كأن الأمر يتعلق بمسيرة خضراء ثانية، هكذا تبدو المشاهد على طرق ومسالك كل المدن المغربية خلال هذه الأيام. قوافل تضامنية من الشاحنات والسيارات المحملة بالمساعدات تطوي الطرقات وتسارع الزمن للوصول إلى المناطق والقرى الجبلية التي دمرها الزلزال الذي ضرب سلسلة جبال الأطلس الكبير مخلفا وراءه خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.
قوافل إنسانية تجسد القيم المتجذرة والمتأصلة في المجتمع المغربي. كما تعكس، حسب متتبعين، “اعترافا بالجميل الممزوج بالإحساس بالمسؤولية تجاه البوادي المهمشة التي تقتات الحواضر الكبرى مما تجود به أراضيها الفلاحية”، مسجلين أن “هذه العلاقة الوثيقة بين سكان المدن والبوادي يجب أن تستمر لتشكل أرضية لرد الاعتبار للبادية المغربية، مجتمعيا وسياسيا وتنمويا”.
محسن بن زاكور، المتخصص في علم النفس الاجتماعي، قال إن “فلاحي القرى كانوا دائما في خدمة المدينة، على الرغم من أن الأخيرة لم تعترف بهم إلا في ظل الأزمة”، مشيرا إلى أن “القيم التضامنية الجميلة التي عبّر عنها سكان الحواضر المغربية فيها نوع من الاعتراف بالجميل ونوع كذلك من الإحساس بالإخلال بالمسؤولية تجاه البادية المغربية قبل هذا التاريخ”.
وأضاف بن زاكور أن “المغاربة من سكان المدن اكتشفوا بالملموس حقيقة المعاناة التي يعيشها نظراؤهم في البوادي الذين كانت أنشطتهم الفلاحية هي الممون الرئيسي للحواضر الكبرى”، موضحا أن “هذه الفاجعة أبانت أن المجتمع المغربي مجتمع واحد بقراه ومدنه،؛ غير أن المأمول هو أن تستمر هذه العلاقة الحميمية بين سكان هذين المجالين”.
وأشار المتخصص في علم النفس الاجتماعي إلى أن “مغاربة المدن لم يفرض عليهم أحد أن يساعدوا مواطنيهم في البوادي؛ وإنما كان ذلك عن طواعية واختيار وعن حب، على الرغم من حضور ثقل الأزمة في هذا الفعل. ومن ثمّ، فإن مثل هذه الكوارث، وعلى مأساويتها، هي درس في مدى جدوى هذا التضامن الذي يجب أن يستمر في الزمن”.
ولفت المتحدث عينه، في تصريح، إلى أن “سكان المدن تربطهم جذور تاريخية وارتباطات عائلية بالقرى والدواوير وبأصولهم هناك، وإن كانت أنانية ورفاهية المدينة في بعض الأحيان تنسينا هذه الحقيقة؛ لكنها دائمة حاضرة وأظهرتها هذه الأزمة بشكل جلي”.
وخلص إلى أن “هذه الكارثة الطبيعية يجب أن تشكل فرصة للمصالحة مع البادية واستشعارا للمسؤولية تجاهها باعتبارها مصدر حياة وعيش كل المغاربة؛ وبالتالي فإنه لا بد أن يتم رد الاعتبار للقرية المغربية ليس فقط على المستوى المجتمعي، ولكن على المستويين السياسي والتنموي كذلك”.
من جهته، أورد زكرياء أكضيض، باحث في علم الاجتماع، أن “التحولات الكبرى التي عرفتها الحواضر المغربية تشكلت معها قيم تضامنية تظهر إلى العلن، خاصة خلال فترات الأزمات، والتي تجسدت في القوافل التي هبت لنجدة القرى المتضررة من الزلزال”، مشيرا إلى أن “هذه القوافل تحركت بمبادرة من الجمعيات في إطار ما يسمى قيم التضامن المنظمة، وبمبادرة من شبكات اجتماعية عائلية ومهنية ومجالية ( ولاد الحي) وغيرها”.
وأضاف أكضيض، في تصريح ، أنه “على الرغم من أن المجال الحضري حاول أن يخلق له مسافة مع نظيره القروي ومع قيمه التضامنية، فإن المدن المغربية بدورها بلورت قيما تضامنية خاصة بها سرعان ما تعبر عنها مع كل أزمة يمر بها الإنسان المغربي”.
وخلص إلى أن “هذه القيم التضامنية التي عبر عنها المغاربة تجاه إخوانهم المتضررين هي امتداد للقيم المتجذرة أنثربولوجيا في المجتمع المغربي ككل، وإن ظهرت بأشكال جديدة خاصة في المدن؛ لكنها دائمة الحضور، وهذا ما أثبته هذا الزلزال”، لافتا في الوقت ذاته إلى أن “هذه القيم التضامنية متجذرة وآخذة في التطور وفق أشكال جديدة سيكشف عنها المستقبل”.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
تكتل تمغربيت يُصرح إنه يتابع “ما خلفه زلزال الحوز و يشيد بالهبّة التضامنية
توصيات بمراجعة الخريطة الزلزالية خلال عملية إعادة الإعمار
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر