تبدأ، اليوم الاثنين، محاكمة ألكسندر بنعلا، المسؤول السابق عن أمن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في باريس بتهمة المعاملة السيئة للمتظاهرين في فاتح ماي 2018 واستخدام جوازات سفر دبلوماسية.
وكانت قضية بنعلا، الذي يتحدر من أصول مغربية، قد هزت قصر الإليزيه بسبب العنف الذي مارسه ضد متظاهرين في الحي اللاتيني في العاصمة الفرنسية باريس، وكادت تعصف بمنصب ماكرون على رأس الجمهورية.
واكتشف الفرنسيون، عقب نشر فيديو يوثق لتدخل عنيف في حق متظاهرين، أن بنعلا لا يحمل صفة لممارسة مهام الشرطة لتبرز قصته التي بدأت في الحزب الاشتراكي كحارس أمن وصولا إلى قصر الإليزيه.
وبالإضافة إلى اتهامه بالعنف ضد المتظاهرين، سيتعين على بنعلا الرد على استفسارات القضاة بخصوص استخدام جوازي سفر دبلوماسيين بعد إقالته من قصر الإليزيه؛ وذلك خلال رحلات قادته إلى دول إفريقية، من بينها المغرب.
وحسب الصحافة الفرنسية، ستستمر محاكمة بنعلا إلى غاية فاتح من شهر أكتوبر المقبل، وقد يواجه حكما بالسجن بسبع سنوات وغرامة قدرها مائة ألف يورو.
وفي رده على الاتهامات، اعترف بنعلا، في كتاب أصدره سنة 2019 بعنوان “الذي لا يريدونني أن أقوله”، بأنه ارتكب أخطاء؛ لكنه أشار إلى أن ظهره كان واسعا جدا، في إشارة إلى تحميله المسؤولية لوحده فقط.
سقوط ثم استمرار
سقوط بنعلا بعد فضيحة الفيديو العنيف لم ينه مساره، بل بدأ مسارا آخر حيث أسس شركة باسم “كوميا” متخصصة في مجال الذكاء الاقتصادي والإستراتيجي والتأثير وإدارة الأزمات وإدارة المخاطر والمجال السيبراني انطلاقا من المغرب ومتوجها نحو إفريقيا.
ويسعى بنعلا إلى الحضور في كل الدول الإفريقية عبر مقاولته التي أسسها سنة 2018، أي في السنة نفسها التي اندلعت فيها أزمة الفيديو العنيف.
وفي هذا الصدد، يراهن ذو الأصول المغربية على عدد من معارفه من فرنسا وإفريقيا وإسرائيل لنيل ثقة الزبناء.
وتقدم هذه المقاولة تسهيلات لفائدة الشركات الأجنبية الراغبة في دخول القارة الإفريقية، من خلال ضمان معلومات موثوقة تقلل من مخاطر الفشل وتضمن النجاح.
وذكر بنعلا، في حوار نادر له مع موقع “Lenouveleconomiste”، أن طموحه هو أن يصبح مقاولا يوفق بين شغفه في المغامرة والأمن والذكاء الاقتصادي وإفريقيا، بالتركيز على مناطق أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط.
مسار استثنائي
كان ألكسندر يحمل اسم مروان؛ لكن انفصال والديه فيما بعد دفع والده إلى محاولة إرجاعه إلى المغرب، وعارضت والدته ذلك القرار ولجأت إلى إخفائه عنه، ووصلت حد تغيير اسمه إلى ألكسندر، وهو الاسم الذي بات معروفا به.
ووفق تحقيق أجرته قناة BFM الفرنسية، فقد سبق لبنعلا أن اشتغل رجل أمن إلى جانب الرئيس السابق فرانسوا هولاند، وقالت: “على الرغم من أنه لم يكن ضمن الدرك أو الأمن الوطني، فإن بنعلا نفسه وجد وسط فريق الأمن الخاص بالرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون”.
التحقيق الفرنسي حصل على وثائق حصرية حول بنعلا؛ من بينها عقد ازدياد معدل في 5 مارس من سنة 2009 والذي أصبح عقبه يُسمى ألكسندر بنعلا، عوض مروان بنعلا الذي أطلقه عليه أبواه المغربيان حين رأى النور سنة 1991 في إفرو الواقع في نورماندي شمال فرنسا.
بعد أن انفصلا والديه، غادر هو ووالدته حي إفرو، وأدخلته مدرسة كاثوليكية خاصة. وحكى عدد من أساتذته أنه كان تلميذا نجيبا ومهذبا ويرغب في مساعدة الآخرين، كما كان مهووسا بالممثل كلينت إيستوود حين أدى دور حارس أمن لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
وحدث أن شاهد فيلمه “dans la ligne de mire”، وقال لأمه: “يوما ما، سأجري بجانب السيارة مثله”. وقد كان طموحه كبيرا إلى درجة أنه راسل نيكولا ساركوزي حين كان وزيرا للداخلية من أجل يوافق له على إجراء تدريب ملاحظة لدى SPHP، وهي وحدة ضمن الأمن الوطني الفرنسي مكلفة بحماية الرئيس الفرنسي والوزراء، وكان له ذلك وهو في عمر 14 سنة.
بعد ذلك، ولج بنعلا إلى احتياطي الدرك الوطني الفرنسي لتعلم استعمال الأسلحة، وجاء في المرتبة الأولى ضمن فوجه، مع ملاحظات تقول إنه “منضبط جدا ومهووس بالوسط العسكري”، وحصل على ميدالية من طرف خدمة العسكريين المتطوعين.
رجل أمن خاص في عمر 18 سنة
وفي سن الـ18، اشتغل بنعلا رجل أمن خاص في الحزب الاشتراكي الفرنسي. وبعدما أبلى بلاء حسنا، اقترحه مسؤولو الحزب ضمن فريق الأمن الخاص بفرانسوا هولاند خلال حملة الانتخابات الرئاسية سنة 2012، وهو يحاول الحصول على ولاية رئاسية ثانية.
اشتغل بنعلا سائقا لأرنود مونتبورغ، الوزير السابق الفرنسي للاقتصاد والمالية؛ لكنه لم يستمر في ذلك كثيرا، فبعد ثلاثة أشهر تمت إقالته من مهامه بسبب خطأ جسيم، قالت الصحافة الفرنسية آنذاك إنه حاول الهروب حين تسبب في حادثة سير، وهو ما نفاه بنعلا.
بعد هذه المرحلة، اهتم بنعلا بالدراسة وحصل على الإجازة في القانون ثم ماستر في الأمن العمومي؛ وهو ما أهله بشكل سريع إلى أن يتقلد منصبا في شركة كبيرة خاصة بالأمن، حيث كان مستشارا لدى رئيسها.
وفي سنة 2016، ظهر لأول مرة ألكسندر رفقة ماكرون الرئيس الفرنسي الحالي، قبل أن يصل إلى قصر الإليزي، واستمر في الظهور إلى جانبه إلى غاية سنة 2018 لينتهي مساره إلى طريق آخر.
قد يهمك ايضًا:
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر