يسعى المغرب إلى تنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع في المساحات المشتركة، من خلال سن بعض القوانين، من دون أن تحظى برضا المواطنين بالضرورة، وبعد فرض غرامة قدرها 25 درهماً (نحو 2.7 دولار) على المغاربة الذين لا يقطعون ممر الراجلين، أصدرت الحكومة مرسوماً في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، يمنع المواطنين القاطنين في مساحات مشتركة من نصب لاقط هوائي على الشرفات والنوافذ، أو تنظيف السجاد في الممرات.
وجاء في المادة 11 التي تحمل عنوان "أعمال التنظيف المنزلي"، أنه "لا يجوز القيام بأي عمل من أعمال التنظيف المنزلي مثل تمشيط ونفض الزرابي (السجاد) والأفرشة والأثاث في الدرج والممرات والأبهية". ونصت المادة "19" على أنه يمنع صرف المياه الناتجة عن التنظيف من خلال النوافذ والشرفات. وتحت بند "استعمال الأجزاء المشتركة"، نصت المادة 13 على أنّه "لا يجوز تثبيت الأجهزة المستقبلة للبث التلفزي كالهوائيات أو الصحون في واجهات البناية أو شرفاتها"، مشيرة إلى "الحفاظ على هدوء العقار، وعدم إحداث ضجيج، واستعمال آلات الصوت باعتدال".
وأشار المرسوم إلى الضجيج الصادر عن أعمال الإصلاح، موضحاً أنه على صاحب العمل أو الوكيل أن يحدد وقت بدء وتوقف أشغال الإصلاح غير المستعجلة، التي ينتج عنها ضجيج، والتمييز بين أيام العطل والأيام العادية. ولم يتحدث المرسوم عن غرامة بحق المخالفين، إلا أن الهدف منه تنظيم سلوك الأفراد، خصوصاً في الأماكن المشتركة.
في هذا السياق، يقول الباحث الاجتماعي مصطفى الشكدالي لـ "العربي الجديد": "هذه المراسيم لا تعدّ تدخلاً حكومياً في سلوكيات المواطنين في الأماكن العامة أو المساحات المشتركة، بل هذا ما تفعله مختلف حكومات العالم، نظراً للعلاقات التي يعيشها أفراد المجتمع. بالتالي، القانون ينظم هذه العلاقات". ويشير إلى قانون "ممر الراجلين" الذي ينص على أنه من كان قريباً من الممر بنحو 50 متراً ولم يحترم العبور، يدفع غرامة، لافتاً إلى أن الأمر يتعلق بفهم حيثيات القوانين التي تؤسس لاحقاً للسلوكيات.
ويشير الشكدالي إلى "الفهم المبتذل والاعتراض على القانون من أناس لا يودون الانخراط في الحياة والعلاقات"، ويضيف: "اعتاد البعض، بسبب التنشئة الاجتماعية، الالتفات إلى المصلحة الخاصة داخل البيت بعيداً عن المصلحة العامة التي تعود بالنفع على الجميع".
وعادةً ما يلتزم الأفراد في المساحات المشتركة، كالمباني السكنية، بقوانين داخلية تنظم علاقتهم بالمكان وبساكنيه، من خلال الحفاظ على النظافة وصيانة المصعد وتوفير الأمان من خلال "العسّاس". ويقول الشكدالي: "عندما يقتني الفرد بيتاً، يقتني معه القوانين"، مضيفاً أن عقليّتنا لم ترق بعد إلى فهم السكن المشترك، وقد أصبحت مدننا مكتظة. ربما كانت القوانين في السابق غير مفعلة، لكنّها أصبحت ضرورية الآن".
وفي ما يتعلق بالاتفاقيات أو القوانين الموقعة بين السكان أنفسهم، يقول إن "الاتفاقيات بين الناس قد تسبب ضرراً للآخرين. على سبيل المثال، فإذا اتفق بعضهم على وضع اللاقط الهوائي على النوافذ، فإنهم سيسببون ضرراً للآخرين. لذلك، القوانين مهمة لتنظيم السلوك". ويلفت الشكدالي إلى أن بعض القوانين لا تطبق في المغرب، لافتاً إلى أنه "رغم عدم تطبيقها، يجب احترامها وعدم التبخيس بالجهود المتعلقة بالمنفعة العامة". يضيف: "لا بدّ أن نصل إلى مستوى من السلوكيات تحفظ للفرد كرامته في إطار المجتمع".
في هذا السياق، تقول لطيفة (50 عاماً)، التي تعمل في تنظيف البيوت، إن "النساء في طنجة اعتدن تنظيف السجاد فوق سطوح المنازل ونشرها هناك أيضاً". أما فتيحة الموالي، فترى أن "قوانين المغرب غريبة، وفيها تقليد لدول متقدمة من دون توفير بدائل. طبعاً، فإن نفض الزرابي فوق رؤوس المارة أمر غير لائق، ويجب توفير بدائل".
ويقول الناشط نور الدين بلحبيب وعن رأيها في "اللاقط الهوائي"، تقول: "أصبحت التكنولوجيا تتجاوز هذه اللواقط، ويوجد لواقط صغيرة لكنّ الحكومة تحب إثارة القضايا". وتلفت إلى أن كل عمارة يجب أن تضمّ بهواً داخلياً تطل عليه شرفات السكان لاستعماله في نشر الغسيل، ويجب طلب الإذن من الجيران عند نفض السجاد، إلّا أن المباني في الوقت الحالي تسعى إلى الربح السريع.
"غالبية المساكن في شرق المغرب منفردة، لكنّ هناك تشويهاً للمنظر العام. كما أنّ الستالايت يشوّه واجهات العمارات وحتى المنازل المنفردة، وغالباً ما تستغل السطوح من قبل من يسكنون في الطوابق الأخيرة". يضيف: "الملكيات المشتركة تخلق الصراعات دائماً، فضلاً عن غياب التوعية في القانون".
أما الطالبة الجامعية سلمى الكردوري (30 عاماً)، فترفض القوانين وتصفها بـ "المتعسفة ولا تستند إلى دراسة مسبقة". تضيف: "من سنّ هذا القانون لم يحاول حمل سلة ملابس مبللة، أو صعود مائة درجة أو أكثر حاملاً السجاد. يحرصون على جمال المنظر الخارجي ولا يركزون على الأساسيات مثل الخروج من أزمة التعليم والصحة والنقل، إلخ".
يُطلق عادة على عملية تنظيف البيت في المغرب "التخمال"، وذلك مع بداية فصلي الصيف أو الشتاء، وفي مناسبات دينية خصوصاً قبل شهر رمضان وعيد الأضحى، ويُنفض البيت ويغسل كل ما فيه تقريباً، وتضطر النساء إلى غسل السجاد فوق أسطح المنازل أو البنايات أو نفضها من النوافذ والشرفات، ما قد يضايق المارة.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر