كما كان متوقعا فشلت الجولة الثانية من مشاورات مدينة بال السويسرية بين طرفى الأزمة اليمنية وهما الحكومة الشرعية من جهة ، وميليشيات الحوثيين وصالح من جهة أخرى في التوصل الى تقدم يمكن أن يبنى عليه في طريق إيجاد حل للازمة التى بدأت بعد اجتياح الميليشيات للعاصمة صنعاء في سبتمبر العام الماضى وسيطرتها على العاصمة والحكم في يناير الماضى.
ويبدو أن اسماعيل ولد الشيخ أحمد مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لليمن كان مفرطا في التفاؤل إزاء إمكانية التوصل إلى تقدم حقيقى في حل الأزمة أو حتى إيجاد إجراءات لبناء الثقة بين الطرفين ، إذ أن كل طرف دخل المشاورات ولديه أهداف يريد تحقيقها.
فمن جانبها تريد الحكومة الشرعية انسحاب الميليشيات من المحافظات التى تسيطر عليها وعودة الحكومة الى صنعاء والإفراج عن المعتقلين وتسليم الأسلحة التى استولت عليها الميليشيات للدولة حسب بنود قرار مجلس الامن الدولى 2216 ، فيما تهدف الميليشيات إلى إسقاط القرار الدولى عمليا ووقف العمليات العسكرية لالتقاط الأنفاس أملا في وقف الانتصارات التى يحققها الجيش اليمنى والمقاومة المدعومين بقوات التحالف العربى والتى تزايدت في الفترة الأخيرة خاصة في ظل الهدنة الهشة التى أعلنها الرئيس اليمنى قبل بدء المشاورات وتقدم القوات الحكومية في محافظات الجوف وحجة في الشمال ومأرب في الشرق والتى لم يتبق لهم إلا جيب صغير في مديرية صرواح يتم الآن تطهيره بالإضافة إلى أن القوات الحكومية أصبحت تبعد حوالى 40 كيلومترا عن صنعاء انطلاقا من مديرية مجزر الى تم تحريرها في مأرب .
وعلى الرغم من إعلان الحكومة الشرعية مد الهدنة لمدة أسبوع إضافى والإعلان عن جولة ثالثة من المشاورات في أثيوبيا منتصف الشهر المقبل ، إلا أن كل المؤشرات تدل على أن الحسم العسكرى على الأرض هو سيد الموقف في الفترة القادمة وقد تعلمت قوات التحالف والقوات الشرعية الدرس من الهدنة الأولى بين الطرفين والتى التزموا بها فيما لم تلتزم بها الميليشيات وأصبحت حبرا على ورق بين الطرفين ، وستكون كذلك في الهدنة الثالثة - حسب رأي المراقبين لتطورات الأوضاع الميدانية باليمن - وستسعى الميليشيات الى تحقيق انتصار ولو معنوى يمكنها من امتلاك أوراق في المشاورات القادمة بعد أن سقطت معظم الأوراق التى لديها منذ يوليو الماضى بتحرير محافظات الجنوب والتقدم الحاصل الآن في المحافظات الشمالية .
وتعى الميليشيات تماما أنه لم يتبق لديها من أوراق للضغط على الحكومة إلا حصارها لمحافظة تعز المستمر منذ حوالى 7 أشهر والمعتقلين لديها وأهمهم على ق اللواء محمود الصبيحى وزير الدفاع والعميد فيصل رجب وشقيق الرئيس اليمنى ، ورفضت الميليشيات إطلاق سراحهم بالرغم من الآمال التى عقدها المبعوث اممى على ذلك كبادرة حسن نية أو فك الحصار عن تعز وإدخال المساعدات الغذائية والطبية وافتعلت العديد من المشاكل وقدمت طلبات تنسف القرار الدولى من أساسه لعدم الالتزام به ومحاولة إيجاد مكان لها في التسوية السياسية المقبلة مثلما أوجدت مكانا لها في ظل اتفاقية السلم والشراكة التى أجبرت الحكومة على توقيعها في سبتمبر 2014 ومكنتهم من السيطرة على مفاصل الدولة والحكم بمساعدة قوات الجيش والأمن الموالية للرئيس السابق على عبدالله صالح.
وانتهت الجولة الثانية من المشاورات نهاية ضبابية ولم يتم التوصل الى أى إجراء يمكن أن يقول أى طرف أنه حققه وتم ترحيل المشكلة الى الجولة الثالثة ، وكل ما أعلن عنه هو هدنة جديدة لن يلتزم بها الطرفان والإفراج عن المعتقلين قبل الجولة القادمة وهو أمر قد لا يتحقق .. وقد أصدرت الأمم المتحدة بيانا ذكرت فيه أن المبعوث الأممى قرر تأجيل محادثات السلام اليمنية في سويسرا لمدة شهر ليعطي فرصة للمشاورات الثنائية والمشاورات الإقليمية بأن تحقق وقف إطلاق النار.
وأكدت في بيان نقله مركز إعلام الأمم المتحدة أن ولد الشيخ سيجرى مشاورات إضافية مع الأطراف في الأسابيع المقبلة في اليمن وفي المنطقة نظرا للأهمية المركزية لوقف الأعمال القتالية في نجاح المحادثات ومن أجل ضمان الالتزام بها.
وأشار الى أن وقف الأعمال القتالية قد تعرض للأسف إلى انتهاكات عديدة مما أثر على تقدم المحادثات.. وعلى الرغم من ذلك أحرز المشاركون تقدما جديا من خلال تفعيل إطار المفاوضات من أجل تسوية شاملة بالإضافة إلى مجموعة من التدابير ذات الصلة لبناء الثقة فيما يتعلق بإطلاق سراح السجناء والأسرى وتحسين الخدمات الاجتماعية وتحسين تدفق المساعدات الإنسانية إلى تعز والمحافظات اليمنية الأخرى.
وأضاف أنه خلال المحادثات اتفقت الأطراف بصفة خاصة على وضع مجموعة من تدابير بناء الثقة بما في ذلك آلية للإفراج عن السجناء والأسرى ستشمل إفراجا عن الجميع عند تفعيل وقف دائم لإطلاق النار وإنشاء لجنة للتنسيق و التهدئة تتألف من مستشارين عسكريين من كلا الجانبين وتشرف عليها الأمم المتحدة ورفع كل أشكال الحصار والسماح بوصول الإمدادات الإنسانية دون أي قيد أو شرط إلى المحافظات المتضررة ومنها تعز.
كما اتفق المشاركون على مواصلة عمل لجنة التنسيق والتهدئة التي أُنشِئت خلال هذه المحادثات وتحديد مقر مناسب لها في الشرق الأوسط.. وستتألف اللجنة من ممثلين عسكريين للأطراف التي ستجتمع تحت إشراف الأمم المتحدة والاجتماع من جديد لجولة جديدة من المحادثات يدعو إليها للمبعوث الخاص تحدد بالاتفاق مع الأطراف وضمان مشاركة أكبر للنساء في المحادثات المقبلة.
ويبدو أن بيان المنظمة الدولية لا يضمن إفراج الحوثيين عن الأسرى والمعتقلين ، إذ يربط بين الإفراج عنهم ورفع الحصار عن مدينة تعز بوقف دائم لإطلاق النار وهو أمر مستبعد فى ظل مواقف الطرفين وأهدافهما.
وفى محاولة لتحسين صورتها أمام مؤيديها والمجتمع الدولى والإيحاء بأنهم الطرف الأقوى ، أكدت جماعة أنصار الله الحوثيين - في أول تعليق لها بعد انتهاء جولة المفاوضات في سويسرا دون اتفاق نهائي - للشعب اليمني أنهم مستمرون فى ملحمة الصمود والتصدى ويحققون انتصارات في كافة جبهات الشرف والعزة ويلحقون خسائر غير مسبوقة للطرف الآخر الذى يعجز عن تحقيق انتصارات ويعمد الى ممارسة عمليات التضليل والتهويل وصنع الانتصارات الإعلامية الكاذبة للتخفيف من صدمته وفشله الذريع خلال الأيام الماضية الذي اتضح أنه كان ينتظر انطلاق المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف موعدا لإعلانها.
وأوضح بيان صادر للمجلس السياسى للجماعة أن الأمم المتحدة بعد إعلانها لوقف إطلاق النار مع بدء تلك المحادثات لم تكن جادة في مساعيها لوقف العمليات العسكرية ، وأضاف " إن عملية والتهويل لن تنطلي على أبناء يمن الإيمان والحكمة الذين استطاعوا تحقيق الانتصارات طيلة التسعة الأشهر وأبهروا العالم بشجاعتهم وصبرهم وصمودهم" ..
وأكد أنهم نحو الانتصار ماضون وأن ما يروج له الطرف الآخر من انتصارات وهمية إنما تهدف إلى خلق حالة من الإرباك لشد أنظار الشعب اليمني والجيش واللجان الشعبية إلى خيارات لا تقدم ولا تؤخر في ميدان المعركة وثنيهم عن المضي في خيارات قاسية ستحددها الساعات القادمة وأننا أكثر قوة وإصرارا على مواصلة المعارك بكل الوسائل وأننا من نحدد مكان وزمان المعركة الأجدى.
ودعا البيان الشعب اليمني إلى المزيد من اللحمة الوطنية واليقظة وحشد المزيد من الطاقات والجهود في كل الساحات والجبهات وعلى كل المستويات لبلوغ النصر العظيم .
أما حزب المؤتمر الشعبى العام الذى يتزعمه الرئيس السابق صالح حليف الحوثيين ، فقد أكد أن مشاورات سويسرا التي عقدت في مدينة بال لم تحقق كل ما كان يتطلع إليه وفد المؤتمر وجماعة أنصار الله.
وقال يحيى دويد عضو اللجنة العامة للحزب وعضو الوفد " كان لدينا تفاؤلا كبيرا بأن نخرج بوقف دائم وشامل لإطلاق النار ورفع الحصار ووقف الاقتتال الداخلي والعودة إلى المسار السياسي الذي يمثل المنفذ الصحيح لمعالجة كل القضايا المطروحة على طاولة الحوار لكن للأسف لم يتحقق هذا".
وقال دويد فى تصريح لصحيفة / الميثاق / لسان حال الحزب أنه يمكن القول أن مشاورات بال بمثابة تمهيد لكسر بعض الحواجز ووضع أسس الى حد ما للغة مشتركة بين الأطراف وتم خلالها التوافق على بعض الأسس والمبادئ التي ستكون محور النقاشات القادمة ، وأضاف أن وفد المؤتمر وأنصار الله أبدى إيجابية ومرونة كبيرة لخلق انفراج يتطلع إليه أبناء الشعب .
وأعرب دويد عن أمل الوفد بأن تتواصل الجهود الإيجابية من جميع الأطراف وفي المقدمة من ذلك الأطراف الدولية الفاعلة والأمم المتحدة والقوى اليمنية الخيرة في المساهمة والدفع لوقف إطلاق النار خلال الفترة القادمة لخلق الظروف الإيجابية المناسبة لإنجاح المباحثات القادمة التي حُدد لها الـ14 من يناير المقبل.
وأشار الى أن المبعوث الأممى سيتوجه الى نيويورك لإحاطة مجلس الأمن بشأن الجهود المبذولة خلال الفترة الماضية وجولة المشاورات التي جرت في بال والذي من المتوقع أن يعقد مجلس الأمن جلسة له بشأن اليمن غدا .. وأعرب عن الأمل في أن يحث المبعوث الأممي المجلس على اتخاذ موقف حاسم بتوقيف إطلاق النار.
وفى آخر تطور بعد انتهاء الجولة الثانية من المشاورات ينبىء بأن الهدنة لن تستمر، قال العميد شرف غالب لقمان المتحدث باسم الجيش اليمنى في صنعاء الذى يسيطر عليه الحوثيون أن 300 هدف عسكري ومنشأة حيوية سعودية أدخلت ضمن أهداف قوة الإسناد الصاروخية للجيش واللجان الشعبية.
وحذر المتحدث من أن ذلك مقدمة لما هو أقوى وأشد فتكا فما زال الكثير من السلاح الفعال من إنتاج وتطوير التصنيع الحربي لم يستخدم بعد ، وأن قوات الجيش واللجان الشعبية قادرة على تغيير معادلة الحرب ولن تنكون في حالة الدفاع وصار الهجوم من أولويات خياراتها الاستراتيجية وسيكون النصر لنا في النهاية.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر