أجرى وفد عسكري مغربي ترأسه الجنرال فؤاد عكي، مفتش سلاح المشاة للقوات المسلحة الملكية، مباحثات مع مسؤولين عسكريين قطريين على هامش الزيارة الرسمية التي قادته إلى هذا البلد الخليجي، حسب ما أفاد به بلاغ لوزارة الدفاع القطرية.
وأوضح المصدر ذاته أن المسؤول العسكري المغربي أجرى زيارات إلى مختلف الوحدات في القوات المسلحة القطرية؛ على غرار القوات البرية الأميرية وقوات الشرطة العسكرية والقوات الخاصة المشتركة، إضافة إلى القوات الجوية الأميرية، مجموعة النقل الجوي. كما زار عكي مركز تدريب الحرب المشترك، حيث حضر فعاليات التمرين الدولي “ريجيس 23”. وهمت هذه اللقاءات مناقشة التعاون العسكري بين البلدين وبحث سبل تعزيزها وتطويرها.
زيارة تعكس، حسب متتبعين، الأهمية الكبيرة التي باتت تحظى بها المؤسسة العسكرية على المستويين الإقليمي والعالمي بفضل تاريخها الطويل والخبرات التي راكمتها في التعامل مع مختلف التهديدات الأمنية؛ الشيء الذي جعل عددا من الدول، وعلى رأسها الدول الخليجية، تركز في السنوات الأخيرة على تعزيز تعاونها العسكري مع المغرب والاستفادة من تجارب العقل الاستراتيجي العسكري المغربي واستلهام تراكماته لتحديث مؤسساتها العسكرية تماشيا مع التحولات التي تشهدها الساحتان الجيو-سياسية والعسكرية في العالم.
تاريخ أمني وعسكري والتزام مغربي
تفاعلا مع سؤال حول سر اهتمام الدول الخليجية بتطوير تعاونها العسكري مع الرباط، قال هشام معتضد، باحث في الشؤون الاستراتيجية، إن “العلاقات الأمنية والعسكرية التي تجمع المغرب مع دول الخليج مبنية على مبدأ التكامل الاستراتيجي في إنشاء منصة دفاع مشركة قادرة على الاستجابة لتطلعات منطقة الخليج العربي، وتندرج ضمن رؤية الرباط الدولية المرتبطة باستتباب الأمن والمشاركة في الحفاظ على السلم والسلام في المنطقة”.
وأوضح معتضد أن “التاريخ الأمني والعسكري للمؤسسات الدفاعية المغربية يُسهم بشكل كبير في طلب خبرتها والاستعانة بمهنيتها من طرف دول الخليج، إذ إن هناك العديد من الفرق المغربية التي أسهمت بشكل كبير في بناء النواة الأولى للعديد من المؤسسات العسكرية والأمنية للعواصم الخليجية”، لافتا إلى أن “الثقافة الأمنية والعسكرية للمغرب لها قواسم مشتركة عديدة مع نظيرتها الخليجية؛ وهو ما يساعد في تشكيل تنسيقات دفاعية وإجراء دورات مستمرة من أجل تطوير الأساليب المعتمدة وتبادل الخبرات التقنية تماشيًا وحركية التحديات التي تعرفها المنطقة العربية خصوصا والدولية بشكل عام”.
“الإمارات والسعودية وقطر على رأس دول الخليج التي تستمد أسلوبها الأمني ومقاربتها الدفاعية من الثقافة التاريخية الأمنية والعسكرية للمغرب”، سجل الباحث ذاته، الذي أشار إلى أن “هناك العديد من المحطات التاريخية ذات البعد الاستراتيجي لهاته الدول تحمل بصمات خالصة لحضور العقل الأمني المغربي من أجل الحفاظ على استقرارها والدفاع عن مصالحها الحيوية؛ فبالإضافة إلى قدراتها التقنية والمهنية، فإن المؤسسات الأمنية والعسكرية المغربية يجمعها بنظيرتها الخليجية ميثاق تعاون إنساني ذو بعد أخلاقي يستمد مرجعتيه من القيم الإنسانية والثقافية التي تجمع قيادات هاته البلدان”.
وسجل المصرح لهسبريس أن “هناك برنامجا أمنيا وعسكريا قويا يعمل المغرب على مرافقة دول الخليج لتنزيله من أجل مساعدة مؤسسات أمنها الدفاعية والعسكرية على ضبطه وتدبيره بالشكل الذي يساعدها على كسب رهاناتها في هذه المجالات الحساسة، خاصة أن منطقة الشرق الأوسط تعيش على صفيح ساخن سياسيا وعسكريا”، مشيرا إلى التوقيع على اتفاقيات عسكرية وأمنية عديدة “التزم من خلالها المغرب بتسخير جميع الإمكانيات للوقوف أمنيًا وعسكريًا مع دول الخليج العربي، من أجل الدفاع عن سيادتها والحفاظ على مصالحها الاستراتيجية؛ بما في ذلك السهر على التكوين العسكري، وتبادل الخبرات ذات الأهمية الأمنية”.
تعاون تاريخي والتزام تقليدي
من جهته، أوضح البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر، أن “التعاون العسكري بين المغرب ودول الخليج بدأ منذ سبعينيات القرن الماضي، وتعزز مع تطابق الرؤى السياسية للجانبين حول العديد من القضايا”، مذكرا في هذا الصدد بـ”الدعم العسكري المغربي لهذه الدول خلال حرب الخليج الثانية، بعد اجتياح الكويت من طرف الجيش العراقي وبشكل خاص السعودية والإمارات”.
وأضاف البراق أن “التعاون العسكري المغربي الخليجي تُعززه أيضا مواقف الرباط الواضحة والمبدئية فيما يخص سيادة دول الخليج ومواقفه إزاء التحرشات الإيرانية في المنطقة، حيث إن للمغرب موقفا رافضا لاحتلال نظام طهران للجزر الثلاث الإماراتية، إذ قطع علاقاته مع نظام الولي الفقيه احتجاجا على تصريحات تمس سيادة واستقلال مملكة البحرين. كما شارك في عملية عاصفة الحزم الخليجية ضد الميليشيات الحوثية في اليمن، إضافة إلى مساهمته في تدريب وحدات عسكرية في دول خليجية عديدة، إذ تربطه اتفاقات عسكرية مع أغلب هذه الدول، فضلا عن مشاركة بعضها في مناورات الأسد الإفريقي على غرار مشاركة قطر في نسخة 2022”.
وشدد المتحدث ذاته على أن “المهنية العالية التي يتمتع بها أفراد القوات المسلحة الملكية المغربية، وفق الرؤية المتبصرة والقيادة الحكيمة للقائد الأعلى رئيس أركان الحرب العامة الملك محمد السادس، جعلت من الجيش المغربي نموذجا عالميا يقتدى به في المجال العسكري حيث تزور المغرب سنويا وفود عسكرية من دول الخليج من أجل التكوين والتدريب”، مسجلا أن “زيارة الوفد العسكري المغربي رفيع المستوى في إطار زيارة رسمية إلى قطر تندرج في سياق العلاقات النموذجية والروابط الأخوية القوية التي تجمع بين المغرب وقطر قيادة وشعبا. كما تأتي في إطار التعاون العسكري بين البلدين، الذي تؤطره العديد من الاتفاقيات”.
وخلص المصرح إلى أن “المملكة المغربية ظلت ملتزمة ووفية لنهجها التقليدي والتاريخي في دعم دول الخليج من أجل تطوير قدراتها العسكرية ودعم جهودها لبناء مؤسسات عسكرية ذات أداء مهني عال بهدف مواجهة التحديات الكبرى التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط وضمان الأمن القومي الخليجي باعتباره جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي المغربي”.
قد يهمك أيضــــــــــــــا
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر