تونس - حياة الغانمي
مرّ أحد أبناء حي الكبارية الشعبي في تونس، نبيل التونسي، برحلة الموت من أجل حلم العيش الكريم، وقضى 3أيام في عرض البحر على متن قارب صغير قد يتعطل بين الفينة والأخرى، ومع ذلك لم يخش الموت ولم يهب التجربة، سُجن وعمل في تجارة المخدرات ثم شاءت الاقدار ان يعود من جديد الى البحر ليكون هذه المرة بحارًا.
وأكّد نبيل إلى "المغرب اليوم" أنه كان في طريقه الى "الحمّام" "مثل الدوش التقليدي يتسع لعدد كبير من الناس ويستحمون فيه بمقابل" يحمل معه ملابسه النظيفة وفي الطريق لمح أبناء حيه يمتطون شاحنة ويحملون معهم ما خف حمله من ملابس ومؤونة قاصدين المكان الذي سينطلقون منه الى إيطاليا، حاول جيرانه صده عن "الهجرة غير الشرعية" باعتبار ان سنه كان آنذاك 16 عامًا ، فضربوه ودفعوه محاولين انزاله من الشاحنة ولكنهم لم يفلحوا، كان عنيدًا وأصرّ ان يهاجر معهم رغم انه كان يدرس وكانت نتائجه الدراسية جيدة جدا، ويقول نبيل في هذا الخصوص، "كنت ادرس بجد ولكني لم اكن مقتنعا بالوضع الذي نعيش فيه، كانت عائلتي بسيطة وكان والدي مريضا يقيم بالمستشفى ووالدتي تشتغل عاملة نظافة، كنت أشعر أنه بإمكاني ان أجعل أمي أكثر سعادة اذا هاجرت ووفّرت لها المال ولهذا تحملت الضرب من جيراني وأصررت على الهجرة غير الشرعية رغم انه لم يكن معي الا 1200 مليم وهو سعر "الحمام"، وعندما وجدني الرجل المسؤول على الرحلة مصرًا، طلب من الشباب ان يهدؤوا ويتركوني على أن يأخذني معهم بلا مقابل، وانطلقت رحلة الموت من الوطن القبلي".
وأوضح نبيل أنهم كانوا 72 شخصًا وكان القارب صغيرًا ، يشعر بالخوف ويفكر في والدته وردة فعلها عندما تعلم بالأمر ، كانت الأفكار تتزاحم في مخيلته وكان الخوف يسيطر عليه، ولكن مرت 3 أيام في البحر اضاعوا خلالها الطريق ليجدوا انفسهم في النهاية على البر قبالة جبل منقسم الى نصفين، انطلق الجميع في الركض وكانوا لا يسمعون الا "اجري اجري"، ركضوا بسرعة وطلب منهم ان يفترقوا بين اليمين واليسار، افترق الجميع ، ركض بعضهم الى اليمين والبعض الاخر الى اليسار، الا نبيل ركض الى اعلى الجبل، ووجد نفسه بين عواء الذئاب واكواخ المافيا وتجار المخدرات ، خاف كثيرا وقضى ليلته معلقا في شجرة زيتون، الى ان حل النهار فركض ومشى لمسافة تقارب 30 كلم ، توقفت بجانبه سيارة "فيات اونو " وفوجئ بالأمن الإيطالي يلقي عليه القبض ويحمله الى مركز إيواء هناك للمهاجرين غير الشرعيين ، وقد وجد جميع مرافقيه في الرحلة قد سبقوه الى هناك.
وأفاد التونسي أنهم قضوا في المركز 7 أيام ليطلق بعدها سراحهم وينطلق كل واحد فيهم إلى حال سبيله، مشيرًا إلى أنه قضى ليالٍ عدة في الشارع ونام في القطار وتشرد كثيرًا، ولأن المخدرات كانت تباع على الملأ، فقد اختار الطريق الاسهل لكسب المال واشتغل في مجال المخدرات لمدة 4 أشهر في الاثناء أصيبت والدته بصدمة نفسية اثر هجرته ولم تتمكن من المشي لمدة 18 يومًا، وعندما أرسل لها المال من إيطاليا، طلبت منه أن يعدها أن لا يرسل لها أموالا من عمل غير شريف، وكان هذا الوعد وراء انقطاعه على العمل في مجال المخدرات والبحث عن عمل يرضي والدته ويجعلها سعيدة فعمل في مطعم كبير وكان ينظف الحوت ويكسب منه مالا حلالا يرسله الى والدته التي ضحت من اجله ومن اجل اخواته الثلاثة بالكثير، وقد تمكن من استئجار منزل وحده، وشيئا فشيئا اغرم بالبحر فاختار ان يعود الى البحر ولكن هذه المرة كبحار ، وبعد قرابة 3 سنوات تمكن من تسوية وضعيته وعاد الى تونس ليجد نفسه قد ساهم في تحقيق حلم والدته وهو بناء منزل، وقام بعدها بتزويج اخواته الثلاثة ثم تزوج هو سنة 2011 من فتاة إيطالية سرعان ما احبا بعضهما واقاما عرسا تقليديا تونسيا ادخلها بعده الى دين الإسلام وكانا سعيدين خاصة بعد قدوم ابنتهما "سالمة"، لكن منذ سنتين تقريبا تغيرت كل المعطيات وانقلبت كل الموازين، حيث احس ان زوجته وحبيبته تغيرت كثيرا وأصبحت تخشاه وتخشى المجيء الى تونس وتخشى كل من له علاقة بتونس.
وكشف التونسي أنه لم يعد للتونسيين اية قيمة لا في إيطاليا ولا في أي بلد اخر بفعل ما اتاه هؤلاء الذين يدعون الدفاع عن الإسلام والحال انهم يشوهونه، وأضاف ان زوجته أصرت على الطلاق خوفا من "الدواعش" أبناء بلده الذين ملأوا سورية وليبيا وتحولوا الى بلدان أخرى فاستجاب لطلبها وطلقها بالتراضي سنة 2014 لتظل علاقته بها جيدة، وقال محدثنا انه يحز في نفسه ان تصبح صورة التونسي مقتصرة على الإرهاب وعلى الذبح والقتل والكراهية، وشدد على انه خسر زوجته وابتعد عن ابنته بسبب "عناصر داعش "وما يروجون اليه عن التونسيين، فنظرة الجميع أصبحت سلبية للتونسيين ولم يعد احد يثق بكل من يحمل جنسية تونسية ولهذا طلبت زوجته الطلاق على حد تعبيره، واكد نبيل ان السلطات الإيطالية التي لم تكن متشددة مع "المهاجرين " أصبحت تعتبر كل المهاجرين بطريقة سرية مجرمين خطيرين لا سيما اذا كانت جنسيته تونسية، هكذا قضى عناصر داعش على صورة تونس في الخارج وعلى العلاقات بين الناس، ولهذا كره نبيل الغربة ولم يعد يطيق رؤية تونسيين يهانون ويدفعون ضريبة ما ارتكبه عناصر داعش ، ولهذا اصبح يسافر الى إيطاليا مرتين فقط في السنة لرؤية ابنته حتى لا يجرح أحد كبرياءه.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر