مرّت عشرون عاماً على صدور قانون في فرنسا يعترف بكون تجارة الرقيق والعبودية جرائم ضد الإنسانية، وهي فترة شهدت تقدّمًا في شق التعويض “السياسي وعلى صعيد الذاكرة” مقابل الجانب المالي الذي ما زال في طي النسيان.أحيا تبني القانون الذي يحمل اسم وزيرة العدل آنذاك كريستيان توبيرا في 10 ماي 2001، الأمل في طي صفحة 150 عاما من الإنكار والصمت بشأن تلك الوقائع التي تسببت في موت آلاف الرجال والنساء في المستعمرات الفرنسية ما وراء البحار.
القانون الذي وُصف بالتاريخي، قضى بالالتزام بمنح تجارة الرقيق والعبودية في المناهج الدراسية والبرامج البحثية “المكانة التي تتناسب معها”.وبعد عقدين من الزمن، تمّ إثراء البرامج وأنشئت مؤسسة ذاكرة العبودية في باريس والمركز الكاريبي لذاكرة تجارة الرقيق في بوانت-اه-بيتر، كما صار العاشر من مايو يوماً وطنياً لإحياء ذكرى الاتجار بالرقيق الأسود وإلغائه.
وقالت ميريام كوتياس، مديرة الأبحاث في المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية منسقة مشروع “الإصلاح” الخاص بالتعويضات، إنّ “كل هذه الأشياء تساهم في التعويض المعنوي والرمزي”.وأضافت أنّ “هذه نقطة أساسية؛ إذ أتاحت إنشاء إطار شرعي للأشخاص المعنيين أو للمتحدرين من تاريخ العبودية”، مشيرة إلى أنّ ما جرى “منح الكرامة للأشخاص الذين شعروا بأنهم مهمشون، على حافة المجتمع الفرنسي”.
قرن من الزمن
ترى المحاضرة في جامعة تور (وسط غرب) المشاركة في تأسيس فرع فرنسي لجمعية “بلاك ايستوري مانث” مابولا سوماهورو، أن “ثمة تقدّما نعم، وإنّما ليس بالسرعة الكافية، سيتطلب الأمر قرناً على النسق الحالي”.وتابعت قائلة: “ما زال هناك ضيق كبير في فرنسا تجاه هذه الفترة من التاريخ (…) عندما نقارن مع المتحف الوطني لتاريخ وثقافة الأميركيين الأفارقة في واشنطن ووجود لجنة في الكونغرس الأميركي للنظر في قضية التعويضات المالية (…) نجد بالتأكيد أننا لم نبلغ ذلك بعد”.
كانت مسألة التعويض المالي قد أثيرت في فرنسا بمجرد إلغاء العبودية عام 1848، ولكن التعويض لم يتحقق إلا لتجار الرقيق على أساس الضرر الذي لحق بهم.ولم يُدفع أي شيء إلى نحو 250 ألفا من الرقيق في فرنسا عشية مرسوم الإلغاء، بما يشمل نحو 90 ألفا في غوادلوب و75 ألفا في مارتينيك و60 ألفا في ريونيون و12 ألفا في غويانا.ويرى رئيس مؤسسة ذاكرة العبودية جان مارك ايرولت أنّ هذه وقائع “صادمة للغاية”.
ولكنّ رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق يقول إنّ النقاش في هذا الصدد “معقد تمامًا (…) ويتوجب إجراؤه بهدوء، وهذا أمر ليس سهلاً بالضرورة”.
ومن الأسئلة التي يتوجب طرحها، كيف يمكن التعرف على أحفاد الذين كانوا عبيداً؟ من سيكون مؤهلا للحصول على هذه التعويضات المالية؟ أي شكل ستتخذ؟ وما هي طريقة الحساب التي يتوجب اعتمادها؟تقول ميريام كوتياس: “ثمة جدل حول مدى أخلاقية المطالبة بتعويض مالي عن التعويضات التي منِحت لملاك العبيد والتي استندت إلى تقييم أجسام العبيد”، موضحة: “لا يمكننا المطالبة بسداد تعويض أعطي على أساس جريمة ضد الانسانية”.
استمرار المعضلة
تثير مسألة التعويض المادي التي تعدّ معضلة قانونية، وأيضاً معضلة على صعيد علم الأنساب، الانقسام حتى في صفوف الجمعيات المعنية وأحفاد من كانوا عبيداً.فمن جهة، ثمة المجلس التمثيلي لجمعيات السود في فرنسا الذي ضاعف الإجراءات القانونية في السنوات الأخيرة.ومن جهة أخرى، هناك لجنة مسيرة 23 مارس 1998 وغيرها من جمعيات “الأحفاد” الذين يقولون إنّ “معاناة أجدادهم” لا يمكن بأي حال من الأحوال “التعويض عنها”.
أما الطبقة السياسية، فهي حذرة تجاه هذه القضية وتلتزم في معظمها بكلمات الشاعر إيمي سيزير المتحدر من مارتينيك: “لا تعويض ممكنا عن شيء يتعذر إصلاحه وغير قابل للقياس”.وسبق للرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند أن قال في 2015، إنّ “الدين الوحيد الذي يجب تسويته” لصالح الأحفاد “هو النهوض بالإنسانية”.
ولم يتناول إيمانويل ماكرون المسألة رسمياً، مفضلاً التركيز على عمل الذاكرة.ووعد ماكرون بإنشاء نصب تذكاري وطني في حديقة التويلري في باريس تكريماً لضحايا العبودية. وهذا المشروع الذي كان مقرراً أن يرى النور في عام 2021، تم إرجاؤه بسبب خلافات حول اختيار الفنانين.
قد يهمك ايضاً :
"توم الأعمى" يعزف أمام الرئيس الأميركي بعد معاناة مع العبودية
العمالة الأجنبية في الخليج تشكو نظام الكفالة وتعتبره "عودة إلى زمن الرق"
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر