بدأ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ومضيفهما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اجتماعاً ثلاثياً، السبت، في باريس. وانضم زيلينسكي إلى اجتماع كان يضم ترمب وماكرون في قصر الإليزيه على هامش حفل إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام.
وسعى ماكرون لأن يكون صلة الوصل بين ترمب وزيلينسكي وقد استقبلهما، في اجتماعين منفصلين، بعد الظهر في قصر الإليزيه، سبقا الاجتماع الثلاثي.
واعتبر ماكرون أن الترحيب بترمب مجدداً في باريس لمناسبة إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام «شرف عظيم للشعب الفرنسي». على الرغم من التوتر الذي خيّم على العلاقة بين الرجلين إبان الولاية الرئاسية الأولى لترمب، أشاد الأخير بالعلاقات مع الرئيس الفرنسي الوسطي قائلاً: «كانت بيننا علاقات رائعة كما يعلم الجميع. حقّقنا الكثير». أما ماكرون فقال بالإنجليزية: «كنت رئيساً حينها وأنا أذكر التضامن ورد الفعل الفوري».
اعتبر الرئيس الأميركي المنتخب أن «العالم ينقاد إلى شيء من الجنون» وذلك في مستهل لقائه الرئيس الفرنسي في أول زيارة خارجية له منذ فوزه في الانتخابات. وقال ترمب: «يبدو أن العالم ينقاد إلى شيء من الجنون حالياً وسنتحدث عن هذا الأمر»، مشيداً بـ«العلاقات الممتازة» مع الرئيس الفرنسي.
وبهذا اللقاء الثلاثي فقد نجح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تحويل إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام، الذي في أساسه حدث ديني، إلى حدث سياسي عالمي من خلال توجيه دعوات إلى عشرات رؤساء الدول والحكومات. وماكرون فخور بالإنجاز الذي تحقق في عهده والمتمثل بإنجاز ترميم الكاتدرائية خلال 5 سنوات، بينما استغرق بناؤها قرابة قرنين من الزمن. ووفق المشاهدات وما تسرب من مقاطع فيديو وصور، فإن هذا الصرح الديني الأبرز في فرنسا وربما في أوروبا استعاد جماله ورونقه وهو ما سيراه بأم العين الـ1500 مدعو الذين حظوا بدخولها وحضور الاحتفالية إلى جانب الرسميين من الملوك ورؤساء الدول والحكومات الخمسين.
ترمب وزيلينسكي في باريس
بيد أن «الضربة» الإعلامية والسياسية الاستثنائية التي حققها ماكرون تتمثل في دعوة الرئيسين الأميركي جو بايدن المنتهية ولايته بعد 40 يوماً ودونالد ترمب العائد إلى البيت الأبيض بعد غياب عنه دام 4 سنوات. بايدن اعتذر عن تلبية الدعوة وأرسل عقيلته جيل بايدن لتمثله وتمثل الولايات المتحدة الأميركية.
ولم يعر الإعلام الفرنسي والأوروبي بشكل عام غياب بايدن أي أهمية باستثناء التذكير بأن «البطة العرجاء» التي يوصف بها كل رئيس أميركي غير قادر على الترشح لولاية ثانية أو خلال انتهاء ولايته، لم تعد تثير اهتمام أحد. بالمقابل، فإن الأضواء تسلطت على مجيء ترمب وهي المرة الأولى التي يخرج فيها من بلاده بعد فوزه المريح في الانتخابات الرئاسية في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وكشفت مصادر فرنسية واسعة الاطلاع عن أن فريق ترمب وضع شرطاً لقبول دعوة ماكرون وهو أن يكون الرئيس الأميركي إلى جانبه في الكاتدرائية بحيث تنصب الأنظار وعدسات الكاميرات عليه في حدث يتابعه مئات الملايين عبر العالم. ووصل ترمب صباح السبت إلى باريس، كذلك وصل إلى باريس إيلون ماسك.
وقد أحيط وصول ترمب وتنقلاته بإجراءات أمنية استثنائية، فيما الاحتفالية تتم وسط تدابير متشددة شبيهة بما عرفته باريس بمناسبة ليلة افتتاح الألعاب الأولمبية الصيف الماضي. وقد جندت مديرية الشرطة 6 آلاف رجل شرطة وأمن، وتم إقفال الطرق المحيطة بالكاتدرائية الواقعة في قلب باريس، ونشر قناصة على سطوح الأبنية المطلة على ساحة نوتردام، فضلاً عن تفتيش المنازل والكهوف فيما يسمى «إيل دو لا سيتيه» وهي جزيرة صغيرة في وسط نهر السين.
وقبول ترمب المشاركة في الاحتفالية من شأنه أن يخدم الرئيس الفرنسي سياسياً وشعبياً. ولم يبخل ترمب بكيل المديح للرئيس الفرنسي الذي «أنجز عملاً رائعاً» بأن كان «دينامو» الدفع لإتمام الترميم في فترة قياسية. ولا شك أن هذا يخدم ماكرون، في الوقت الذي يعاني فيه من تراجع شعبيته ومن معضلة سياسية بالغة التعقيد بعد إسقاط حكومة ميشال بارنييه في البرلمان قبل 3 أيام وصعوبة المجيء بحكومة بديلة نظراً لتركيبة البرلمان والشروط المتبادلة التي تضعها الكتل النيابية الرئيسية الأربع.
وبات معروفاً أن غياب الأكثرية النيابية يعقّد مهمة ماكرون ومن سيسميه لتشكيل الحكومة العتيدة. وللتذكير، فإن الأخير احتاج لخمسين يوماً لاستيلاد حكومة بارنييه. لكنه وعد، هذه المرة، بالإسراع نظراً للأوضاع السياسية والاجتماعية والمالية التي ترزح فرنسا تحت أعبائها. وفي اليومين الأخيرين، كثّف ماكرون من استشاراته مع المجموعات النيابية. وما زال الانتظار سيد الموقف بسبب انشغال رئيس الجمهورية باحتفالية نوتردام وسيتابع مشاوراته بدءاً من الاثنين المقبل.
وليس سراً أن العلاقة بين ماكرون وترمب تأرجحت ما بين الجيدة والمتوترة. وسارع ماكرون، منذ انتخابه للمرة الأولى، ربيع عام 2017، إلى دعوة الرئيس الأميركي ليكون ضيف الشرف بمناسبة العيد الوطني الفرنسي والعرض العسكري الكبير الذي تشهده جادة الشانزليزيه كل عام. لكن التقارب الشخصي لم يفد ماكرون؛ حيث إن نظيره الأميركي لم يأخذ بعين الاعتبار مصالح فرنسا وأوروبا التجارية ولا ثنيه عن الإسراع في إخراج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران ومن اتفاقية المناخ الموقعة في باريس عام 2015 ولا طريقة تعامله «الفوقية» مع الاتحاد الأوروبي ولا داخل الحلف الأطلسي.
البعدان السياسي والاستراتيجي لاحتفالية نوتردام
لم تتوقف الأمور عند هذا الحد؛ إذ إن لمجيء ترمب بعدين إضافيين، سياسياً واستراتيجياً. ذلك أن شغل الغربيين الشاغل اليوم عنوانه مصير الحرب الدائرة في أوكرانيا التي تقترب من عامها الثالث ومصير المساعدة العسكرية والمالية الأميركية لكييف. من هنا، أهمية الدعوة التي وجهها ماكرون للرئيس فولوديمير زيلينسكي الذي قبلها بعد تردد ويحدوه الأمل، وفق باريس، أن يحظى بلقاء مع ترمب ليسمع منه طبيعة السياسة التي سيسير على هديها والتي من شأنها أن تقرر مصير الحرب.
وليس سراً أن الأوروبيين متخوفون من خروج واشنطن من المعادلة ومن وعود الرئيس المنتخب بأن يجد حلاً للحرب في أوكرانيا «خلال 24 ساعة».
يتوقع المستشار الألماني أولاف شولتس التفاهم مع الرئيس الأمريكي المنتخب بشأن كيفية المضي قدماً تجاه أوكرانيا. وقال شولتس في تصريحات لصحف مجموعة «فونكه» الألمانية الإعلامية: «لقد تحدثت بالفعل بشكل مفصل مع الرئيس الأمريكي المستقبلي عبر الهاتف، ونحن أيضاً على اتصال مباشر مع مسؤوليه عن السياسة الأمنية. أنا متفائل إزاء تمكنا من تطوير استراتيجية مشتركة لأوكرانيا».
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مجتمعاً الخميس في بودابست مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)
وتجدر الإشارة إلى أن معسكر الجمهوريين في مجلس الشيوخ والنواب جمدا لأربعة أشهر المساعدات المالية والعسكرية الكبيرة التي أقرتها الإدارة لأوكرانيا ولم يُفرج عنها لاحقاً إلا بعد أن ربطت بمساعدة مشابهة لإسرائيل. من هنا، فإن الإدارة الأميركية المنتهية ولايتها تسرع الخطى لمد كييف بكل الأسلحة التي تمت الموافقة عليها مخافة أن يجمدها ترمب منذ اليوم الأول لعودته إلى البيت الأبيض.
ويُتوقّع أن يُحدث ترمب تغييراً في السياسة الأميركية تجاه أوكرانيا التي كانت في السابق منسقة بشكل وثيق مع الحلفاء الأوروبيين. وتعهد الرئيس المنتخب بالضغط من أجل التوصل إلى اتفاق سريع لإنهاء الحرب، لكنه لم يذكر أي تفاصيل حول سبل تحقيق ذلك.
وفي حين لم يتم إعلان جدول أعمال محادثاتهما، يشعر الزعماء الأوروبيون بالقلق من احتمال سحب ترمب للمساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا في مرحلة حاسمة من حربها لصد الغزو الروسي.
وماكرون مؤيد قوي لحلف شمال الأطلسي ولأوكرانيا في حربها الدائرة مع روسيا، بينما يرى ترمب أن على الدول الأوروبية دفع المزيد من الأموال مقابل الدفاع المشترك وأن هناك حاجة إلى تسوية بالتفاوض لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
وتحقق طموح باريس في جمع الرئيسين معاً اللذين سبق لهما أن التقيا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، في نيويورك، وتحديداً في المبنى المسمى «ترمب تاور» بمناسبة حضور زيلينسكي أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقتها، أفادت المصادر الأوكرانية بأن زيلينسكي «لم يخرج مرتاحاً» من الاجتماع كما أنه «لم يحصل على تطمينات» من ترمب.
اجتماع ماكرون - ترمب كان مرتقباً أن تهيمن عليه حروب أوكرانيا وغزة ولبنان والعلاقة المتوترة مع إيران. ومرة أخرى، يريد ماكرون تسخير العلاقة الشخصية كرافعة لمقاربة المسائل السياسية والاستراتيجية. وقد فعل ذلك مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. إلا أن النتيجة جاءت مخيبة للآمال وشبيهة بما حصل مع ترمب. وأبرز إخفاق واجهه ماكرون أنه حصل على وعد من بوتين، قبل بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، بسحب قواته من الحدود وإعادتها إلى ثكناتها. أما بقية القصة فمعروفة.
قد يهمك أيضا:
ترمب يختار السيناتور السابق ديفيد بيرديو سفيراً لدى الصين
ماسك أنفق أكثر من ربع مليار دولار للمساعدة في انتخاب ترمب
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر