يُجمع كثيرٌ من المراقبين والمحللين على أن العلاقة بين الولايات المتحدة والهند حافظت على نموها المطرد منذ نحو رُبع قرن، حيث حرص الرؤساء الأميركيون بيل كلينتون، وجورج دبليو. بوش، وباراك أوباما، ودونالد ترمب، وجو بايدن، على توسيعها لتنمو بشكل كبير في السنوات الأربع الماضية، مدفوعة إلى حد كبير بتقارب البلدَين الاستراتيجي تجاه علاقاتهما مع الصين.
الرئيس الصيني شي جينبينغ ونظيراه البرازيلي لولا دا سيلفا والجنوب أفريقي سيريل رامافوزا ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي خلال قمة «بريكس» أغسطس 2023 (أ.ف.ب)
وعلى الرغم من الانتقادات الكثيرة التي وجَّهها إلى السياسة الخارجية لترمب، فإن بايدن واصل وبنى على وجهة نظره التنافسية تجاه الصين، من خلال اعتباره نيودلهي شريكاً حاسماً في تحقيق التوازن مع بكين. وأبقت إدارته على الآليات التي اعتمدتها إدارة ترمب، مثل الحوار الثنائي بين وزراء دفاع وخارجية البلدين، والمجموعة المعروفة باسم الرباعية، التي تضم أستراليا، والهند، واليابان، والولايات المتحدة.
لقاء بين الرئيس الصيني شي جينبينغ ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي على هامش قمة «بريكس» في قازان (أرشيفية - رويترز)
ترمب لا يقلق الهند
وبسبب رُبع قرن من العلاقات الصاعدة، أصبحت نيودلهي أقل قلقاً بشأن ولاية ترمب الثانية من عدد من حلفاء الولايات المتحدة وشركائها الآخرين. لا بل قد تكون أكثر استعداداً لتقبل أي تقلبات متوقعة منه، وإصراراً على الاستمرار في تعزيز العلاقات مع واشنطن، مستفيدةً من تجربتها السابقة في التعامل معه، ومحاولة التكيُّف مع الفرص والتحديات الجديدة لولاية ترمب الثانية.
جنود من الجيش الهندي يسيرون على طول طريق بالقرب من ممر جبل زوجيلا الذي يربط سريناغار بمنطقة لاداخ الاتحادية على الحدود مع الصين (أ.ف.ب)
يقول تقرير لمجلة «فورين أفيرز»، إن المخاوف الهندية المتزايدة بشأن قوة الصين وقدراتها المتصاعدة، دفعتها إلى العمل بشكل أوثق مع واشنطن، خصوصاً بعد الاشتباكات التي اندلعت بين القوات الصينية والهندية في قسم متنازع عليه من حدودهما المشتركة عام 2020. وقد أفرز تعاونهما برامج جديدة؛ بما في ذلك «مبادرة التكنولوجيا الحرجة والناشئة»، التي تهدف إلى تسهيل تعزيز التعاون التكنولوجي بين الولايات المتحدة والهند، وحوار ثنائي في المحيط الهندي يركز على الأمن الإقليمي، ومناقشات ثلاثية حول التكنولوجيا بين الولايات المتحدة والهند وكوريا الجنوبية، وشراكة تتعاون من خلالها الهند والولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة في مجالَي الأمن الغذائي والطاقة والتكنولوجيا، ومشاركة الهند في شراكة أمن المعادن التي بدأتها الولايات المتحدة، وهي مجموعة تركز على تأمين سلاسل توريد موثوقة للمعادن الحرجة.
كما حفَّز التقارب بين الولايات المتحدة والهند كلا البلدين على إدارة خلافاتهما أو التقليل من شأنها، على الرغم من موقف نيودلهي بعد قيام روسيا عام 2022 بغزو أوكرانيا. كما لم يؤثر دعم الولايات المتحدة النظام الجديد في بنغلاديش، الذي أزاح الرئيسة الشيخة حسينة، على الهند رغم شعورها بعدم الارتياح على خلفية حساسياتها الأمنية تجاه هذا التغيير. كما لم تؤدِّ الاتهامات الأميركية بشأن تورط موظف حكومي هندي في مؤامرة لاغتيال ناشط انفصالي من السيخ على الأراضي الأميركية، إلى تعكير مسار علاقاتهما.
أميركا شريك لا غنى عنه
على الرغم من ذلك كله، فإن نيودلهي رأت أن الولايات المتحدة «شريك لا غنى عنه» في «كل قطاع من مسيرة الهند إلى الأمام»، على حد تعبير رئيس الوزراء ناريندرا مودي. وبالنظر إلى التحدي الصيني، يبدو أن الهنود من مختلف الأطياف السياسية يشعرون بأن نيودلهي لا بد أن تعمل بشكل وثيق مع واشنطن بغض النظر عمَّن سيتولى الرئاسة في البيت الأبيض. وهو ما دعا مودي إلى المسارعة في تهنئة ترمب على فوزه في انتخابات 2024، وكذلك راؤول غاندي، زعيم المعارضة الهندية.
وفي الأسابيع المقبلة، وبينما تحاول نيودلهي قراءة التعيينات في إدارة ترمب، فإنها سوف تتابع أيضاً المناقشات ذات العواقب داخل الإدارة المقبلة بشأن التجارة والهجرة و«إزالة المخاطر» وروسيا. ولا يخفى أن الغزو الروسي لأوكرانيا تسبب في توترات بين الهند والغرب، كما أدى إلى زيادة اعتماد موسكو على بكين، وهو أمر مثير للقلق بالنسبة لنيودلهي نظراً للدور التقليدي الذي كانت تلعبه روسيا بوصفها عامل موازنة ضد الصين، ومورداً للمعدات العسكرية للهند.
تراجع واردات الأسلحة الروسية
وفي هذا المجال، تحدَّث تقريرٌ لوكالة «بلومبرغ» عن تحوُّل في استراتيجية المشتريات الدفاعية الهندية بعيداً عن روسيا، باتجاه الغرب. فقد تمَّ تأجيل الخطط المشتركة بين نيودلهي وموسكو لتطوير طائرات الهليكوبتر والطائرات المقاتلة، ومن غير المرجح أن يمضي اقتراح استئجار غواصة نووية من روسيا قدماً.
ويعكس هذا التحول جهود الهند للحد من الاعتماد على الأسلحة الروسية و«الاقتراب من مدار الدفاع الأميركي»؛ من أجل تعزيز العلاقات مع واشنطن، وعقد «صفقات» مجدية لمواجهة تهديدات ترمب بفرض تعريفات جمركية.
ومن خلال فهمنا لتشكك ترمب في التحالفات، ورغبته في إبرام صفقات جيدة، ستؤكد نيودلهي أنها لا تملك ولا تتوقع التزاماً أمنياً، بل إنها على استعداد لتحمل العبء والمشاركة والمساهمة في الأمن الإقليمي. وسوف تؤكد هذه الخطوة بشكل أكثر وضوحاً، بما في ذلك من حيث القيمة الدولارية، على الطرق التي قد تكون بها الهند مفيدة استراتيجياً واقتصادياً للولايات المتحدة.
وبينما تعدّ الهند أكبر مستورد للأسلحة في العالم، كانت وارداتها العسكرية تأتي من روسيا بنسبة 76 في المائة عام 2009، لكنها تراجعت عام 2023 إلى 36 في المائة. في المقابل، وقَّعت نيودلهي عقوداً بقيمة نحو 20 مليار دولار مع الشركات المُصنِّعة الأميركية، رغم مواصلتها شراء الطاقة الرخيصة من روسيا.
تنويع إمدادات الأسلحة
وتحاول الهند، تنويع إمداداتها مع تصاعد المخاوف الأمنية؛ بسبب الحدود المتنازع عليها بشكل متزايد مع جارتيها المسلحتين نووياً، الصين وباكستان. وبعد تاريخ من مبيعات الدفاع الأميركية إلى باكستان، وعدم الرغبة في مشاركة التكنولوجيا والخبرة مع الهند، تحوَّلت الهند ببطء إلى الغرب، بعدما أصبح جيشها أكثر قابلية للتعامل مع تكنولوجياته. وفي الوقت نفسه، كتبت «إيكونوميك تايمز» أن صناعة الأسلحة المحلية ارتفعت في الهند في العقد الماضي، مما يجعلها من أنجح الأمثلة على برنامج النمو الاقتصادي «صنع في الهند» لمودي.
وبحسب مركز «راند» الأميركي للأبحاث، فقد تسببت الحرب في أوكرانيا، وفرض العقوبات الغربية على روسيا، بـ«تحطم» صورة القوة العسكرية والأسلحة الروسية، بعدما اضطرت موسكو إلى الاعتماد على واردات الأسلحة من إيران وكوريا الشمالية «للبقاء على قيد الحياة». كما يشتبه بأنها قامت بإعادة شراء بعض دباباتها وصواريخها من الهند وميانمار. وعلى الرغم من أن الأسلحة تعدّ من المنتجات القليلة التي تنتجها روسيا وتُباع عالمياً؛ مما يعني أنها تحمل أهميةً اقتصاديةً هائلةً لموسكو، فإن اعتمادها على بعض التقنيات الغربية لإنتاج أسلحتها الأكثر أهمية، جعل الهند تعيد النظر في اعتمادها على روسيا، مخافة انقطاع سلاسل توريد بعض أسلحتها.
قد يهمك أيضا:
اليابان تبحث تعزيز التعاون فى مكافحة الإرهاب مع وأمريكا وأستراليا والهند
رئيس الوزراء الهندي يُهنئ دونالد ترمب بفوزه في الانتخابات الرئاسية الأميركية
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر