يوم الثلاثاء 18 ديسمبر/ كانون الأول الجاري أُعلن عن اعتقال أول المشتبه بهم في جريمة ذبح سائحتين بمنطقة إمليل، نواحي مدينة مراكش. لم يتسرب أي شيء عن اسمه، وهويته وصورته ومحل سكناه، ولا عن كيف تمت عملية الاعتقال وما هي صلته بالمشتبه بهم الثلاثة الذين كانوا يتحركون جماعة.
عبد الرحمن خيالي هو أول من سقط بيد الأمن، 24 ساعة بعد تنفيذ جريمة إمليل، ثم توجه نحو محل سكانه المقفل، حيث تم تسجيل فيديو مبايعة الأربعة لـ"داعش"، في عين المكان، وأكدها بعد ذلك مصدر أمني رفيع.
وفي بيت والدي خيالي، يوجد أولاده وزوجته "عائشة". هذه الأخيرة رفقة الجيران حكوا كل ما رافق تحركاته الأخيرة، أياماً قبل اكتشاف جثتي السائحتين، كما قبل أحد أعوان السلطة بدوار "الباغ"، حيث يقطن عبد الرحمن منذ العام 2013، نقل التحول الذي طرأ عليه مباشرة بعد إعلان وقوع الجريمة، إلى أن تم اعتقاله.
من هو عبد الرحمن؟
في شريط الفيديو، الذي تم تداوله للأربعة المشتبه بهم في جريمة ذبح السائحتين في إمليل، يظهر عبد الرحمن خيالي، رفقة الثلاثة الباقين وهم يبايعون تنظيم "داعش" الإرهابي. عبد الرحمن هو الأول في الفيديو من جهة اليمين، معلومة يؤكدها جار والديه "عبد الغني"، وقال معلقاً: "نعم هذا هو عبد الرحمن"، بعد أن تأكد من ملامح الرجل بسرعة.
من مواليد 1985، يتحدر من منطقة الشعوف "العزوزية" نواحي مراكش، متزوج وأب لطفلين؛ الأول في السنة السابعة والثاني في الخامسة، والداه على قيد الحياة، وهو الأوسط من بين إخوته الخمسة، ثلاثة منهم إناث.
تقول زوجته عائشة في شهادته عن مسار حياته "عبد الرحمان لم يتمم دراسته. غادر الدراسة في السنة الأولى إعدادي، ثم توجه نحو تعلم حرفة السمكرة "بلومبي"، والتي ضمنت له قوت اليوم لسنوات داخل فندق مصنف بمدينة مراكش، قبل أن يغادر عمله منذ أربع سنوات، ويشتغل لحسابه الخاص".
بيت عبد الرحمن خيالي المعتقل الأول في خلية إمليل حيث صور فيديو مبايعة داعش
بيت عبد الرحمن خيالي المعتقل الأول في خلية إمليل حيث صور فيديو مبايعة داعش
وبالحديث مع جالس زوجة عبد الرحمن، عائشة، أمام بيت والديه، وهو بيت أشبه بدور الصفيح، بدوار "الباغ" التابع لقيادة السعادة دائرة السوهيلة. دوار يبعد عن مراكش بحوالي 15 كيلو متراً، وغير بعيد عن محل سكن المشبته به الآخر" يونس"، الذي يقطن بمنطقة العزوزية.
كيف كان عبد الرحمن داخل البيت؟ جواب تجيب عنه الزوجة بالقول: "لم يكن يظهر أي تصرفات غريبة. زوجي عاشق لهواية صيد الحجل والحمام، وعندما اعتقل ترك ثلاجة البيت ممتلئة بما اصطاده قبل أيام، بل قادته هواته للصيد للاعتقال قبل أعوام، قضى بسببها يوماً عند الأمن ثم أفرج عنه".
وتنفي عائشة أن يكون زوجها متابعاً في السابق بتهمة تتعلق بالإرهاب أو تم التحقيق معه في هذا الملف. وتوضح "تزوجت به عام 2010، رغم أني من عائلة محافظة، وأرتدي النقاب قبل زواجنا. قبلت الارتباط بعبد الرحمن الشاب الطبيعي الذي لم يكن يطلق لحيته حينها، بل كان يدخن ويشرب الخمر، ودخلنا في خصام أكثر من مرة بسبب هذا الأمر".
حياة عبد الرحمن خيالي كما وصفتها زوجته "عائشة"، يؤكدها جاره "عبد الغني"، وحسب الأخير فإن "خيالي لم يكن ملتزما ولم يكن يطلق لحيته. عرفته يدخن ويشرب الخمر. كان يداوم، من حين لآخر، على بيت أحد أصدقائه هنا "يشير إلى البيت" لاحتساء الخمر، لأنه كان من الصعب قيامه بذلك في بيت زوجته الملتزمة دينياً أو في بيت والديه".
"عبد الغني"، جار عبد الرحمن في دوار "الباغ"، كشف أن "التحول بدأ يظهر عليه قبل أزيد من عامين. أطلق لحيته واختار اللباس الأفغاني، تغيرت لغة حديثه مع معارفة وأفراد عائلته، وأصبح يردد هذا حرام وهذا حلال، لم يعد يكثر الكلام مع من لا يشبهونه، يكتفي بقول السلام وعليكم ورحمة الله تعلى وبركاته فقط، وقد لا يقولها لك حين تصادف".
قوت يوم عبد الرحمن وعائلته كان من العمل في البيوت والمحلات التجارية وبعض الفنادق، تقول زوجته "عائشة"، "منذ غادر العمل في الفندق أصبح يعمل لحسابه الخاص. دخله في اليوم ما بين 100 إلى 200 درهم، بالإضافة إلى ما يجنيه من صيد الحجل والحمام".
وتحسم زوجته في شهادتها حول مسار حياته بالقول: "لم ألمس أي تغيير. صدمت بما وقع، خاصة أنه كان برافقتي يوم وقوع الجريمة في إمليل".
الزوجة ترفض بشكل مطلق "إلصاق الجريمة بزوجها"، وتتحسر على ما وقع، خاصة وأنها حامل في شهرها السادس.
قبل ليلة الجريمة.. ما بعدها.. ولحظة الاعتقال
حسب جيران وزوجة عبد الرحمان، قضى الأخير ليلة الأحد/الاثنين في بيته، لكنه كان مختفيا طيلة يوم السبت وليلته. في هذا الصدد، تقص الزوجة "عائشة": "أخبرني يوم السبت صباحاً أنه متوجه إلى مرآب محل تجاري بباب دكالة "المدينة القديمة لمراكش"، قال إنه سيعمل عند أحدهم في تصليح قنوات الصرف الصحي، لكن منذ خروجه من البيت وحتى عودته لم يكن يرد على الاتصالات الهاتفية".
هذه الرواية أكدها مصدر أمني رفيع، وأوضح أن "عبد الرحمن توجه رفقة المشتبه بهم الثالثة إلى إمليل يوم السبت، وبات معهم الليلة هناك، ثم عاد إلى البيت يوم الأحد، وقضى ليلة الاثنين والثلاثاء في البيت قبل اعتقاله".
بدوره قال عون السلطة الذي تحدث إليه بدوار "الباغ" هذه الرواية، وأضاف: "كان يوم الأحد بالدوار، كان يتصرف بشكل طبيعي، لكن يوم الاثنين ومباشرة بعد إعلان وقوع الجريمة في إمليل، حلق لحيته عن آخرها، عندما لاحظت هذا التحول رفعت تقريراً بسرعة إلى جهات المعنية، وقلت فيه 'راه عبد الرحمان رازا اللحية كاملة، شي حاجة ما هياش واقعة'".
حلق عبد الرحمان لحيته عن آخرها، وهو ما أكدته رواية الجيران بدورهم، ونقلوا أن الرجل لم يظهر أي تغير في تصرفاته طيلة يوم الأحد، وهو اليوم الذي عاد فيه من إمليل بعدما قضى الليلة رفقة المشتبه بهم، الذين تكلفوا بتنفيذ الجريمة.
"كان ناعس معايا منين شدّوه"، تقول زوجة عبد الرحمن. وقد تم الاعتقال في الساعات الأولى من صباح يوم الثلاثاء 18 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وشهد دوار "الباغ" إنزالا أمنياً أيقظ ساكنته. سيدة، تبدو في الستينيات من عمرها، منزلها ملتصق بمنزل عبد الرحمان خيالي، تصف ما وقع بالقول: "هاد الشي خلعنا، حرام عليهم، عمرنا شفنا هاد الشي، تخلعنا". كلمات رددتها بحسرة وهي تذرف الدموع.
التحول؟
قبل سنتين ونيف، لم يكن عبد الرحمن غير ذاك السمكري الذي يدخن ويحتسي الخمر من حين إلى الآخر، يخالط البشر دون حواجز بسبب قناعاته.
"عندما ظهرت عليه علامات التشدد في الدين، كثرت مشاكله مع عائلته، كنا نسمع دائماً أصوات الصراخ تصدر من بيت والديه. وكان الحديث يصل إلينا من حين إلى الآخر، بسبب الفضاء المفتوح بين بيتنا وبيتهم، وكان يلوم عائلته على أسلوب حياتهم الذي أصبح يعتبره حراماً في حرام، وكان يدفع أخواته الثلاثة لارتداء النقاب، وكان يعتبرهن متبرجات"، يقول جاره "عبد الغني".
زوجته، تدفع بكل هذا نحو النفي، وتقول في شهادتها: "لم ألحظ أي تحول على سلوكه، ولم يكن يزره في البيت، من حين لآخر سوى، يونس وازيد، بحكم أنهما يعرفان بعضهما منذ كان زوجي يقطن بالعزوزية".
بسؤالها عن نوع الكتب الدينية التي كان يقتنيها زوجها، وما إذا كان يجلب أشخاصاً إلى البيت أو أصبح يتابع أشرطة فيديو لها صلة بالتنظيمات الإرهابية، وكان جوابها: "نملك في البيت مصحفا وكتاباً أحمر لصحيح البخاري. ولم يجلب أي كتب أخرى إلى البيت بعد التزامه".
"لكن كل المعطيات تؤكد أن بيتكم احتضن مبايعة تنظيم 'داعش' وداخله تم تصوير الفيديو؟" سؤال وجهه لزوجة عبد الرحمن، وكان ردها: "لا أعرف. ما يمكنش تسول الرجال وتدخل في سوقهم، ما يمكنش نقول ليه أشنو كتدير وأشنو ما كتديرش".
لحظة أخذ شهادة "عائشة"، زوجة عبد الرحمن، حلت بالدوار فرقة من عناصر الأمن، عددهم قرابة العشرة، من بينهم رجل أمن يحمل كاميرا وصندوقاً كبيراً. طلبوا بلطف توقيف أخذ الشهادة لمدة عشر دقائق، ثم دعوها الزوجة إلى مرافقتهم إلى بيت عبد الرحمان. ظلوا هناك لقرابة 7 دقائق، ثم عادوا. "هل صوروا معك فيديو أو أخذوا أقوالك؟"، بسؤال الزوجة، تجيب "لا". أخذوا صوراً مختلفة للبيت، ورفضت إعطاء أي تفاصيل أخرى حول ما وقع حين رافقت رجال الأمن. هؤلاء وبعد الانتهاء من أخذ شهادتها، طلبوا مرة أخرى من "عائشة" مرافقتهم على متن سيارة الأمن، طلب استجابت إليه على الفور، وأصرت على أخذ طفلها الأصغر معها.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر