بعد جلسة عمل رسمت مخططات مجابهة آثار الفاجعة، عقدها السبت الماضي بعد أقل من 24 ساعة من حدوث أعنف زلزال عاشته المملكة المغربية، جاءت زيارة الملك محمد السادس، مساء الثلاثاء، إلى المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمدينة مراكش، قصد تفقد الحالة الصحية للمصابين، قبل تبرعه بالدم في بادرة إنسانية والتفاتة كريمة، لتضع كمامة على أفواه العديد من “أبواق” الإعلام المعادي للمغرب؛ والتي لم يسلم حتى الزلزال من تسييسها.
على الرغم من أن فاجعة الزلزال خلفت خسائر بشرية ومادية جسيمة في العديد من أقاليم المملكة، فإن سياسة التواصل الواضحة والصادقة التي تنتهجها المؤسسة الملكية المغربية استمرت في اتجاه البرهنة عبر مزيد من الأفعال في الميدان.
مواقع التواصل الاجتماعي غصت بصور متعددة للزيارة الملكية إلى مستشفى مراكش، مرفوقة بإشادات واسعة تُثني على “تلاحم الملك والشعب في السراء كما الضراء لتجاوز المحن والأزمات”. كما نوهت بالحس الإنساني العالي لمبادرة تبرع الجالس على عرش المملكة بالدم بوصفها “معبرة عن تضامنه الكامل وعطفه على الضحايا والعائلات المكلومة”.
وخطفت لقطات إنسانية تقبيل وعناق إنساني حار جمعت الملك بعدد من مواطنيه ورعاياه، فضلا عن صورته وهو يتفقد غرفة استشفاء أحد المهاجرين المقيمين بالمملكة من دول جنوب الصحراء، انتباه وإعجاب العديد من المغاربة والمتتبعين داخل الوطن وعبر العالم.
“نهج تواصلي إنساني”
تعليقا على الموضوع ودلالاته، سجل محمد شقير، الباحث المختص في تاريخ وعلوم السياسة بالمغرب، أن “الملك محمد السادس تميز، منذ توليه العرش أواخر الألفية الماضي، بأسلوب تواصل قائم على سياسة القرب والبعد الإنساني الحاضر بقوة في أغلب خرجاته”، مستدلا على ذلك بالقول إن “اللقطات تعيد نفسها في حالة كوارث طبيعية هزت المملكة في العقدين الماضيين؛ أبرزها زلزال الحسيمة عام 2004، إذ نُصب حينها للملك خيمة أقام فيها قريبا من مناطق ضربها الزلزال”.
وأكد شقير أن “استمرار المنهج التواصلي الملكي الإنساني الواضح عبر الفعل الميداني بل والمشاركة في أعمال تضامنية مع الشعب عبر التبرع بالدم مؤشر دال بقوة”، لافتا إلى أن “ذلك أعطى البُعد الإنساني في علاقة الملك مع مكونات الشعب قاطبة، خاصة المتضررة منها، بعد فواجع هزت البلاد”.
واعتبر الباحث في التواصل السياسي، أن “التساؤلات التي أثارها الإعلام الأجنبي في الأيام الأخيرة، سواء بحسن نية أو بسوء نية، قد لقِيت أخيرا جوابها الشافي من خلال صور تفقد الملك للمصابين بمراكش؛ ما يكمم أفواه بعض الإعلاميين في الجزائر وفرنسا محاولين توظيف فاجعة طبيعية في ظرف سياسي حساس”.
ولفت الخبير ذاته الانتباه إلى “سرعة التفاعل الملكي شخصيا مع الزلزال، إذ لم تكن هناك مدة طويلة فاصلة بين حدوث الزلزال وانعقاد جلسة العمل يوم السبت 9 شتنبر”، مؤكدا أن “الملك أخذ زمام المبادرة وحدد مخطط التعامل وتبين بالملموس أنه لم يتخل عن أسلوبه المعهود في عطفه على الرعايا المغاربة؛ بل شمل حتى بعض الرعايا الأجانب المقيمين بالمملكة”.
إشارات سياسية وإنسانية
أما بادرة التبرع بالدم، فوصفها شقير في حديثه بأنها تحمل “إشارات سياسية وإنسانية دالة وكبيرة تجسد التعاطف والتضامن المتجذر في قيم المغاربة كشعب أصيل المعدن؛ وهو ما شمِل العلاقة بين الملك والشعب”، وزاد شارحا: “يزكي ذلك كل التحركات الشعبية فتبرع الملك تتويج لتلك الهبة الشعبية حينما امتلأت مراكز تحاقن الدم عن آخرها”.
المحلل السياسي عينه أكد أن “تلاحُم الملكية والشعب في سياقات مأساوية أشادت به العديد من وسائل الإعلام العالمية بشكل جعلها تعتبر التضامن سمة خاصة وروحا متجذرة في المغاربة شعبا وملكا”، خالصا إلى أن “زيارة الملك لم تخلُ كعادتها من البُعد الأبوي، باعتبار الملك قائد وأبا الأمة المغربية، وهو مكون أساسي ضمن مكونات أساسية للثقافة السياسية بالمغرب”.
مقاربة تاريخية
بدوره، أكد هشام معتضد، خبير في الشؤون الاستراتيجية والدولية، أن “النهج التواصلي التي تعتمده المؤسسة الملكية في تدبير تواصلها مع الشعب المغربي هو استمرار للمقاربة التي أرساها الملوك العلويون منذ تقلدهم لمهام تدبير شؤون الدولة، مع تحيينها لتستجيب لتحديات العصر وتطور انتظارات الأمة المغربية”.
ولاحظ معتضد، في إفادات تحليلية، أن “التواصل الملكي، خاصة في عهد الملك محمد السادس، يطبعه البعد الإنساني أكثر منه السياسي التقليدي الذي يعتمد على الآليات الكلاسيكية لتواصل الحاكم مع الرعية أو رئيس الدولة مع المواطنين”.
وتابع مستشار الشؤون السياسية أن “رؤية المؤسسة الملكية في ظل تطور آليات التواصل السياسي والفكر المغربي وانتظارات مختلف شرائح الشعب، تلتزم بمسؤولية تدبير شؤون الدولة من باب التواصل الدائم وشفافية تقاسم المعلومة الضرورية والانخراط في إيصال صوتها إلى كافة المناطق بجل الوسائل المتاحة تقنيا وإنسانيا”.
“تواصل سياسي قائم”
وتابع هشام معتضد شارحا فكرته: “التواصل السياسي جزء مهم في طريقة حكم محمد السادس في تدبيره لنظام حكمه منذ اعتلائه العرش، مع حرصه في مختلف المراحل والتحديات الاعتماد على منهجية بسيطة وفعالة من أجل التأكيد على أن قنوات التواصل السياسي بين المؤسسة الملكية والشعب المغربي قائمة وتستجيب لانتظارات المواطنين”.
ومن خلال “تشخيص جل المحطات الحاسمة التي طبعت مسيرة تدبير محمد السادس لشؤون الدولة”، لاحظ الخبير في الشؤون الاستراتيجية والدولية أنه “كرس جزءا مهما منها للتواصل المسؤول والتأكد من نشر المعلومة الصحيحة ومحاربة الإشاعات والتضليل، خاصة في مناسبات دقيقة يكون فيها تجار الإشاعات أو أعداء الأمن القومي ناشطين في محاولة زعزعة الاستقرار النفسي والاجتماعي للشعب المغربي”.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
العاهل السعودي وولي عهده يعزيان الملك محمد السادس
وزارة السياحة المغربية تدّعم المناطق المتضررة من الزلزال المدّمر
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر