بعدما انخرطوا لسنوات طويلة في جبهات القتال داخل سوريا، التي تعيش منذ سنة 2011 ثورة ضد نظام بشار الأسد، أدرك عدد من الشباب المغاربة أنهم في المعركة الخطأ وهو ما دفعهم إلى مراجعة مواقفهم بعدما تبدل الحال وتغيرت الأحوال، حيث أسسوا خلال شهر ماي الماضي تنسيقية تحت اسم “التنسيقية المغربية للعالقين بتركيا”، لفتح حوار مع السلطات المغربية، بهدف إيجاد حل لعودة عدد من المقاتلين المغاربة بسوريا إلى أرض الوطن رفقة أسرهم.
في حوار مع “العمق” يتحدث رئيس التنسيقية، زكرياء العزوزي لأول مرة عن دوافع مغادرتهم المغرب اتجاه سوريا، ورد فعل أهاليهم، والجماعات والتنظيمات التي كانوا ينشطون داخلها، وتفاصيل أخرى تكتشفونها ضمن هذا اللقاء.
حاوره: جمال أمدوري
ما الدافع الذي جعلكم تغادرون نحو سوريا من أجل الانخراط في الحرب هناك؟
الحديث عن الدافع أو بالأحرى دوافع مغادرتنا نحو سوريا يمكن أن يفهم في سياق تاريخي: تفاعل اجتماعي ديني وسياسي؛ كل هذه العناصر مهدت لهذه الظاهرة. (فالربيع العربي) باعتباره المجال الزمني الذي غادرنا فيه المغرب صوب سوريا يراه الباحثون نتيجة مسار تاريخي -غاية في التعقيد- حيث اتسم بتوالي معادلة الفشل على كافة المستويات في العالم العربي -اقتصاديا وسياسيا وعسكريا- أفرز هذا الوضع انغلاقا في الأفق لدى المجتمع الذي عبر عن هذا الاستياء من خلال الاحتجاجات السلمية وأخرى عنيفة حمل فيها السلاح تعبيرا عن الثورة.
كان هذا المناخ السائد مثارا لتدخل أهم عامل في تحريك المجتمعات وهو الدين من خلال رجاله الذين بدورهم عززوا موقف المساهمة في الوقوف مع نداء الشعوب المقهورة والمضطهدة كما فتحت قنوات الإعلام أبوابها للشيوخ حتى يصل كلامهم إلى إسماع الأكثرية من الناس، فتحركت نتيجة لذلك العواطف والمشاعر فهَّم الشباب بالرحيل إلى سوريا ونحن منهم استجابة لنداءات إنسانية وأخرى دينية دون الالتفات إلى مغبة وعواقب هذا الاختيار الذي نعيش انعكاساته المأساوية اليوم..إلا أننا نلمس اليوم حجم النفاق الذي كانت عليه هذه الموجة (الإعلام والمؤسسات الدينية) التي شجعت على ذلك فأين هي اليوم مما نحن وأمثالنا نعانيه بسبب ما قمنا به من الوقوف مع الشعب السوري.
كيف كانت ردة فعل أهاليكم عند علمهم بوجهة سفركم؟ هل كانوا مؤيدين لذهابكم إلى سوريا؟
نتصور أن هذا يختلف بحسب كل فرد؛ فهناك من أخفى على أهله وجهة سفره وهناك من عارضه أهله على ذلك وهذا هو الغالب.. فأغلب الأهالي لم تقبل بهذه الخطوة التي قام بها أبنائهم. ماهي الجماعات والتنظيمات التي شاركتم معها؟
وماهي مهامكم فيها وهل عندكم رقم تقريبي للمغاربة في سوريا؟
الساحة السورية يمكن إدراجها تحت مفهومين رئيسين: المقاومة تحت مفهوم الوطنية بحيّزها القطري غايتها إرساء دولة مدنية ديمقراطية مستقلة، في مقابل المقاومة تحت مفهوم إسلامي بحيّزه الأوسع غايتها إرساء دولة إسلامية وفق تصوراتها وأدبياتها؛ وبين هذين تبرز داعش كطرف يتنازع مع هذين الطرفين على مشروع الخلافة الخاص به وفق تصورات القرون الوسطى.
في ظل هذه التجاذبات التي غطت الثورة توزع المغاربة كل حسب ميوله الفكرية والنفسية إذ لحق بـ”داعش” جل من يمكن اعتبارهم أنصار الراديكالية والتحق آخرون بتجمعات معتدلة مثل أحرار الشام وقتها وغيرها (معتدلة إسلامية) كما تأسست مجموعة خاصة بالمغاربة (شام الإسلام) بينما فضل البعض الأخر العمل مستقلا عن الانتماء لأي جهة وهم القلة.
أما عن مهام وأدوار المغاربة في سوريا فهي تختلف حسب إمكانات كل شخص ومستواه المعرفي؛ فالغالبية نشطت في الجانب العسكري كما نشط آخرون في المجال التعليمي في المعاهد الشرعية وآخرون في الجانب اللوجستي والإداري وكذلك الاغاثي والمؤن وأيضا في مجال التمريض والتطبيب.
وعددهم حاليا في الشمال السوري لا يتجاوز 300 شخص إلا أن ثلثي هذا العدد غير فاعل يعيش حالة شبه مدنية في الشمال السوري.
هل كنتم تتقاضون أجورا حول نشاطكم داخل هذه الجماعات؟
لاتوجد هناك رواتب أو أجور لأن مساعدتنا للثورة، كانت تطوعية وكنا نعيش على حسابنا الخاص. إلا أن هناك بعض الجهات المحسوبة على الثورة السورية كالائتلاف وغيره، ترسل لنا بعض المساعدات باعتبارنا نتقاسم معهم المشروع والقضية الوطنية.
هل المراجعات التي قمتم بها، كانت نتيجة المتغيرات التي وقعت على أرض الواقع السوري؟
المراجعات تقع نتيجة لأمرين: الفساد والنكوص عن المبادئ التي كانت عناوين للقضية، فالخيانات واستغلال تضحيات الشعوب لبناء أمجاد شخصية وبيعها مقابل المال أو غير ذلك تدفع بالمرء إلى التفكير والتساؤل عن صواب موقفه واستمراره في ظل واقع يرى أن مبادئه لا تساوي فيه شيئا غير كونها جسرا ووسيلة للتسلق والبحث عن غايات دنيوية.
أما الأمر الثاني وهو عندما يبدأ الإنسان التفكير خارج الصندوق (الجماعة الحزب الإيديولوجية تأثير الشيخ..) .
فالمتغيرات على الأرض لها تأثير باعتبارها تجعل الأفكار على المحك ومدى قصورها في التعاطي مع مشكلات الحياة؛ فالأخطاء والتجارب السابقة هي المعول الأساسي في التغيير.
كما نوضح أننا لم نكن نحمل أفكارا راديكالية بل كانت لنا أفكار معتدلة ومنضبطة لم تستعدِ يوما وطننا ولا شعبنا كما يروج البعض، وهذا مما ساهم في فهمنا للمعادلة برمتها بالشكل الذي نحن عليه الآن. كيف استقبل المغاربة مبادرتكم هذه؟ مبادرتنا تم الإعلان عنها منذ أكثر من سنتين فقد كنا وقتها لا زلنا في سوريا، ولا يخفى تعارضها مع التيار العام الذي عليه المغاربة هناك فتباينت مواقفهم لنا، فهناك من رأى فيها انتكاسا وتراجعا عن ثوابت ومنهج الفكر الذي هم عليه وعليه رفضوها واعتبرونا صورة من صور الانحراف فابتعدوا عنا ونالونا بشتى صنوف النقد والتعيير.
وهناك من أخذ موقف المتابع لنا على أمل أن نصل إلى شيء ملموس أو تحقيق أهدافنا من خلال التسوية التي نتطلع لها ثم ينخرط معنا فهؤلاء لا يريدون تحمل تبعات هذه الخطوة دون ضمانات حقيقية… وهناك من وافق على مبادرتنا ولكنه تكتم على نفسه تفاديا لما يمكن أن يناله من مشاكل، وهكذا…
سمعنا أن هناك من يسجن وقد يعذب بسبب مراجعاته ويحكم عليه بالردة، هل هذا صحيح؟
في مناخ الايديولوجيات والأحزاب تعتبر التراجعات من الطابوهات والممنوعات لأنها تعبر عن فقد التأثير والسيطرة على الأتباع وبالتالي تقابل بالردع والتهديد؛ لم نشهد حيث كنا متواجدين في الشمال السوري هذا المستوى من السلوك إزاء مبادرتنا على عكس ما جرى في مناطق نفوذ داعش للشباب الذي يحاول أن يبتعدوا عنها فتُقابلهم بتوجيه تهمة الردة وتعذيبهم لأي توجه يرون فيه تفلت من مسارهم المتطرف على حسب ما وردنا من روايات.
نذكر أننا تعرضنا لجملة من المضايقات والتهديدات من طرف بعض المغفلين الذين لم يتصوروا طبيعة المبادرة حيث قرؤوها من جهة عقدية ورتبوا عليها مخرجات شرعية متطرفة. كل هذا في محاولة لثنينا عن مسارنا كما تعرض أحد نشطائنا وقتها للاعتقال والتحقيق بتهمة التواصل مع المخابرات المغربية والعمل في نشاط مشبوه -وفق منظورهم- دام ذلك عدة شهور ثم أفرجوا عنه بعد تأكدهم من عدم تورطه في ما من شأنه أن يضر بهم.
كيف دخلتم إلى تركيا وكيف تعيشون فيها حاليا؟ كما لايخفى عليكم أن الشمال السوري كله متاخم للحدود البرية التركية من ريف اللاذقية جبل التركمان إلى الريف الغربي والشمالي من مدينة حلب، مساحة شاسعة ويصعب ضبطها ومراقبتها بشكل كلي، دخولنا إلى تركيا كان عن طريق التهريب عبر أشخاص سوريين من سكان القرى والضيّع الحدودية وذلك مقابل أموال قد تصل أحيانا لثلاث آلاف دولار للشخص الواحد في أوقات المراقبة المشددة، بينما في الظروف العادية تبدأ التكلفة من خمس مائة إلى ألف دولار للشخص الواحد.
هل تواصلتم من قبل مع مسؤولين مغاربة حول عودتكم للمغرب؟
نعم حاولنا التواصل مع الجهات المعنية والرسمية منذ سنتين تقريبا أول إعلاننا عن هذه المبادرة قصد التسوية حل مشكلات هذا الملف، ووجهنا رسائلنا للسفارة المغربية في أنقرة آنذاك كما ذهب أحد نشطائنا للقنصلية المغربية في إسطنبول وقدم الفكرة والمبادرة لطاقمها الإداري ومسؤولها عن ملف المغاربة في سوريا، فلاقت المبادرة قبولا منهم وحسن تعامل وتيسير في ما يخص بعض الإجراءات الإدارية.
غير أن تلك الخطوة لم تكتمل باعتقال أحد نشطاء المبادرة في الداخل السوري كما أشرنا في الحوار، وكذلك اعتقال ناشط آخر هنا في تركيا بحكم وجوده غير القانوني على الأراضي التركية، فتعذر إكمال المبادرة والمضي فيها، ونحن الآن في صدد التنسيق وإيصال صوتنا للجهات المختصة ونرجو من الله التوفيق …
لما لايسمح لكم بدخول المغرب رفقة زوجاتكم السوريات وأبنائكم؟
مغربنا الأصيل لم يغلق بابه يوما أمام أحد من مواطنيه أبدا، فكثير من الحالات دخلت ورجعت إلى وطنها من مناطق شتى وتم تيسير جميع إجراءات دخولهم وإن شاء الله لن نكون بدعا منهم، وما هي إلا بعض الإجراءات القانونية والإدارية، لاشك أن الجهات المختصة تهتم بها وستجد سبيلا لحلها عاجلا كما عهدناها خادمة لوطنها وشعبها. أسستم تنسيقية لفتح حوار مع السلطات المغربية، ماهي أهدافها؟ نأمل من خلال هذه المبادرة الكريمة تحقيق الأهداف التالية:
1 – التعريف بهويتنا الوطنية التي نعتز بها، وكذا نفي الغموض والريب حول شخصياتنا وذواتنا.
2- الوصول إلى تسوية حول العقوبة المفترضة ضدنا إثر سفرنا لبؤرة توتر (سوريا).
3- عودتنا إلى وطننا الأم رفقة زوجاتنا وأطفالنا وحل أزمة الوثائق المفقودة أو غير المتوفرة.
4- فتح باب الأمل أمام الشباب لمراجعة ممارساتهم الخاطئة وعدم تركهم عرضة لاستقطاب أجندات قد تستخدمهم ضد وطنهم وشعبهم.
قد يهمك أيضَا :
الحكومة السورية تتمسك بسداد رامي مخلوف لـ"مستحقات الدولة" قبل الثلاثاء المقبل
الرئيس السوري يؤكد أن فيروس"كورونا" أظهر فشل الغرب الأخلاقي
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر