بيروت - المغرب اليوم
يُجمع معظم الخبراء الاقتصاديين وأصحاب الاختصاص على أن الأزمة الاقتصادية والمالية القائمة في لبنان سببها عدم الاستقرار السياسي الذي ينعكس سلباً على عمل المؤسسات الدستورية. وأمس الأربعاء، أوضح رئيس جمعية مصارف لبنان أن البنوك تملك سيولة وفيرة لكنها تعمل في ظل "موجة عدم تيقن" عاتية، واصفا القيود المؤقته التي فُرضت هذا الأسبوع بأنها "حاجز لحماية النظام" إلى أن تعود الأوضاع لطبيعتها. ودفع تفاقم الأزمة إلى انتفاضة الشارع اللبناني بوجه الطبقة السياسية الحاكمة منذ عقود، محمّلاً إيّاها مسؤولية ما وصلت إليه البلاد من دين عام تجاوز الـ 84 مليار دولار، وتخطى العجز إلى الناتج الإجمالي عتبة 7 مليارات دولار سنوياً.
أزمة سياسية لا مالية
وتعليقاً على تلك الأزمة، أوضح النائب السابق لحاكم مصرف لبنان سعد العنداري لـ"العربية.نت": "أن الازمة القائمة في لبنان ليست نقدية أو مالية إنما سياسية نتيجة تراكمات لسنوات عدة". وناشد القوى السياسية المسارعة لحل الأزمة والاستجابة للمطالب بتشكيل حكومة مستقلة تُرضي الناس ولا "تتذاكى" على المجتمع الدولي في تطبيق الإصلاحات، وتعتمد بياناً وزارياً واضحاً يتبنّى الخطوات الإصلاحية الواردة في مؤتمر سيدر. وعقد مؤتمر "سيدر" في العاصمة الفرنسية باريس في ابريل/نيسان 2018، وطلبت الدول المانحة من لبنان إجراء إصلاحات كثيرة بهدف تمويل المشاريع التي قدمتها الحكومة، وحصلت من خلالها على مجموعة قروض بفوائد ميسرة وهبات وصلت قيمتها إلى 11 مليارا و800 مليون دولار أميركي. وركّزت شروط الدول المانحة بمعظمها على خصخصة قطاعات الخدمات في الكهرباء والمياه والنقل، ورفع أسعار هذه الخدمات على المواطنين بدعوى خفض الدين العام الذي تتكلفه الدولة مقابل الخدمات، وهو في قسم كبير منه نتيجة الهدر والفساد في قطاع الكهرباء، ووقف التوظيف العام وإعادة النظر بنظام التقاعد لموظفي القطاع العام، فضلاً عن زيادة الإيرادات عبر تحسين التحصيل الضريبي وفرض إجراءات ضريبية جديدة، وتعديل النظام الجمركي.
قانون مكافحة الفساد
إلى ذلك، لفت العنداري إلى "أن قانون مكافحة الفساد من الشروط الأساسية التي طلبها المجتمع الدولي مقابل تقديم القروض الميسّرة والداعمة للاقتصاد اللبناني، وهذا القانون موجود في أدراج الهيئة العامة لمجلس النواب منذ سنوات ويحتاج إلى إجراء تعديلات بسيطة".
موازنة تقشّفية
كما قال "على الحكومة الجديدة أن تقرّ موازنة تقشّفية إصلاحية شبيهة بما أعدّ في الربع الساعة الأخير أي في اليوم الثالث على الحراك الشعبي والمُتضمّنة سلسلة إجراءات إصلاحية أبرزها تخفيض العجز إلى صفر بالمئة بعدما كان في الموازنة السابقة يبلغ قرابة العشرة بالمئة". واستأنف القطاع المصرفي نشاطه مطلع الأسبوع بشكل طبيعي بعد أسبوع من التوقف عن العمل، وسط حماية من عناصر قوى الأمن الداخلي. واتّخذت جمعية المصارف اللبنانية بالتشاور مع مصرف لبنان، 7 إجراءات استثنائية لمواكبة الظروف الطارئة، أبرزها "حصر" التحويلات إلى الخارج لتغطية النفقات الشخصية الملحة، وتحديد المبالغ النقدية الممكن سحبها بمعدل ألف دولار أميركي كحد أقصى أسبوعياً لأصحاب الحسابات الجارية بالدولار.
قيود على رأس المال
إلى ذلك، أوضح النائب السابق لحاكم مصرف لبنان "أن هذه الإجراءات لا تأتي ضمن سياسة "الكابيتال كونترول Capital Control" أي فرض قيود على رأس المال بغية الحدّ من تدفق الودائع إلى الخارج، لأن "الكابيتال كونترول" يحتاج إلى قانون يقرّه مجلس النواب وهو ما لا ليس متوفّراً راهناً، إلا أنها إجراءات احترازية بغية الحدّ من حركة الأموال ومن أجل تغطية الاعتمادات بالدولار المخصصة حصراً لاستيراد النفط والقمح والأدوية التي أعلن مصرف لبنان استعداده لتمويلها إثر تعميم أصدره منذ أكثر من شهر نتيجة تفاقم أزمة شح الدولار في السوق اللبناني". أما عن إجراء حصر التحويلات إلى الخارج لتغطية النفقات الشخصية الملحة، فأشار العنداري إلى "أن المقصود منها الأقساط الجامعية للطلاب خارج لبنان وتغطية اعتمادات استيراد النفط والقمح والأدوية".
أعباء على احتياطي المركزي
وعن استمرار أزمة تغطية اعتمادات النفط والقمح والأدوية بالدولار، فأشار إلى "تسيّب بفتح الاعتمادات الخاصة لذلك. ففي العام 2018 كان هناك تباطؤ في النمو، في حين أن النمو تراجع في العام 2019 إلا أن معدّل الاستيراد ارتفع نحو تسعة بالمئة، ما يعني أن هناك "أعباء" على الاحتياطي المركزي، من هنا يتشدد المصرف المركزي في إجراءاته قبل فتح الاعتمادات لتمويل هذه الاحتياجات". ويُقدّر احتياطي مصرف لبنان بـ38.2 مليار دولار أميركي منهم 32.1 مليار احتياطي قابل للاستخدام. كما أكد "أن البنك المركزي قادر على الاستمرار بهذه الإجراءات، لكن ليس لفترة طويلة، من هنا على السلطة السياسية اتّخاذ قرارات جريئة وعدم التأخّر بتشكيل حكومة تتجاوب مع المطالب المحلية والدولية".
ارتفاع معدلات الفقر والبطالة
إلى ذلك، قال العنداري إن "السيولة موجودة في المصارف، وهي تحاول من خلال إجراءاتها الأخيرة ادّخارها تحسّباً لإطالة الأزمة، وعلى الجميع التعاون من أجل الوصول إلى حلّ سريع، خصوصاً أن معدّلات البطالة والفقر في لبنان مرشّحة للارتفاع في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي نمرّ بها". كما أكد "أن استقرار سعر صرف الليرة مرتبط بحل الأزمة القائمة سريعاً، والإجراءات المصرفية المتّخذة تساعد على استقرارها، لكن كلما تأخّرنا في حلّ الأزمة السياسية زاد الضغط على الليرة".
قد يهمك ايضا :
جمعية مصارف لبنان توافق على فرض قيود جديدة على سحب وتحويل الأموال
البنوك اللبنانية تواصل الإضراب لليوم الثالث والموظفون يطالبون بضمان عودة الأمن
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر