في خطوة غير مسبوقة، أصدرت محكمة النقض بالمغرب قرارا يقضي ببراءة قاصر متزوجة تُوبعت من لدن النيابة العامة بجنحة “الخيانة الزوجية”.
وحسب تفاصيل الحكم، فقد استندت محكمة النقض في تعليل قرارها، الذي يأتي في إطار في مجال حماية الطفولة، على مقتضيات اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها المغرب.
تفاصيل القضية، كما اطلعت عليها ونشرتها مجلة “المفكرة القانونية”، تعود إلى سنة 2019 حين ألقت الشرطة القبض على فتاة قاصر متلبسة بفعل الخيانة الزوجية، بناء على شكاية من لدن الزوج.
وبعد أن تابعت النيابة العامة الفتاة القاصر من أجل الخيانة الزوجية قامت بإحالتها على أنظار قاضي الأحداث بالمحكمة الابتدائية بالصويرة، كما تابعت شريكها من أجل المشاركة في الخيانة الزوجية.
ووفق تفاصيل القضية، فقد صرح قاضي الأحداث ببراءة المتهمة من أجل المنسوب إليها بعلة كونها قاصرا؛ وهو ما يفرض التعامل معها على أساس كونها ضحية فعل تغرير وهتك عرض من طرف الشريك، وهو ما دفع النيابة العامة إلى استئناف القرار.
وتمسكت النيابة العامة في قرار الاستئناف بمقتضيات المادة 22 من مدونة الأسرة، التي تنص على أن القاصر التي تحصل على إذن قضائي بالزواج تكتسب الأهلية المدنية في ممارسة الحق في التقاضي في كل ما يتعلق بآثار عقد الزواج من حقوق والتزامات، معتبرة أن هذه المادة ترتب أيضا المسؤولية الجنائية في حق القاصر التي حصلت على إذن قضائي للزواج، وقد تقدمت النيابة العامة بعريضة نقض في مواجهة القرار الاستئنافي؛ معتبرة أنه خرق مقتضيات قانون الأسرة والقانون الجنائي.
حكم النقض
في دراستها للقضية، قالت محكمة النقض إن قرار محكمة الاستئناف حينما قضى بتأييد الحكم الابتدائي القاضي ببراءة الحدث من جنحة الخيانة الزوجية استند على كونها لا تزال قاصرا غير مكتملة التمييز؛ وهو ما يفرض التعامل معها كضحية تستحق الحماية القانونية طبقا لمقتضيات المادة 484 من القانون الجنائي. ومن ثم، لا يمكن اعتبارها فاعلة أصلية في جنحة الخيانة الزوجية وإنما ضحية، طالما لم تتجاوز سن 18 سنة من عمرها.
وأشارت محكمة النقض إلى أن “القاصر لا يُعتد بإرادتها في العلاقات الجنسية مع الغير ما دام أن المشرع اعتبرها ضحية غير مكتملة التمييز وأضفى عليها حماية قانونية، واعتبر كل اتصال جنسي بها ولو بإرادتها يشكل جريمة هتك عرض قاصر”.
وجاء في الحكم أنه “لا يمكن تطبيق مقتضيات المادة 22 من مدونة الأسرة والتي ولئن منحت المتزوجين الأهلية في ممارسة الحقوق المدنية الناتجة عن عقد الزواج، فإنها لا تمتد إلى نسخ جميع المقتضيات القانونية الحمائية للقاصر ضحية في جرائم العرض بمجرد زواجه والتي تهدف إلى حماية مصلحته الفضلى؛ وهو ما ينسجم والتزامات المغرب الدولية بمقتضى اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989”.
وبناء على ما سلف، قضت محكمة النقض بعدم قبول طلب النقض المرفوع من طرف النيابة العامة وقررت تأييد القرار الاستئنافي فيما قضى به من براءة الحدث من جنحة الخيانة الزوجية.
ماذا يعني الحكم؟
في نظر مجلة “المفكرة القانونية” التي تضم خبراء قانونيين وقضاة، فإن الحكم يضع حدا لاجتهاد قضائي متواتر في عدد من محاكم الموضوع بالمغرب يقضي بقبول متابعة القاصرين في قضايا الخيانة الزوجية، اعتمادا على تأويل موسع لمقتضيات المادة الـ22 من مدونة الأسرة، والتي تنص على أن زواج القاصر يؤدي إلى اكتسابها الأهلية الكاملة في ممارسة الحقوق المدنية الناتجة عن عقد الزواج.
وذكر الخبراء القانونيون أنه “بمقتضى هذا التوجه، كان يتم اعتبار الفتاة القاصر المتزوجة قد اكتسبت الأهلية المدنية في التقاضي؛ وبالتالي اعتبارها مسؤولة جنائيا أيضا عن أي علاقة جنسية تقوم بإجرائها خارج إطار مؤسسة الزواج”.
كما اعتبرت المجلة أن “قرار محكمة النقض يكرس سلسلة من الاجتهادات القضائية، التي أصدرتها المحكمة في وقت سابق في مجال مناهضة الاعتداءات الجنسية في مواجهة الأطفال”.
وسبق لمحكمة النقض أن اعتبرت، في قرار سابق، أن “أي اعتداء جنسي يطال قاصرا يشكل جناية وليس جنحة، اعتمادا على أن عنصر العنف مفترض في هذه الاعتداءات. كما اعتبرت، في قرار آخر، أن ممارسة قاصر لعلاقة جنسية خارج إطار الزواج لا يشكل جنحة فساد؛ بل يشكل جنحة هتك عرض، باعتبار القاصر ضحية وليست فاعلة أصلية”.
وفي نظر المجلة القانونية، يشكل القرار أحد التطبيقات العملية المتقدمة في مجال إعمال الاتفاقيات الدولية من طرف المحاكم المغربية، وبالأخص اتفاقية حقوق الطفل حيث استندت المحكمة على مبدأ المصلحة الفضلى للطفل الذي تقره الاتفاقية لاستبعاد مقتضيات المادتين 22 من مدونة الأسرة و491 من القانون الجنائي.
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر