في مؤشر غير خافٍ على وعي متنامٍ لدى الفاعلين المغاربة، عموميين وخواص، بأهمية وحتمية عدم التخلف عن رَكب الذكاء الاصطناعي وتسارع تداعياته كوافد جديد ضمن سيرورة ثورة علوم المعلومات والاتصالات، يستمر انفتاح المملكة المغربية على الشركات العالمية الكبرى الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، والمستقر معظمها بسان فرانسيسكو الأمريكية، وهو ما جاءت زيارة غيثة مزور، وزيرة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، لترسيخه.
وقد تميزت جولة العمل، التي تقوم بها الوزيرة مزور لسان فرانسيسكو، بعقد لقاءات عمل وزيارات متتالية تضمنت مباحثات ثنائية وتوقيع اتفاقيات شراكة، حيث التقت عدداً من المدراء التنفيذيين ورؤساء الشركات الأمريكية العالمية، الفاعلة في مجال الاستثمار في الشركات الناشئة وتكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي، بهدف التعريف بالآفاق الواعدة التي تتيحها وِجهة المملكة المغربية كـ”رائد إقليمي رقمي”.
وبعد لقاء عمل جمعها ببراد لايتكاب، الرئيس التنفيذي للعمليات بشركة “OpenAI” الرائدة العالمية في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، والمطورة لروبوت المحادثة ChatGPT، بمعية فريق عمله، وُقعت بحر الأسبوع “اتفاقية شراكة مع مجموعة “أوراكل” ORACLE الرائدة عالميا في تكنولوجيا المعلومات لإطلاق مركز للبحث والابتكار “الأول من نوعه بإفريقيا والثامن عالمياً”.
وشكلت لقاءات وزيرة الانتقال الرقمي بمسؤولين ومستثمرين ومُحتضِني مقاولات ناشئة في التكنولوجيا فرصة لبحث “سبل التعاون في مجالات البحث والابتكار في المغرب، وكذا تطوير منظومة للذكاء الاصطناعي بما يتلاءم مع خصوصيات المجتمع المغربي”.
وينتظر أن يخلق المركز، حسبما أُعلن عن ذلك، 1000 منصب شغل ذات قيمة مضافة بالنسبة للكفاءات المغربية، من مهندسين وباحثين، مقابل مساهمتهم في “تطوير الحلول السحابية وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي” الموجهة إلى زبناء وعملاء عبر أنحاء العالم.
وبالمناسبة، قالت الوزيرة المنتدبة إن “هذا المركز يضم أحدث التقنيات، ومن المرتقب أن يضع الكفاءات المغربية الشابة في طليعة تصميم وتطوير حلول مبتكرة وفق أحدث التقنيات كالذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والحوسبة السحابية والأمن السيبراني”، مضيفة أن “الحلول والابتكارات التي سيتم استخدامها على المستوى الدولي ستعزز مكانة المملكة المغربية كرائد إقليمي رقمي”.
وغير بعيد عن “السيليكون فالي” دعت مزور إلى “تمتين هذه الشراكة واستكشاف آفاق الرقمنة وتكنولوجيا المعلومات بالمغرب، التي تُعتبر الكفاءات المغربية الشابة عمودَها الفقري”.
استراتيجية “ذكاء اصطناعي موثوق”
في سياق متصل نشَرَت مؤسسة رسمية للأبحاث والدراسات (المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية IRES) تقريرا تركيبياً باللغة الفرنسية من 40 صفحة معنوناً بـ”الذكاء الاصطناعي الموثوق به.. رافعة التغيير لصالح التنمية المتسارعة للمملكة”، طالعت جريدة هسبريس نسخته الكاملة المنشورة حديثا.
وأشار التقرير إلى حقيقة “وضع الذكاء الاصطناعي في إفريقيا، الذي لا يزال غير مؤكد، حيث تظل القارة في المقام الأول مُستهلِكاً للتكنولوجيا وأرضية اختبار لعمالقة التكنولوجيا”، مبرزا أن “المغرب يواجه تحديًا كبيرا في مجال الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك عدم وجود استراتيجية وطنية جريئة”.
“على الرغم من ذلك تبرز عدد من المبادرات، بقيادة المؤسسات والجامعات، على الصعيدين الوطني والدولي، مما يشكل أساسًا متينًا لتطوير نظام إيكولوجي تنافسي للذكاء الاصطناعي على المستوى الوطني”، يتابع التقرير ذاته.
واعتبر أنه “من المستحسن أن تتبنى المملكة نهجًا شاملاً لتشكيل الذكاء الاصطناعي الأخلاقي الذي يُركز على الإنسان بما يتوافق مع القيم الوطنية.
وفيما يلي العناصر التي يجب مراعاتها في هذه الرؤية، وفق تقدير خبراء المعهد.
ووفق المعهد نفسه، من الضروري إنشاء “حوكمة الذكاء الاصطناعي” بناءً على عدة مبادئ، أولها “تعزيز دور الدولة من خلال إنشاء إطار قانوني يتماشى مع المعايير الدولية”، وكذا “النظر في إنشاء كيان أو هيئة مُكرّس لتطوير ذكاء اصطناعي يتماشى مع قيم ونموذج التنمية في المغرب”.
كما شدّ التقرير الانتباه إلى أهمية “تشجيع إنشاء لجان توجيهية للذكاء الاصطناعي في القطاعين العام والخاص، وإدماج الأخلاقيات والتنظيم وإدارة البيانات والقابلية الاجتماعية وتأثير العمالة والشفافية وقابلية التشغيل المتبادل”.
ومن التوصيات المقترحة “الارتقاء بالمغرب إلى مرتبة القوة العلمية في مجال الذكاء الاصطناعي، من خلال تشجيع تدريب المواهب والبحث العلمي في مجال الذكاء الاصطناعي على الصعيد الوطني، وإنشاء قطاعات متخصصة مطبَّقة، وتشجيع التدابير الرامية إلى اجتذاب الخبرات الوطنية والدولية لمواجهة هجرة الأدمغة”.
يشار إلى أن هذا التقرير هو خلاصة يوم دراسي للتفكير الاستشرافي نظمه المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية في مارس 2024، بشراكة مع مركز “حركة الذكاء الاصطناعي “Ai Movement، التابع لجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية UM6P.
وحسب القائمين على اللقاء، الذي حضره خبراء مغاربة وأجانب، فالغاية هي “استكشاف أسس الذكاء الاصطناعي ومختلف قضاياه، بما في ذلك القضايا الأخلاقية”، مع بسط “المقترحات الاستراتيجية، التي تهدف إلى تحديد استراتيجية وطنية لنشر ذكاء اصطناعي شامل ومفيد ومسؤول، بما يتماشى مع احتياجات وقيم المملكة”.
قد يهمك ايضاً
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر