية والفخمة.
ويرجع ذلك لعدة أسباب ساهمت في انتشارها بشكل كبير وفي فترة وجيزة وبوتيرة لم نشهدها لها مثيل، وهذا ما تشهد به الأرقام المسجلة في مراكز الأمن وما ذكرته التقارير الصادرة عن وزارة الداخلية والتي وصل عددها إلى مئات الجرائم المرتبكة سنويًا على الصعيد الوطني.
الغريب في الأمر أنَّ الجريمة لم تعد تقتصر فقط على نوع معين كالسرقة و القتل والدعارة والسكر والضرب والجرح وغيرها من الجرائم التي وصفت بالتقليدية.
وإنما تجاوزت ذلك لتظهر جرائم من نوع آخر والتي أصبحت تقلق الجهات المسؤولة وتقلق المجتمع ككل، كقتل الوالدين واغتصاب الإخوة فيما بينهم واغتصاب الأب لابنته والخيانة الزوجية من الطرفين معًا وبشكل علني وغيرها من المظاهر السلبية والخطيرة التي أصبحنا نسمع عنها ونراها في مجتمعنا المغربي بشكل مباشر.
أصبحت مخافر الشرطة تعج بالشكاوى والمحاضر التي الرسمية التي لا تنتهي بل يزيد عددها كل يوم.
وللغوص في الأسباب والدوافع التي تدفع مختلف الشرائح الاجتماعية لاسيما في صفوف القاصرين الذين يرتكبون مختلف هذه الجرائم التي أصبحت تعرف طريق الانتشار بشكل موسع في مدينة مراكش، أجرى "المغرب اليوم" تحقيقا للوقوف على أهم هذه الأسباب والنتائج الناجمة عنها.
كشفت السعدية أم لثلاثة أولاد أحدهم داخل أسوار السجن يقضي عقوبة مدتها 15 عامًا بتهمة ارتكاب جريمة قتل بشعة في حق أحد أصدقائه، قضى منها 4 أعوام، أنَّ ابنها كان تلميذًا مجدًا ومحترمًا وذو أخلاق عالية.
وأضافت أنَّه ظل كذلك إلى اليوم الذي تعرف فيه على مجموعة من المراهقين الذين كانوا في مثل سنه ينحدرون من أحد الأحياء الشعبية في مدينة مراكش، وكانوا يتعاطون المواد المخدرة وقادوه إلى عالمهم الخاص.
وتابعت الأم: أنَّه تحول من فتى صالح إلى أسوء إنسان رأيته، وظهر ذلك على مستواه الدراسي الذي تراجع، ثم تصرفاته حيث كان يسرق أشياء من المنزل ويقوم ببيعها من أجل الحصول على المال، إضافة إلى عصبيته وشجاره الدائم مع أخوته ومعي في البيت.
وأوضحت الأم أنَّها اكتشفت أنَّه يتعاطى المواد المخدرة عندها رأتها في البيت، وعندما سألته عن الأمر صرخ في وجهها وأخذها منها وفر هاربًا وغاب عن المنول 4 أيام.
وأشارت إلى أنَّه وصلها خبر من الشرطة التي ألقت القبض عليه بتهمة القتل، التي ارتكبه في حق أحد أصدقائه الذي رفض مشاركته سيجارة "حشيش".
وأكدت الأم أنَّ زوجها رفض مساعدة ابنه، مؤكدًا أنَّ السجن سيكون بمثابة درس له سيتعلم منه الكثير وسيجعله يعود إلى رشده بعد فعلته هذه.
من جهة ثانية يؤكد عبدالعظيم (32) عامًا، موظف في إحدى الشركات، متزوج وأب لطفلين، أنَّ ظاهرة الجريمة لا تقتصر فقط على فئة معينة من المجتمع ولا يمكن حصرها في نوع واحد.
وأضاف "تعرضت لأسوء ما يمكن أن يتعرض له رجل في حياته وهو الخيانة الزوجية التي كتبت عنها الصحف المراكشية وجميع المواقع الإليكترونية الإعلامية، حيث كانت زوجتي تستغل غيابي عن المنزل لتخونني مع أعز أصدقائي ولمدة فاقت 5 سنوات دون أن أعرف ذلك".
وأوضح "اكتشفت الأمر بمحض الصدفة حينما رجعت إلى المنزل مرة في وقت مبكر على غير عادتي وكشفتهما متلبسين بممارسة الرذيلة فوق فراش الزوجية، وتجمدت في مكاني من هول الصدمة لأني لم أكن أتوقع هذا الأمر".
وتابع "قام صديقي بالركض إلى الشرفة والقفز منها إلى الشارع حيث لقي حتفه منتحرًا، وتم توقيف زوجتي السابقة التي تقضي عقوبة الخيانة الزوجية ومدتها 5 سنوات، لأني لم أشفق عليها ولم أسامحها رغم التوسلات العديدة منها ومن أسرتها، بل حرمتها من الأطفال بعد أن أجريت لهما التحاليل من أجل أن اتأكد أنَّهما والداي فعلا".
وشدد عبدالعظيم على أنَّه ليس من السهل على الرجل أن يتقبل فكرة الخيانة لاسيما إذا تزوج عن حب وكان يعامل زوجته كملكة.
وأشار بأصابع الاتهام إلى المجتمع، مضيفًا أنَّه أصبح يزرع الرعب في نفوسنا ومخاطر الإجرام باتت تعرف طريقها إلى كل المنازل المغربية، وذلك راجع لتدني مستوى الأخلاق والسلوكيات المنحرفة التي انتشرت بشكل كبير بين أفراد المجتمع المغربي.
ومن جانبها؛ كشفت خديجة (45) عامًا، أنَّها قضت عقوبة سجن مدتها 8 سنوات بتهمة حيازة وترويج المواد المخدرة، إضافة إلى استقطاب الفتيات للرجال من مختلف الجنسيات لممارسة الدعارة.
وأضافت أنَّ "هناك أسباب دفعتني إلى القيام بهذا فأنا لم اختر أن أكون خارجة عن القانون بل ظروف العيش والحياة القاسية دفعتني لفعل ذلك فقد توفي زوجي وترك لي 5 أولاد ليس لي معيل يساعدني على تربيتهم".
ورفضت الإفصاح عن كيفية دخولها عالم المواد المخدرة إذ تكتفي بذكر أنَّها "وجدت نفسها ضمن شبكة لترويج وحيازة المواد المخدرة والتي عملت معها لمدة 3 سنوات".
ثم شرعت في دخول عالم الدعارة باقتراح من أحد أطراف الشبكة من أجل استقطاب الفتيات وعرضهن على سياح أجانب من أجل ممارسة الدعارة مقابل فائدة.
وأوضحت أنَّه تم توقيفها إثر حملة تطهيرية مكثفة شنَّتها عناصر الأمن المراكشية والتي وقعت فيها متلبسة بحيازة المواد المخدرة داخل شقة معدة للدعارة ضواحي مراكش.
وأكدت أنَّها تحملت الصعاب خلال فترة تواجدها في السجن، وتعلمت الكثي وخسرت الكير أيضًا، مضيفةً أنَّ أكثر ما يحز في نفسي هو كوني من طرف المجتمع ومن طرف أبنائي وهذا أكثر ما يحز في نفسي ويكسرني كلما تذكرته.
ومن جهته؛ كشف خالد (19) عامًا أنَّه حُكم بعقوبة السجن بسبب ارتكابه تهمة السرقة الموصوفة واعتراض طريق المارة وسلبهم ما بحوزتهم تحت طائلة التهديد بالسلاح الأبيض.
وأكد أنَّ "السجن من أسوأ الأماكن التي قد يدخلها الإنسان ويقضي فيها مدة طويلة وهو محبوس بين جدرانه"، مضيفًا "أنا نادم على ما قمت به من جرائم في حق غيري لكن العراقيل والصعاب التي كنت أعيشها دفعتني لذلك".
وأضاف "صحيح أني ارتكب العديد من الجرائم التي عاقبني القانون عنها وكنت آمل أن أخرج لأبدأ حياة جديدة، إلا أني وجدت أن المجتمع مازال يعاقبني ولم يرحمني، فقد أصبحت منبوذا أكثر مما سبق ولم تعد الفرص أمامي لأحصل على عمل حتى ولو كان بسيطًا".
وكشفت ربيعة (34) عامًا، أم لطفلة في السابعة من عمرها، في تصريح إلى "المغرب اليوم" عن قصة من أغرب القصص، وهي من أبشع الجرائم التي قد تحدث في تاريخ البشرية والتي تدمر النفس والعقل هو أن يغتصب الأب ابنته.
وأضافت "هذا ما حصل مع ابنتي التي كان والدها يمارس عليها الجنس لمدة سنة كاملة دون أعرف ذلك ودون أن تبوح به هي خوفا من تهديده الدائم لها، فقد كان يستغلها جنسيا كلما أتيحت له الفرصة".
وأضافت "اكتشفت الأمر بالصدفة حينما تركتها في المنزل مع والدها وذهبت لجلب بعض أغراض المطبخ وحينما عدت وجدته في غرفتنا وهو يمارس عليها الجنس، لم اصدق ما رأيته، جننت وشرعت في الصراخ وضربه بكل ما كان أمامي، ولولا أنَّه هرب إلى الخارج لكنت قتلته".
وأضافت ربيعة وهي تبكي "لم أكن أعرف ماذا أفعل لولا مساعدة إحدى جارتي التي اتصلت بالشرطة التي باشرت تحقيقها، إلا أنَّ الأمر توقف ولو يوصلني إلى نتيجة، لولا مساعدة إحدى الجمعيات الخاصة بحماية الاطفال التي وجدت فيها اليد الحاضنة لملفي، والذي طالبت فيه بادانة زوجي بسبب فعلته، وقد ساندوني كثرًا".
ومن جهته أكد أستاذ في علم الاجتماع، عبدالرحيم الدردوش، أنَّ الجريمة في المجتمع المغربي المسلم لاسيما في المدن الكبرى كالدار البيضاء والرباط وفاس ومراكش أصبح أمرًا خطيرًا ويهدد حياة البشرية إن لم نمتكن من التغلب عليه، لاسيما في ظهور عدد كبير من الجرائم الجديدة التي بتنا نراها تخيم على الساحة.
وأضاف الأستاذ عبدالرحيم في تصريحات خاصة إلى "المغرب اليوم" أنَّ أسباب الجريمة عديدة ودوافعها كثيرة ويمكن استخلاصها فيما: فشل المدارس في التربية على القيم والأخلاق وتحول بعضها إلى مشاتل لنشر الانحرافات السلوكية، إضافة إلى انتشار ظاهرة السكر العلني من غير رادع أمني، و توفر المواد المخدرة بشتى أنواعها لكل الفئات العمرية، واستهداف البنات والمؤسسات التعليمية بعد شيوع ظاهرة التدخين".
وتابع "لا ننسى انتشار أماكن بيع الحبوب المهلوسة مع استغلال ظاهرة التهريب، فضلًا عن سياسة إعلامية علمانية تسيطر على الواقع الإعلام بشتى أنواعه، من حيث عرض الأفلام والمسلسلات الهدامة التي تنشر قيم الرذيلة".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر