لم تتمكن واشنطن لحد الآن من إنشاء تحالف دولي لمرافقة السفن التجارية في مياه الخليج بهدف حمايتها من التعرض لهجمات، صعوبات تعكس سياسة الرئيس دونالد ترامب الانعزالية.
بعد ترددها في البداية، أعلنت بريطانيا في الخامس من آب/أغسطس المشاركة في "قوة الأمن البحرية الدولية" في مضيق هرمز إلى جانب الولايات المتحدة، لتكون بذلك الدولة الأولى، والوحيدة حتى الآن، التي توافق على الانضمام إلى "التحالف الدولي" الذي ترغب واشنطن في تشكيله لحماية ومرافقة السفن التجارية في هذه المنطقة الإستراتيجية في الخليج، وسط تصاعد التوتر مع إيران.
ولم يكن هناك مجال أمام لندن للبقاء لندن بعيدة عن الأمر، إذ احتجز الحرس الثوري الإيراني في 18 تموز/يوليو ناقلة نفط ترفع العلم البريطاني قرب مضيق هرمز بزعم أنها ارتكبت مخالفات بحرية، "بريطانيا عازمة على ضمان حماية عمليات الشحنة الخاصة بها من التهديدات غير القانونية ولذلك السبب ننضم اليوم إلى مهمة بحرية أمنية جديدة في الخليج" قال وزير الدفاع بن والاس في 5 آب/أغسطس. مضيفا "نتطلع إلى العمل مع الولايات المتحدة وآخرين لإيجاد حل دولي للمشكلات في خليج هرمز".
وترافق السفن التجارية البريطانية حاليا فرقاطة بحرية ومدمرة وأربعة من حاملات الألغام التابعة للبحرية الملكية، وذلك بدعم لوجستي من الجيش الأمريكي الذي يرسو أسطوله الخامس في المنطقة.
وبدأت الأزمة بين شهري أيار/مايو وحزيران/يونيو عقب وقوع سلسلة من الهجمات وأعمال تخريب بسفن تجارية بالقرب من مضيق هرمز، حيث يمر ثلث النفط المنقول بحريا في العالم.
ووجهت الولايات المتحدة أصابع الاتهام إلى إيران خاصة وأن هذه الهجمات جاءت بعد فترة وجيزة من فرض العقوبات الأمريكية على صادرات طهران النفطية، ولكن الجمهورية الإسلامية نفت تورطها في القضية.
وشددت بريطانيا بلسان وزير خارجيتها، دومينيك راب، على أنها لا ترغب في الدخول في الأزمة بين واشنطن وطهران، وأنها تبقى"ملتزمة بالعمل مع إيران وشركائها الدوليين لنزع فتيل التوتر والإبقاء على الاتفاق النووي" الذي تم إبرامه عام 2015 والذي انسحب منه الأمريكيون عقب وصول دونالد ترامب لسدة الحكم.
"ترامب يضغط على حلفائه"
دعت الولايات المتحدة وبريطانيا كلا من فرنسا وألمانيا للانضمام إلى التحالف، ولكن هاذين البلدين كانا أكثر حذرا وتخلفا عن الركب، لإدراكهما للتحدي الكبير الذي يمثله التحالف لدبلوماسيتهما المنددة بالعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران وبسياسة ترامب الأحادية.
و"تستخدم إدارة ترامب هذه الأزمة في الخليج للضغط على حلفائها للانخراط في التحديات الأمنية العالمية، هذه الوضعية فرصة جيدة (للأمريكيين) فبما أن مضيق هرمز هو ممر نقل حيوي للعالم أجمع، يجب تقاسم مسؤولية تأمين المنطقة"، هكذا قالت سانام فاكيل المحللة في مركز تشاتام هاوس البريطاني والمتخصصة في الشأن الخليجي.
ويبدو أن طهران وواشنطن ترغبان في المناوشات أكثر من المواجهات، وذلك لأن فكرة "عسكرة" مضيق هرمز، الذي تتقاسم إيران وسلطنة عمان السيادة عليه، تعتبر رهانا خطيرا، طبقا لتصريحات وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي في 8 آب/أغسطس، الذي قال خلالها إن "التحالف العسكري الذي تسعى أمريكا إلى تشكيله، بحجة الشحن الآمن، سيزيد من انعدام الأمن في المنطقة".
وفي نهاية الحرب بين إيران والعراق، في عام 1988، كان هذا النوع من التحالفات الدولية قد أنشئ بالفعل في الخليج العربي لحماية ناقلات النفط من هجمات طرفي النزاع وتأمين وصول النفط الدولي. وفي ذلك الوقت أسقطت، سفينة حربية أمريكية، عن طريق الخطأ، طائرة مدنية إيرانية مما تسبب في مقتل 290 مدنيا.
"عدم تجاوز الخطوط الحمراء"
وعلى الرغم من غياب مؤشرات تنذر بأن تأزم الوضع بين طهران وواشنطن سيتحول إلى مواجهة عسكرية، إلا أن جميع السيناريوهات تبقى ممكنة، طبقا لتصريحات المحللين السياسيين. وأكدت المحللة السياسية سانام فاكيل أن "إيران ستبقى حذرة، ولا تتجاوز الخطوط الحمراء، ولكنها في الوقت نفسه ستستمر في معارضة أمريكا لتأكيد سيادتها ومصالحها الأمنية في المنطقة"، وأضافت "في ظل هذا المناخ من العقوبات القاسية، ستحاول طهران ترجيح الكفة لصالحها بهدف دفع إدارة ترامب إلى التراجع عن العقوبات، والضغط على حلفاء واشنطن لإظهار دعمهم لها".
وتزعم السلطات الإيرانية أنها قادرة، بفضل وجودها العسكري الكبير في المنطقة، على تأمين سريان حركة الملاحة البحرية في مضيق هرمز، لكنها هددت مرارا بإغلاق المضيق في حال استمرت العقوبات الأمريكية في خنق اقتصادها. وبهذا الصدد حذر فرانسيس بيرين، مدير معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية، والمتخصص في قضايا الطاقة " تظهر إيران قدراتها على خلق توترات في المنطقة. وعرقلة التجارة النفطية العالمية في المنطقة هي لعبة خطيرة ومحكمة جدا، ولكن حين تلعب بالنار تصبح جميع الاحتمالات متوقعة، حتى الحرب".
دول الخليج في وضع حساس
تتواجد دول الخليج، التي يعتمد اقتصادها بشكل حصري تقريبا على عائدات النفط والغاز اللذين يمران عبر مضيق هرمز، في الخطوط الأمامية للأزمة بين واشنطن وإيران.
فقطر والكويت وعمان تفضل عدم المشاركة في التحالف الأمريكي لتجنب أي مواجهات مع جيرانها الإيرانيين، إذ تقول سانام فاكيل: "في كواليس الأزمة، تعتقد هذه الدول أن الحوار والدبلوماسية يمكنهما أن يكونا أكثر فاعلية من التهديدات والعقوبات".
حتى أن الإمارات العربية المتحدة، التي تؤيد في الأصل سياسة الضغط على طهران، أبدت في الأسابيع الأخيرة ميلها إلى التهدئة، كما سبق وامتنعت عن توجيه أصابع الاتهام إلى طهران في مسألة أعمال تخريب الناقلات النفطية التي وقعت شهر حزيران/يونيو".
أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية، الحليف الأكثر ولاء لواشنطن والعدو اللدود لإيران، فهي تدعم قلبا وقالبا إدارة ترامب، إلا أن المملكة الوهابية منشغلة الآن في الحرب الدموية الدائرة في اليمن حيث تواجه الحوثيين المدعومين من إيران. و"في حال أراد السعوديون الخروج من هذا المستنقع اليمني، فيجب عليهم التفاوض مع إيران، وطهران من جهتها تقول إنها مستعدة لذلك منذ مدة" كما تقول سانام فاكيل.
وبغض النظر عن مخاطر تصعيد الوضع، فإن أزمة الخليج أظهرت للرئيس الأمريكي حدود سياسته الانعزالية. فلن يتمكن بأي حال من الأحوال من الصمود وحيدا في حال وقعت مواجهات عسكرية، لذا يتوقع خبراء سوق النفط أن يتراجع الرئيس الجمهوري قريبا عن موقفه حتى لا تنخفض شعبيته في استطلاعات الرأي مع اقتراب حملة الانتخابات الرئاسية 2020.
قد يهمك ايضا:
وزير الإعلام اليمني يكشف نوايا إيران الخبيثة لإدارة حروب بالوكالة في المنطقة
الأسواق تتذبذب على وقع بيانات مُربكة ومخاوف من الركود الاقتصادي
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر