روسيا في قلب الساحل والصحراء الكبرى هو معطى أصبح واقعا بفعل التقارب الاستراتيجي الكبير بين موسكو والجزائر، حيث فتحت الأخيرة قواعدها العسكرية أمام الروس لزيادة التنسيق العسكري على أعقاب خفوت الحضور الفرنسي في المنطقة.
ويسعى الجانب الروسي إلى الدخول بقوة إلى نادي الدول الموجودة في غرب البحر الأبيض المتوسط الذي يشهد تمركزا لقوى دولية وإقليمية، خاصة مع الإنزال التركي والأمريكي في شمال إفريقيا، ولا تريد موسكو ضياع مزيد من الفرص في منطقة تشهد تموجات وتغيرات دائمة وغير مستقرة.
وتسعى روسيا إلى توسيع نفوذها في البحر الأبيض المتوسط لمواجهة أهداف الهيمنة التركية، خاصة على مستوى غرب المتوسط. كما تروم تحسين قوتها الضاربة في مواجهة القوة المفرطة الأمريكية؛ بينما يرى مراقبون أن “روسيا تستغل الضعف الحالي للنظام الجزائري لتحقيق اختراق استراتيجي في قلب شمال إفريقيا”.
وعلى هذا المستوى، بحث الفريق أول سعيد شنقريحة، قائد الأركان الجزائري، مع نيكولاي باتروشيف، سكرتير مجلس الأمن الروسي، الاثنين، خلال لقاء جمعهما في إطار زيارة يجريها باتروشيف إلى الجزائر على رأس وفد رفيع، تعزيز التعاون العسكري وقضايا ذات اهتمام مشترك.
ووفق بيان لوزارة الدفاع الجزائرية نقله التلفزيون الرسمي، فقد “بحث الجانبان التعاون العسكري بين البلدين والسبل الكفيلة بتعزيزه، وتبادلا وجهات النظر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك”.
ونقلت الوزارة ذاتها عن شنقريحة تأكيده على أن الزيارة “دليل على الإرادة الثابتة والصريحة للبلدين لتعزيز الشراكة الاستراتيجية والتاريخية التي تطبع علاقاتنا الثنائية، وبالأخص في مجال التعاون العسكري”.
الساحل والصحراء
عبد الفتاح فاتحي، الباحث في العلاقات الدولية، قال إن “تزايد التنسيق الجزائري الروسي بخصوص الوضع الأمني في منطقة الساحل وشمال افريقيا يثير مخاوف وتحديات كبيرة على مستقبل المنطقة”.
وشدد فاتحي، في تصريح لهسبريس، على أن “هذا التنسيق يستثني دولا مؤثرة، كالمغرب الذي له مصالح جيوستراتيجية في الصحراء الإفريقية الكبرى”، مبرزا أن “الأجندة الجزائرية التي تتبنى عقيدة عدائية للمغرب، تعمد إلى رفع مستوى التصعيد العسكري في المنطقة عن طريق خلط الأوراق”.
واعتبر المتحدث ذاته أن “الجزائر تسعى إلى تحويل منطقة الساحل والصحراء إلى ساحة صراع دولي تفوت على المغرب الريادة الإقليمية، بعد نجاحات اقتصادية وسياسة غداة عودته إلى منظمة الاتحاد الإفريقي”.
وبعدما أكد أن المملكة المغربية تعد أحد المحاور الاستراتيجية في المنطقة ولها رؤية مستدامة للتعاطي مع الوضع الأمني في منطقة الساحل والصحراء، سجل فاتحي أن الوضع الحالي يفرض عليها من واجب المسؤولية تدعيم قيم الأمن الاستقرار في المنطقة وتحيين استراتيجيتها بالتنسيق مع حلفائها التقليديين.
ودعا الباحث إلى قراءة سياق زيارة المسؤول الروسي للجزائر والتي تأتي بعد تصويت المغرب لصالح قرار أممي يدعو موسكو إلى سحب قواتها من أوكرانيا وتحقيق سلام شامل وعادل ودائم في كييف.
واعتبر أن “النهج الجزائري والروسي في المنطقة لا يمكن عزله عن حسابات جيوسياسية إقليمية ودولية، ولا سيما حسابات الدول التي تتصارع وروسيا حول مصالح جيواستراتيجية معقدة تتعلق أساسا بملامح نظام عالمي جديد.
تخوف روسي
من جانبه، قال إسماعيل حمودي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة متعددة التخصصات بتازة، إن زيارة الأمين العام لمجلس الأمن القومي الروسي إلى الجزائر هي الثالثة من نوعها لمسؤولين عسكريين روسيين في ظرف شهرين (يناير وفبراير). كما أنها تأتي بعد زيارات مسؤولين عسكريين أمريكيين وبريطانيين خلال الفترة نفسها.
ويرى الخبير والجامعي نفسه أن “تعدد زيارات الروس والغربيين له علاقة بملف رئيسي هو الحرب في أوكرانيا”.
وشدد حمودي على أنه “من الظاهر أن الجزائر تقدم مساعدات غير مباشرة لروسيا، فضلا عن دعم سياسي يتجلى في امتناعها إلى حد الآن عن إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، وانتهاك وحدة أراضيها، والتصويت باستمرار لصالح الروس في الأمم المتحدة وأجهزتها، ولعل هذا الموقف المنحاز يثير غضب الغرب”.
ويقف أستاذ العلاقات الدولية في جامعة متعددة التخصصات بتازة عند أبرز مؤشر على هذا الغضب؛ وهو مطالبة 27 عضوا في مجلس الشيوخ الأمريكي بفرض عقوبات على الجزائر بسبب امتناعها إلى حد الآن عن الانضمام إلى العقوبات الغربية ضد روسيا.
وقال بأن “هناك ضغطا أوروبيا أمريكيا على الجزائر التي تقف مع روسيا وتستغل في الوقت نفسه حاجة أوروبا إلى الغاز من أجل اللعب على الحبلين. وبالمقابل، هناك تخوف روسي من أن تغير الجزائر موقفها وتنحاز إلى الغرب، خصوصا بعد قرارها الإعلان عن إعادة فتح قنصلية في كييف.
وأورد أن “زيارات المسؤولين العسكريين من الطرفين، الروسي والغربي، تندرج في هذا السياق. وهذا سببه لعب الجزائر على الحبلين، وعدم انضباطها لأي مبدأ قانوني دولي”.
قد يهمك أيضاً :
الجزائر وكرواتيا تجريان محادثات حول تعميق سبل التعاون بين البلدين
الرئيس الجزائري يُعلن فتح سفارة بلاده لدى أوكرانيا بعد إغلاقها لأسباب أمنية
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر