تناقلت وسائل الإعلام المغربية ومواقع التواصل الاجتماعي، خلال الأسبوع الماضي، صورا لحادث ارتطام شاحنة صهريجية بنقطة الأداء بالطريق السيار على مستوى أمسكرود. وظهر في تلك الصور شبان مغاربة وقد تلطخت أجسادهم بمواد بترولية، بعد أن ساهموا في إنقاذ المصابين من الموت؛ وذلك بإخراجهم من العربات التي كانت طرفا في الحادث.
شهود عيان أكدوا أن الشاحنة الصهريجية تقدّمت نحو نقطة الأداء بسرعة قوية، وفي وضع يطلق عليه مختصو السلامة الطرقية تسمية "mise en portefeuille"، حيث تنطوي الشاحنة على المقطورة ويفقد السائق حينها السيطرة على العربة؛ وهو ما يؤدي، في غالب الأحيان، إلى حادثة سير.
إن هذه الحادثة الأخيرة، التي راح ضحيتها أحد الأعوان الذي كان يؤدي واجبه المهني، جاءت لتدق ناقوس الخطر حول ما يعانيه العاملون في نقطة الأداء بأمسكرود التي وضعت في نهاية منحدر شديد الخطورة من قلق دائم، إذ إنها ليست المرة الأولى التي تشهد فيها حادثة سير؛ لكن بدرجة أقل خطورة.
بخصوص حادثة أمسكرود، أشارت أصابع الاتهام في عدد من مواقع التواصل الاجتماعي، إلى وزارة النقل والتجهيز. والحق أن العيب لم يكن، هنا، يتعلق بفتح طريق سيار في منحدر خطير؛ وإنما العيب كل العيب هو في وضع نقطة الأداء في نهاية المنحدر. وعليه، فإن كل الأسئلة وجب توجيهها نحو الشركة الوطنية للطرق السيارة.
لقد جرت العادة في جل بلدان العالم أن يتم اعتماد الأداء بالطرق السيارة لفترة قصيرة، يتسنى فيها استرجاع المصاريف المتعلقة ببنائها، ثم توضع تلك الطرق رهن إشارة مستعمليها مجانا؛ غير أن الشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب جعلت من مسألة الأداء تجارة مربحة تجني من خلالها أموالا طائلة كل سنة.
ليس من الضروري أن توضع نقطة الأداء في محوري الذهاب والإياب على المستوى نفسه من الطريق السيار، فيمكن اعتماد بداية المرتفع منطقة أداء آمنة لكل من الاتجاهين، أو بالأحرى في أعلى نقطة حيث تساوي الأرض، مع توفير مكان جانبي لتوقف العربات بعد الأداء.
نقط الأداء في قمم المرتفعات ستمنح سائقي الشاحنات فرصة للتوقف على قارعة الطريق، لمراقبة الحالة الميكانيكية لعرباتهم قبل الانطلاق في نزول الجبال شديدة الانحدار. كما أن التوقف عند نقطة الأداء سيتم بكل سلاسة؛ لأن العربات ذات الوزن الثقيل تسير بسرعة منخفضة جدا، عند صعود المرتفعات.
بعد كل هذا، لا يمكن التغاضي عن مسؤولية صاحب الشاحنة والسائق معا، في مثل هذا النوع من الحوادث؛ لأن محور طريق أمسكرود قد يعتبر مجرد مسلك عادي في دول تعرف ظروفا مناخية قاسية وتتوفر على تضاريس أكثر وعورة، لكن الشاحنات فيها تنزل من القمم إلى السفح بسلام.
الحالة الميكانيكية للعربة قد تكون لها المسؤولية المباشرة في مثل هاته الحوادث؛ فالفرامل المهترئة لا تقوى على وقف أو تخفيف سرعة شاحنة محملة بحمولة ثقيلة، في المكان المناسب وفي الوقت المناسب. ومن ثمّ، وجب تشديد المراقبة على كل العربات التي تسير على الطرق المغربية.
الحمولة الزائدة ظاهرة تتسبب في عدد كبير من حوادث السير ببلادنا، إذ إن عددا من السائقين المهنيين ما زالوا يشتكون من نقل حمولات ضعف القانون المرخص لهم به دون أن يستطيعوا تغيير شيء في الأمر، بالرغم من ترسانة القوانين المنظمة لقانون السير والجولان بالمغرب التي تؤطرها مدونة السير؛ لأن رفضهم نقلها يعني طردهم من العمل. وتؤثر الحمولة الزائدة بشكل مباشر على طريقة القيادة؛ فمضاعفة الحمولة مرتين تعني مضاعفة مسافة التوقف أربع مرات، وأثناء الدوران في المنعرجات قد يفقد السائق للسيطرة على العربة بسبب عدم توازنها الناجم عن الوزن الزائد.
خبرة السائق هي الأخرى تلعب الدور الرئيسي في حوادث السير؛ فالسائق الذي يفتقد للتجربة قد يضغط بشكل مستمر على الكوابح، طوال مدة النزول من المرتفع، من شدة خوفه من السرعة المتزايدة للعربة أثناء النزول. ولا شك في أن تلك العملية تفقد الفرامل فاعليتها، جراء كثرة الاحتكاك الذي تتولد عنه حرارة مرتفعة في نظام الفرملة؛ وهو ما قد يؤدي، في بعض الأحيان، إلى اشتعال النيران.
تعليم السياقة بالمغرب لا يمكّن السائقين الجدد، خصوصا السائقين المهنيين، من الإلمام بشكل جيد بتقنيات السياقة في المرتفعات؛ لأن المرتفعات غير موجودة في أماكن تعليم السياقة. ومن ثمّ، فإن المتعلم يركز على تحصيل رخصة السياقة أولا، مع الاكتفاء بمعلومات نظرية حول السياقة في الجبال، على أمل أن يطبّق تلك المعلومات أثناء مزاولة العمل.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر