تقع منطقة روج آفا بالقرب من الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" في أقصى الشمال من سورية، وتتمتع بحكم ذاتي، إلا أن المعلومات الواردة من هناك تبدو متناقضة، حيث تراها الحكومة التركية منطقة في حجم "كونيتيكت" ويبلغ عدد سكانها نحو 4.6 ملايين شخص. كما أنها لا تتعدى كونها جبهة للجماعة التركية التي تعرف باسم حزب "العمال الكردستاني".
ومنذ تأسيس الحزب في العام 1978 بقيادة أوجلان الذي كافح وناضل كثيراً من أجل الاستقلال عن تركيـا على أمل تأسيس موطن يضم 14 مليون كردي. أسفرت هذه الجهود عن مقتل نحو 40 ألف شخص من بينهم آلاف المدنيين فضلاً عن عقوبة السجن التي تعرض لها أوجلان.
وأدرجت وزارة الخارجية الأميركية حزب العمال الكردستاني ضمن المنظمات المتطرفة في عام 1997. ومع فشله في تركيـا وفقاً لمزاعم المسؤولين، فإن الحزب يحاول تأسيس موطن للأكراد وسط الدمار الذي خلفته الحرب. إلا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ذكر في حزيران/يونيو بأن بلاده لن تسمح بتأسيس دولة كردية شمال سورية أو جنوبها، مؤكداً على أنه سيستمر في قتالهم مهما كان الثمن.
ومع ذلك فإن عضو مجلس النواب البريطاني، ريمون جوليفي، كان له رأي آخر خلال رحلته إلى هناك في آيار / مايو من عام 2015، بعدما أكد أنها تجربة فريدة تستحق النجاح. ووصل إلى هناك أيضاً في كانون الأول / ديسمبر من العام المنصرم الهولندي جان بست دي فرايز وتبرع بمبلغ 10 آلاف دولارللمساعدة في شراء الكتب لصالح طلاب الجامعة الكردية.
وتوجه الناشط السياسي الأميركي والمتخصص في علم الإنسان، ديفيد جرابر، إلى المكان ذاته بعدها بأيام، وكتب قبل قيامه بالرحلة أن منطقة الحكم الذاتي في إقليم كردستان السوري "روج آفا" تعد إحدى النقاط المضيئة للخروج من مأساة الثورة السورية، مضيفاً أنه في آيار / مايو شاهد إعلاناً على صفحة التواصل الاجتماعي "فيسبوك" لأكاديمية جديدة للطلاب وهو ما يعد حدثًا ثوريًا مهمًا.
وعلى مدار سنوات عدة، كان الأكراد السوريون يحرمون من الدراسة من قبل الرئيس بشار الأسد ووالده حافظ، فيما تلقى الفتيات الأكراد على بعد 15 ميلاً حيث المنطقة التي يسيطر علىها "داعش" التعذيب حتى الموت لأنهن يريدن ممارسة حقهن في التعليم.
يذكر أنه في حال نجاح تأسيس روج آفا ، فإنها ستكون بذلك الوطن الثاني للأكراد "بعد حكومة إقليم كردستان في العراق على الرغم من أن الإدارتين غير تابعة لبعضهم ). فالسعي نحو إيجاد وطن جاء مبنياً على اتفاقية سايكس بيكو الموقعة بين بريطانيا وفرنسا عام 1916 لتقسيم الشرق الأوسط إلى مناطق نفوذ. وفي غضون سنوات، فإن الملايين من الأكراد الذين كانوا يشغلون في السابق التضاريس البرية المحيطة في نهري دجلة والفرات المعروفة باسم كردستان وجدوا أنفسهم رعايا دول جديدة من العراق وسورية وتركيا.
وشكل الأكراد في تركيـا ما يقرب من خمس عدد السكان، ولكن القوانين أزالت جميع آثار الهوية الكردية من كتب التاريخ. كما حظرت الأكراد من التحدث للعامة مع فرض عقوبات رادعة بالسجن على المخالفين لمدة كبيرة. أما في سورية، فقد كان الأكراد يشكلون تقريباً 10 % من السكان، فيما كانت تطبق الأحكام من قبل قائد الشرطة محمد طالب هلال.
والفوضى التي خلقتها الحرب جعلت من الممكن تأسيس منطقة روجافا ولكن يظل استمرارها يرتبط بالأوضاع المحيطة بها. فالإقليم يخضع للحكم من قبل حزب العمال الكردستاني والتي تبقي على جيش يتكون من وحدات حماية الشعب وكذلك وحدات الحماية النسائية وكلاهما مواليان للولايات المتحدة في المنطقة، وتقوم واشنطن بإمدادهما بالمعدات وترسل إليهما قيادات من قوات العمليات الخاصة.
وفي الوقت الحالي، فإن الحكومة التركية التي سمحت للولايات المتحدة باستخدام قاعدة إنكريليك الجوية الواقعة على الحدود السورية التركية للتعاون في توجيه ضربات جوية من أجل القضاء على "داعش"، تستهدف الأكراد على نحو متزايد بدلاً من استهدافها للتنظيم المتشدد وذلك منذ آب/ أغسطس من عام 2014.
وبالرجوع إلى الأكاديمية التي تحدث عنها ديفيد جرابر وهو المتخصص في علم الإنسان وبصدد إلقاء محاضرات هناك، ذكر أنها تعد مستقبل روج آفا، حيث المكان الذي يتم فيه تعليم قادة المستقبل ممن هم في الفئة العمرية ما بين 18 إلى 29 عاماً والذين يسعون جدياً إلى قيادة بلادهم بحيث ينتبه جميعهم للمحاضرة ولا ينشغلون سواء بالنظر إلى الهاتف المحمول أو أخد إطلالة عبر النافذة.
وعبر بعض هؤلاء الطلاب عن سعادتهم بالانضمام إلى هذه الأكاديمية، حيث ذكرت ناريمان هيسو البالغة من العمر 22 عاماً أن الجامعة سمحت لها بالاختلاط وتكوين أصدقاء بعدما كانت الحرب الأهلية في سورية أثرت عليها وجعلتها غير اجتماعية. بينما أبرز محمود موراد الذي يبلغ من العمر 21 عاماً أن الأكاديمية تمنحه فرصة التعرف أكثر على فلسفة عبد الله أوجلان.
وبالرغم من أن 90 % من الأكراد هم من المسلمين السنيين، إلا أن تنظيم "داعش" يعتبرهم كفارًا ومخالفين للشريعة الإسلامية. وفي أيار / مايو من عام 2014، خطف مقاتلون من التنظيم 186 طالبًا كرديًا جامعيًا كانوا في طريقهم إلى منزلهم في "روج آفا" عقب انتهائهم من اختبار في حلب ثم أجبروهم على حضور مدرسة خاصة بتعلىم الدين للمتطرفين مع تهديد من يحاول الهرب بالذبح.
ومن بين الطلاب الذين عقد معهم ديفيد جرابر مقابلة في أكاديمية "روج آفا" كان سامي سعيد ميرزا الذي حكى عن مأساة كبيرة عاشها، حيث يقول إنه اعتاد على أصوات أزيز الطائرات المقاتلة التي تحلق بصورة مستمرة إضافة إلى أصوات الانفجارات. ونشأ ميزا البالغ من العمر 29 عاماً في قرية صغيرة خارج سورية والتي تقع غرب العراق، وهو من الأقلية الأيزيدية.
وأضاف ميرزا أنه لم يكن يسمع عن عبد الله أوجلان إلا أخيرًا، ففي آب / أغسطس من العام المنصرم هاجم مقاتلو تنظيم "داعش" قريته الواقعة بالقرب من مدينة سنجار وأقدموا على ذبح ما لا يقل عن 5 آلاف شخص من جيرانه. وبينما كان ميرزا وأهله في أحد الجبال لمدة أربعة أيام ينتظرون الموت، قامت كتيبة من النساء بمواجهة مقاتلي "داعش" وخلق ممر آمن لتهريب المحاصرين.
وأشار ميرزا إلى أن هذه المعركة جعلته يفكر في النساء بشكل مختلف بعدما عملن على إنقاذهم من الموت، مؤكداً أن النساء في قريته يختلفن عن المقاتلات ولم يكن يتخيل أن هناك امرأة مقاتلة تخوض معركة. وسمع عن الأكاديمية في مخيم اللاجئين، وهو الآن يواصل تعلىمه في الحركة النسائية.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر