تتطلع القيادة السعودية الجديدة التي يزورها الرئيس باراك أوباما، الثلاثاء، إلى التزام أمريكي متجدد في المنطقة بعد أن تدهورت ثقة الرياض بواشنطن بشدة، ويصل أوباما مع زوجته، إلى الرياض، لتقديم العزاء بوفاة الملك عبدالله، ولقاء الملك الجديد سلمان.
وقال الخبير المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، فريديريك ويري: «هناك اعتقاد بأنه لم يكن هناك علاقة شخصية جيدة بين الملك عبدالله وأوباما، ومن هنا فإن التغيير يمكن أن يكون صفحة جديدة على هذا المستوى»، لكنه أضاف: «على المستوى التنفيذي، ليس هناك أي تغيير من الجانب السعودي لأن اشخاص مثل وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، الذي يمسك بالملف الأمني، وأصبح وليا لولي العهد، ما زالوا موجودين لا بل تعزز موقعهم».
وفيما يستمر التحالف الاستراتيجي بين البلدين والقائم على مصالح مشتركة ضخمة، إلا أن السنوات الأخيرة طبعت باستياء سعودي إزاء ما اعتبرته الرياض نقصا في التزام واشنطن إزاء قضايا المنطقة، حسب خبراء.
وفي المقابل، تقاربت واشنطن نسبيا مع خصم السعودية التقليدي، إيران، في وقت تزداد فيه احتمالات التوصل إلى اتفاق نووي مع طهران.
ومن موقف واشنطن إزاء الاحتجاجات في العالم العربي، إلى انفلات الوضع العراقي وانهيار اليمن والتأزم في ليبيا وعدم التدخل في سوريا وصولا إلى استراتيجية «محاربة الإرهاب» وعدم ممارسة ضغوط كافية على إسرائيل، تبدو سنوات أوباما سيئة بالنسبة لحكام السعودية مقارنة مثلا بعهد جورج بوش.
وقال رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية في جدة، أنور عشقي: «هناك ملفات لا بد أن يكون هناك تفاهم حولها بين الملك سلمان وأوباما، لأن المملكة تتفق مع واشنطن على كثير من الأهداف، لكن الاختلاف واضح حول عدد كبير من المسائل»، وحسب عشقي، فإن السعودية تختلف مع واشنطن في الاستراتيجيات حول ملفات متنوعة، وقال «في التعامل مع الإرهاب وتنظيم (داعش)، ترى السعودية أنه يجب زوال السبب وهو غياب العدالة في العراق والعنف في سوريا الذي يشكل حاضنة للإرهاب، وليس فقط التعامل مع الظاهرة».
وفي الموضوع الإيراني، ترى السعودية حسب عشقي، أن «الولايات المتحدة تركز فقط على مسألة السلاح النووي لكن المملكة تريد منها أن تواجه سياسة زعزعة الاستقرار في المنطقة».
وتتهم السعودية إيران بالتدخل في شؤون الدول العربية في المنطقة، لاسيما في اليمن وسوريا والعراق ولبنان والبحرين، كما تتطلع السعودية إلى التزام أمريكي أكبر في ليبيا وفي اليمن لإجبار الجميع على العودة إلى العملية السياسية بعد أن سيطر المتمردون الحوثيون الشيعة على صنعاء وما تلاها من استقالة الرئيس عبدربه منصور هادي.
ورغم جهود بذلها وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، لم تحقق عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين أي تقدم فيما تتمسك المملكة بالمبادرة العربية للسلام التي أطلقتها في 2002، وعرضت بموجبها سلاما شاملا مع إسرائيل مقابل الانسحاب من الأراضي المحتلة في 1967.
وقرر أوباما أن يختصر زيارته إلى الهند، والتخلي عن زيارة تاج محل في أغرا ليتوقف مع زوجته في الرياض لدى عودتهما إلى واشنطن.
وقال أوباما بعيد وفاة الملك عبدالله، الذي التقاه مرتين: «تأكد أن العلاقة السعودية - الأمريكية مهمة من أجل الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط وأبعد من ذلك»، مشددا على أن «قوة شراكتنا بين بلدينا تشكل جزءا من إرث الملك عبدالله».
لكن الواقع أن العلاقات الأمريكية - السعودية لم تكن في أفضل أوضاعها في عهد أوباما، حسب الخبير في الشؤون النفطية والاستراتيجية، جان فرانسوا سيزنيك، الذي قال: «السعوديين على كل المستويات يرون بأن الأمريكيين لم يعودوا محل ثقة»، وعما إذا كان السعوديون قلقون إزاء إمكانية توصل مجموعة الدول الكبرى وألمانيا إلى اتفاق نووي مع إيران، قال سيزنيك: «السعوديين ينظرون في الواقع إلى هذا الاتفاق بشكل إيجابي».
وحسب هذا المحلل، فإن السعوديين يرون أن «الأمريكيين سينسحبون (استراتيجيا) من المنطقة بكل الأحوال، وبإمكانهم أن يتوصلوا بدورهم إلى اتفاق مع إيران بعد اتفاقها مع القوى الكبرى، وبإمكانهم بموجب هذا الاتفاق أن ينسقوا مع الإيرانيين لترتيب شؤون المنطقة من سوريا إلى اليمن».
وخلص سيزنيك إلى القول قد يكون هناك مناسبة الآن للتلاقي بين واشنطن والرياض، لكن «السعوديين فقدوا ثقتهم بالأمريكيين على المدى الطويل»، لكن أوباما قد يكون يحصل حاليا على هدية ثمينة من قبل السعوديين بفضل سياستهم النفطية التي ساهمت في انخفاض اسعار الخام عبر عدم التدخل لخفض الإنتاج.
وقال ويري «انخفاض أسعار النفط هدية لأوباما لأن انتعاش الاقتصاد الأمريكي يرتبط بذلك، وعلى أوباما أن يكون ممتنا لذلك».
نقلاً عن أ ف ب
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر