بدأت التقارير الأولية عن هجمات بروكسل الإرهابية في التسرب إلى الإعلام الدولي، لتتضخ معها كيفية تنفيذ وإعداد الهجمة الدموية التي تعرضت لها ثاني عاصمة أوروبية في أشهر قليلة بعد باريس في نوفمبر(تشرين الثاني) 2015، ما يُثير المخاوف من تنفيذ عمليات جديدة، بعد كشف وجود ما لا يقل عن 1500 إرهابي، يُمثلون كتيبة انتحارية متخصصة جهزها داعش لضرب أوروبا، وفق ما أوردت صحيفة لاستامبا الإيطالية، الأحد.
وأكدت لاستامبا، أن داعش، خطط للهجمة بعناية منذ فترة طويلة نسبياً بعد أن اختار بعناية 1500 مسلح، وجهزهم بأفضل الموارد، وأكثرهم من أصحاب الجنسيات الأجنبية، لتنفيذ ضربات في أوروبا نفسها.
خريف 2015
وقالت الصحيفة إن الكتبية الخاصة التي شكلها التنظيم، تُثير سخط وحنق باقي التشكيلات وغيرتها، بسبب سخاء التنظيم معها، من جهة، ولكن أيضاً بسبب شراسة مقاتليها وأعضائها، الذين كانوا يتمتعون بكل ما يرغبون فيه، ويحصلون عليه، بمجرد طلبه، حتى اختفائهم من سوريا في خريف 2015.
ونقلت الصحيفة عن مصادر أمنية وعن منشقين وهاربين من التنظيم، أن عبدالحميد أباعود، كان من المنتمين إلى هذه الكتيبة الخاصة، ومُكلف من قبل قيادات التنظيم بزرع الرعب في فرنسا وبلجيكا وبريطانيا.
وقالت الصحيفة الإيطالية، إن المجموعة التي ضربت باريس وبروكسل كانت تتألف من 60 عنصراً على الأقل، وإن 20 عنصراً آخر لا يزالون أحراراً وينتقلون بحرية في أوروبا، تمهيداً لعمليات أخرى، بعد مقتل أو اعتقال عدد كبير من الذين نفذوا الهجمات السابقة في العاصمتين الفرنسية والبلجيكية.
أجهزة داعش الأربعة
وتعمل خلايا الإرهاب، التي أرسلها جهاز الأمن الخارجي لداعش، بشكل شبه مستقل عن بعضها لضمان استمرار الخلايا الباقية والناجية من الاغتيال أو الاعتقال في تنفيذ مهامها، ولكنها تخضع أيضاً إلى رقابة سرية من قبل التنظيم نفسه، الذي يبدو أنه أرسل أيضاً بعض المراقبين السريين للتأكد من الاستمرار في تنفيذ الخطط، وصولاً إلى تفجيرالمترددين أو الخونة و المنشقين أنفسهم عن بعد.
وحسب الصحيفة الإيطالية، تخضع الخلايات الانتحارية، إلى جهاز الأمن الخارجي، أحد أهم أربعة أجهزة في داعش، صلب القيادة الأمنية أو ما يُسمى بالأمنيات، والذي يضم أيضاً الأمن الداخلي، والأمن العسكري، و"أمن الدولة" لمكافحة التجسس.
جهاز الأمن الخارجي
وحسب لاستامبا، يُشرف على الأمن الخارجي، أو كان يشرف حتى مقتله في غارة أمريكية بعد هجمات باريس، قيادي داعشي لا تعرف سوى كنيته، أبورحمة التونسي، والذي تخصص حسب البنتاغون الأمريكي، في "نقل المعلومات والأشخاص والتمويل والتسليح" إلى الخارج، والمسؤول الرسمي عن الهجمات الخارجية.
وقالت الصحيفة إن القيادة الوسطى في الرقة، التي أشرفت على المشروع، كانت تتألف من عبد الحميد أباعود، وصالح عبد السلام، رغم قلة المعلومات عن دوره الحقيقي في المجازر المرتكبة حتى اليوم، إلى جانب الفرنسيين، شرف المؤذن وعبد القادر الحكيم، قبل أن يقتلا بدورهما في غارة أمريكية على الرقة.
أما على الصعيد الميداني، فيخضع الأمن الخارجي وكتيبة الموت، المتخصصة في تنفيذ الضربات الأوروبية، إلى السوري المكنى باسم أبوخالد، المسؤول عن معسكرات التدريب للمقاتلين الأجانب، قبل انشقاقه في 2015.
كفرة في معسكرات داعش
وأوضحت الصحيفة نقلاً عن المنشق السوري، الذي تحدث إلى بعض الصحافيين الأجانب، أن بقية الأجهزة وخاصة المقاتلين الميدانيين، الذي يُطلق عليهم التنظيم صفة "النظاميين" يمقتون "المقاتلين المنتمين إلى الأمن الخارجي، الذين يعتبرون كفرة، غير مسلمين، وقليلي الالتزام الديني" ويعود ذلك حسب الصحيفة ربما، إلى الغيرة أو إلى الإمكانات الضخمة المتاحة لهم، في معسكراتهم الخاصة، والتي لا يحق لغيرهم دخولها.
وتضيف الصحيفة، أن هذه المعسكرات ورغم قساوة التدريبات التي تتميز بها، إلا أنه وباستثناء الدروس الدينية العادية، فإنها تعرف تشدداً خاصاً مع المقاتلين الأجانب، فالأمر الأهم حسب الصحيفة الحصول على عددٍ من الانتحاريين لتنفيذ الهجمات في الخارج، بهدف وقف القصف والغارات على التنظيم.
50 ألف يورو
بعد التدريب والإعداد النفسي والإيديولوجي، يعمل التنظيم على تسريب المقاتلين إلى أوروبا، وكان أباعود أول الواصلين لتنسيق مرور ما لا يقل عن 60 انتحارياً عبر طرق مختلفة تمر خاصة بدول البلقان، مثل مقدونيا واليونان أو ألبانيا، حسب المنشق الفرنسي نيكولا مورو، الذي أكد أن كل انتحاري يحصل على 50 ألف يورو، نفقات المهمة، إلى جانب وثائق سفر وأوراق ثبوتية، وغيرها من مقتضيات السفر، ولكنه لا يعرف بالضرورة المشاركين في المخطط، فقط أباعود كان على علم بهويات جميع المشاركين.
مخابرات محترفة
وتشير الصحيفة إلى أن بصمات أجهزة المخابرات التي دربت عناصر داعش، أثبتت بما لا مجال معه للشك في العلاقات بين داعش والجواسيس المحترفين، ذلك أن الخلايا المتفرقة وغير المترابطة، التي تشكل أجهزة المخابرات النظامية، واصلت عملها، حتى بعد مقتل أباعود، الرابط الوحيد بينها، وذلك باحترام الجدول والبرنامج المعد سلفاً، وذلك رغم اعتقال بعض أعضاء الخلايا التي وصل إليها الأمن الفرنسي أو البلجيكي، ذلك أن المعتقل نفسه لا يعرف باقي الأعضاء والعناصر، ولا يملك معلومات كافية عنهم.
وأوضحت الصحيفة أن اعتقال الصحافي البلجيكي فيصل شفو، الذي تبين أنه الرجل صاحب القبعة، المطلوب بعد تفجيرات مطار بروكسل، يكشف أن بعض الخلايا تتألف من مراقبين عن بعد، غير مسلحين، ولكنهم يتأكدون من استمرار العمل بالخطة الموضوعة، ويتدخل لدى الأشخاص المعنيين في سوريا ربما، بمدهم بالمعلومات الضرورية من خارج الخلايا العملية، ما يعتبر عنصر أمن إضافي، أو مضاعف، ولمنع الاختراقات أو الانحرافات أو الانشقاقات قبل حدوثها، أو التخلي عن المهمة، وذلك بتفجير المترددين إذا اقتضى الأمر، بفضل المعلومات التي يؤمنها مثل صاحب القبعة.
ضباط اتصال
ولتبيان تعقيد العملية ودقة تنظيمها، قالت الصحيفة، إن خلايا باريس وبروكسل، لم تكن مرتبطة مباشرة ولكنهما كانتا تُنسقان عن طريق "ِضباط اتصال" مثل كل أجهزة المخابرات المحترفة، وذلك عن طريق أشخاص مثل محمد بلقايد، الذي قُتل قبل اعتقال صالح عبد السلام بفترة قصيرة، وذلك لمنع الأجهزة من الانتباه إلى وجود خلية أخرى في بلجيكا، تُخطط لضرب العاصمة البلجيكية، والتي تألفت حسب الصحيفة، من نجم العشراوي، صانع الأحزمة الناسفة، وصديق طفولة صالح عبدالسلام، وخالد وإبراهيم البكرواي، المجهولين تماماً من قبل عبد السلام.
ولكن ومهما يكن الأمر، وإذا صدقت مثل المعطيات، فإن الصحيفة تُحذر من بقاء 20 انتحارياً حراً حتى اليوم، ما يعني أن خلايا عدة لا تزال قادرة على التحرك والتصرف وتتحين الفرصة متى توفرت لتنفيذ هجمات دموية قاسية جديدة في عواصم أوروبية أخرى.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر