تزامنا مع الإضرابات المتواصلة لرجال ونساء التعليم، أصبح السؤال مطروحا عن دور النقابات في تأطير احتجاجات أجراء القطاع الخاص والموظفين والمستخدمين بالقطاع العام، حيث حلت التنسيقيات محل النقابات، ما يطرح أسئلة حول الجدوى من الحوار الاجتماعي بين الحكومة ونقابات أصبحت معزولة عن قواعدها التي تقود تمردا ضد الزعماء المتقاعدين الخالدين في مناصب الزعامة، كما يطرح سؤال عريض عن مصداقية ما يسمى النقابات الأكثر تمثيلية. وفي ظل هذه الأوضاع يخوض زعماء المركزيات النقابية مفاوضات “سرية” مع الحكومة، كما أكد ذلك الوزير يونس السكوري، لإخراج القانون التنظيمي للإضراب، في وقت هناك صمت رهيب عن مصير القانون المنظم للنقابات والذي يهدف إلى تنظيم وضبط الحقل النقابي، وتحديد مدة ولاية زعماء النقابات، ويتضمن مقتضيات تهم على الخصوص كيفية اختيار مرشحي النقابة أو المنظمة الذين سيكلفون بمهام الإدارة والتسيير في مختلف الأجهزة، كما أكد على ضرورة احترام مواعيد انعقاد المؤتمرات الوطنية والجهوية والمحلية، مشترطا أن لا تتجاوز أربع سنوات، كما ستخضع النقابات بموجب هذا القانون لافتحاص حساباتها من طرف المجلس الأعلى للحسابات على غرار الأحزاب السياسية، حيث يلزمها القانون بالاحتفاظ بجميع الوثائق المثبتة لمحاسبة المنظمة لمدة عشر سنوات تبتدئ من التاريخ الذي تحمله هذه الوثائق، وبصرف الدعم المالي السنوي الممنوح لهم في الأغراض التي منح لأجلها.
مفاوضات «سرية» بين الحكومة والنقابات لتمرير قانون الإضراب
لا يزال مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب يراوح مكانه في انتظار بدء مسطرة دراسته بلجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، وذلك على الرغم من مرور أزيد من سبع سنوات على إحالته على المؤسسة التشريعية.
وفي بداية الدخول السياسي والاجتماعي لهذا الموسم، أكد وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، أن القانون التنظيمي لممارسة الحق في الإضراب أصبح جاهزا بعد عدة مشاورات «سرية» مع النقابات، وسيحال هذا القانون على البرلمان، خلال الدورة الخريفية المقبلة.
وأوضح الوزير في معرض تفاعله مع أسئلة الصحافيين خلال ندوة صحفية مشتركة مع الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، عقب الاجتماع الأسبوعي لمجلس الحكومة، أن الحكومة تعكف على العمل من أجل إخراج القانون التنظيمي لممارسة الحق في الإضراب، مبرزا أن الحكومة قادت مشاورات مسؤولة ومنفتحة مع النقابات الأكثر تمثيلية والاتحاد العام لمقاولات المغرب، وعقدت حوالي 20 اجتماعا مع النقابات الأكثر تمثيلية ما بين شهري يناير وشتنبر 2023، من أجل النظر في الملاحظات والتجويدات التي يمكن إضافتها إلى هذا القانون التنظيمي.
وتابع بالقول «اليوم نقترب من برمجة هذا القانون بعد استكمال المشاورات التي مرت في جو هادئ، والتي انطلقت منذ يناير 2023، ولم تكن هذه المشاورات مفتوحة، ولم نتكلم عنها بشكل علني، وذلك من أجل تقريب وجهات النظر، واستمر هذا العمل إلى غاية عطلة الصيف، وبالتالي فإرادة الحكومة والفرقاء الاجتماعيين تتمثل في أن يتم تقديم مشروع هذا القانون في الدورة البرلمانية المقبلة»، وذلك في إطار مأسسة الحوار الاجتماعي، وخلص إلى أن الحكومة اشتغلت من أجل التقريب الأمثل بين وجهات النظر للتوصل إلى نص يحترم روح الدستور وتوجهات المغرب وحقوق الإنسان، وذلك تنفيذا لمضامين الدولة الاجتماعية بقيادة الملك محمد السادس.
ويعتبر مشروع القانون، من ضمن آخر القوانين التنظيمية التي نص عليها الدستور، والتي طال أمد انتظار إخراجها، لكن يظل الهدف الأساسي واضحا يتمثل في تنظيم ممارسة هذا الحق الدستوري بما يضمن تأطير وتحسين العلاقات المهنية ويضمن ممارسة حق الإضراب، ويكفل التوازن بين مصالح الأفراد والجماعات والتوفيق بين الحقوق والواجبات التي تعتبر أهم مقومات دولة الحق والقانون.
وينص الدستور في فصله التاسع والعشرين على أن «حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي مضمونة. ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات. حق الإضراب مضمون. ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته»، ولذلك فإن تحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب بموجب قانون تنظيمي يكسبه أهمية كبيرة نظرا لكون القوانين التنظيمية تأتي في المرتبة الثانية بعد الدستور.
ويتكون مشروع قانون الإضراب من خمسة أبواب ومن 49 مادة، ونص في المادة الخامسة على أن «كل دعوة إلى الإضراب خلافا لأحكام هذا القانون التنظيمي تعتبر باطلة، كما يعتبر كل إضراب لأهداف سياسية ممنوعا»، ووضعت الحكومة قيودا عديدة على ممارسة الإضراب، حيث يوجب مشروع القانون حسب المادة السابعة، إجراء مفاوضات بشأن الملف المطلبي للعمال قبل الدعوة إلى الإضراب، وذلك قصد البحث عن حلول، ويضيف أنه في حالة تعذر المفاوضات أو فشلها يتعين بذل جميع المساعي اللازمة لمحاولة التصالح بين الطرفين.
وينص المشروع كذلك على ضرورة اتخاذ قرار الإضراب من قبل الجمع العام للأجراء، يحضره ثلاثة أرباع أجراء المقاولة أو المؤسسة، والذي يجب أن تدعو إليه الجهة الداعية إلى الإضراب خلال 15 يوما على الأقل من التاريخ المزمع عقد الجمع العام فيه، وكذا تبليغ المشغل عن مكان انعقاده قبل 7 أيام، مع اشتراط الحصول على موافقة أغلبية العمال قبل خوضه، وبلوغ نوع من النصاب القانوني قبل الشروع في الدعوة للإضراب، ولابد من الإخطار بقرار الإضراب بمهلة لا تقل عن 10 أيام، مع ضرورة تحديد دواعيه ومكانه وشكله، والكشف عن أسماء المندوبين الداعين إليه في حال عدم وجود نقابة بالمؤسسة.
ويعتبر مشروع القانون المشاركين في الإضراب بالمادة 14 من المشروع في حال توقف مؤقت عن العمل خلال مدة إضرابهم، ولا يمكنهم الاستفادة من الأجر عن المدة المذكورة، ويلزم النص الجهة الداعية للإضراب بإبلاغ رب المقاولة أو المشغل والسلطات المسؤولة ومديرية التشغيل بقرار الإضراب قبل 15 يوما على الأقل من التاريخ المقرر لخوضه، مع تخفيض هذه المدة إلى 5 أيام في حال ما إذا كان الأمر يتعلق بعدم أداء المشغل لأجور العاملين أو وجود خطر يتهدد صحتهم وسلامتهم، و يمنع حسب المادة 23، بعد إنهاء الإضراب أو إلغائه بمقتضى اتفاق بين الأطراف المعنية؛ اتخاذ قرار إضراب جديد دفاعا عن المطالب نفسها، إلا بعد مرور سنة على الأقل.
أما في حالة الإضراب فيمنع على المضربين حسب المادة 13، عرقلة حرية العمل خلال مدة سريان الإضراب، ويمنع عليهم احتلال أماكن العمل أو مداخلها أو الطرق المؤدية إليها، وحسب المادة 26 فيمكن لصاحب العمل حال ممارسة الإضراب خلافا لأحكام هذا القانون أن يطالب بالتعويض عن الخسائر والأضرار التي لحقت بالمقاولة. ويمنع النص الأجراء من خوض إضراب للدفاع عن المطالب التي تمت الاستجابة لها لمدة تناهز السنة، وفي ما يتعلق بالقطاع العام، يلزم النص الجديد الجهة الداعية إلى الإضراب بإخطار قبلي لا يتعدى سبعة أيام، ويتضمن القانون سلسة من المواد التي أدرجت عقوبات مادية وأخرى سالبة للحرية لكل من أخل بهذه البنود، ولم يتقيد بإجراءاتها التفصيلية، بالإضافة لتطبيق العقوبات التأديبية.
مد وجزر.. الحوار الاجتماعي بين الحكومة والنقابات
اتسمت العلاقة بين الحكومة والنقابات بالجفاء في أغلب الأوقات والمناسبات، بل مرت إلى مراحل القطيعة في أخرى، ففي الولاية الحكومية السابقة قد اتسمت بالجفاء، وانسحاب النقابات من الحوار الاجتماعي والذي جاء مع نهاية سنة 2018، ليختتم سنة وصفت بالتوتر الاجتماعي بين النقابات وحكومة العثماني، توتر تمظهر في عدد من الإضرابات والمسيرات التي خاضتها المنظمات النقابية بأشكال مركزية أو قطاعية، ودفع حكومة سعد الدين العثماني إلى إعلان عرض حكومي هددت بتنزيله من طرف واحد، دون الحصول على موافقة النقابات، وهو العرض الذي اعتبرته الحكومة هدية رأس السنة للطبقة العاملة مع مطلع 2019، وتضمن الزيادة في الأجور بقيمة 300 درهم في السلاليم الدنيا على ثلاث دفعات، وزيادة في التعويضات العائلية على الأبناء بقيمة 100 درهم في حدود الأطفال الثلاثة الأوائل على أن تكون على دفعتين بقيمة 50 درهم كل سنة. وأعلنت النقابات رفضها للعرض الحكومي المتعلق بالزيادة المشروطة في الأجور لفئات اجتماعية محددة، واعتبرت المركزيات النقابية أن جلسات الحوار الاجتماعي التي دعت إليها رئاسة الحكومة حينها لم تتضمن أي جديد في العرض الحكومي، ما دفع المركزيات النقابية إلى إعلان الانسحاب منها ومقاطعة الحوار.
النقابات كانت قد استجابت لدعوة رئاسة الحكومة السابقة في عدة مناسبات على اعتبار أنها ستقدم عرضا جديدا للحوار على أساسه، وهو الأمر الذي لم يحصل، وظل العرض الحكومي جامدا في المقترح الأول، وقد لاقى وضع القطيعة الاجتماعية بين الحكومة والنقابات انتقادات من أعلى سلطة في البلاد، حيث دعا الملك محمد السادس في خطاب سامي النقابات والحكومة إلى الجلوس لطاولة الحوار مهما تمخض عنه من نتائج، تنبيه ملكي وجد صداه لدى الحكومة التي عادت لتدعو النقابات من جديد إلى المشاركة في جلسة للحوار الاجتماعي، ووعدتها بتقديم عرض جديد، وهو العرض الذي جعل النقابات تشارك في الجلسات متفائلة، قبل أن تتفاجأ بأن الأمر لا يعدو أن يكون العرض السابق الذي كانت قد قدمته الحكومة من قبل.
استمرار القطيعة دفع حكومة العثماني إلى تخيير النقابات بين سيناريوهين أحلاهما مر، يتعلق الأول بالزيادة بقيمة مائة درهم بداية من سنة 2019 وأخرى سنة 2020 بالنسبة إلى السلاليم الدنيا فقط، أو تخصيص المبلغ الذي حددته الحكومة والذي لا يتجاوز 6 مليارات فقط لزيادة شاملة في الأجور لن تتعدى 100 درهم للموظف الواحد، محددة بذلك سقفا ماليا للإجراءات الاجتماعية ربطتها الحكومة بالظروف الحالية التي يتم فيها عقد جلسة الحوار وهي الظروف التي تجعل موازين القوى في غير صالح الأجراء والطبقة العاملة، في الوقت الذي طالبت النقابات بسلة من المطالب تتضمن تحسين الحقوق النقابية في المؤسسات الإنتاجية، العمل سياسيا على إحقاق الحق ومأسسة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
واستمرت القطيعة النقابية للجلسات الحكومية للحوار، وقد أجمعت المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية على رفض مقترحات الحكومة، وعدم الجلوس إلى طاولة الحوار ما لم تلين الأخيرة مواقفها ومقترحاتها بما يستجيب لمطالب النقابات، لتتسلم وزارة الداخلية دفة الحوار الاجتماعي مع النقابات، وتوجه إليها الدعوة في إطار منهجية جديدة اعتمدت على اللقاءات المنفردة مع الأمناء العامين للمركزيات. واعتبرت المركزيات النقابية تولي وزارة الداخلية تدبير الملف مؤشرا على قرب الوصول إلى اتفاق حينها، وتوجها لدى الحكومة من أجل تقديم مقترح جديد. وبعد عشرات اللقاءات الماراثونية بين الوزارة والنقابات، قدمت الحكومة عبر الوزير عبد الوافي لفتيت آنذاك عرضا جديدا للإجراءات الاجتماعية همت الزيادة في الأجور قبلته النقابات، قبل أن تعود علاقتها مع اشتداد أزمة كورونا مع الحكومة إلى سابق عهدها من القطيعة والجفاء في عامين من الوباء، لم تعقد خلالهما حكومة العثماني أي اتفاق جديد مع النقابات، بل ظلت تلوح بين الحين والآخر بتمرير قانوني الإضراب والنقابات.
ومع تشكيل حكومة عزيز أخنوش، والتي باشرت دعوة النقابات إلى طاولة الحوار في عامها الأول، وتم التوقيع على ميثاق اجتماعي، استبشرت النقابات خيرا، وجددت مطالبها بسحب قانون الإضراب وفتح مفاوضات جديدة بشأنه بعد إسقاط النسخة الحالية، مراهنة على حذف العديد من المضامين التي شكلت حجر عثرة في تداولات سابقة، في مقدمتها اتفاق 25 أبريل، وقد اتفقت حكومة أخنوش مع النقابات والباطرونا، خلال ثاني جلسات الحوار الاجتماعي، على إسقاط مشروع القانون التنظيمي لحق الإضراب، وتكوين لجنة جديدة للتداول في الموضوع تتكون أساسا من النقابات ووزارة الشغل والإدماج المهني.
وشكلت النسخة السابقة من مشروع القانون موضوع خلاف بين النقابات والحكومة في أغلب بنوده التسعة والأربعين، خصوصا تلك التي تنص على بطلان كل دعوة إلى الإضراب تخالف أحكام القانون التنظيمي ذاته، وتمنع الإضراب لأهداف سياسية، فيما تتشبث النقابات بضرورة استحضار الاتفاقيات الدولية في التداولات الجديدة بشأن القانون، فضلا عن تنصيص الدستور المغربي على أن حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي مضمونة.
وبعد حوالي عامين على اتفاق أبريل بين النقابات وحكومة عزيز أخنوش، والذي سطر منهجية جديدة للحوار بين الفرقاء الاجتماعيين، بدأت موجة التوتر بين الحكومة والنقابات تعود من جديد في قطاعات مختلفة، كان آخرها الإضرابات الأخيرة التي تعم قطاع التربية الوطنية، بسبب إخراج الوزارة لمرسوم النظام الأساسي لموظفي القطاع، وإضرابات أخرى تلوح في أفق الجماعات المحلية التي أعلن موظفوها تحت غطاء النقابات عن تنظيم مسيرات واعتصامات، بسبب الأوضاع الاجتماعية. في الوقت الذي ما زالت المركزيات النقابية تنتظر لقاء الحكومة لمناقشة تفاصيل مشروع قانون المالية للسنة المقبلة، كما نص على ذلك اتفاق 14 أبريل، والذي أوجب دورة للمفاوضات الاجتماعية بين الباطرونا والنقابات والحكومة، في أكتوبر، في خضم الإعداد لمشروع قانون المالية، وهو ما لم تلتزم به الأطراف الاجتماعية الثلاثة.
نقابات خارج رقابة وافتحاص المجلس الأعلى للحسابات
ينص الفصل 8 من الدستور على وضع القانون المتعلق بالنقابات على غرار قانون الأحزاب، يحدد القواعد المتعلقة بتأسيس المنظمات النقابية وأنشطتها، وكذا معايير تخويلها الدعم المالي للدولة وكيفيات مراقبة تمويلها. وبالإضافة إلى تأسيسه للخطوط العريضة للحرية والمطابقة والدمقرطة، يحيل هذا الفصل، كذلك، على القانون الذي سينظم القواعد المنظمة لتأسيس المنظمات النقابية ومعايير تحويل الدعم المالي للدولة ومراقبة هذه النقابات، ومن ثم فإن دستور 2011 حدد الخطوط العريضة لهذا القانون، وبالتالي فالحكومة ملزمة بتسريع إخراج قانون النقابات إلى حيز الوجود. إضافة إلى ذلك، فإن الدستور تضمن مقتضيات، ضمن الفصل 9، تحدد الضمانات القضائية المتعلقة بالحل أو التوقيف، وهذا الفصل جاء لإعطاء ضمانات للمنظمات النقابية لممارسة أنشطتها بطريقة سليمة، فيما أسس الفصل 29 من الدستور لمجموعة من المبادئ المرتبطة بالانتماء النقابي.
وفشلت الحكومتان السابقتان في إخراج قانون يهم تنظيم الحياة النقابية وتعزيز الحكامة التنظيمية داخل الجسم النقابي المغربي، وكذلك تعزيز الرقابة المالية من خلال فتح المجال أمام آليات الافتحاص المالي للمركزيات النقابية من طرف قضاة المجلس الأعلى للحسابات، على غرار الأحزاب السياسية التي تقدم حساباتها السنوية إلى المجلس، ومازال مشروع القانون محتجزا بمجلس النواب، منذ حوالي ست سنوات، دون المصادقة عليه.
ويحدد مشروع القانون، المعروض على البرلمان، مدة ولاية زعماء النقابات، ويتضمن مقتضيات تهم، على الخصوص، «كيفية اختيار مرشحي النقابة أو المنظمة الذين سيكلفون بمهام الإدارة والتسيير في مختلف الأجهزة»، و«مدة ولاية الأعضاء المكلفين بالإدارة والتسيير داخل الأجهزة»، و«شروط الانخراط وإقالة واستقالة الأعضاء»، إلى جانب «أحكام تكفل ضمان تمثيلية النساء والشباب في الأجهزة المكلفة بإدارة وتسيير النقابة»، و«الجهاز المكلف بمراقبة مالية النقابة أو المنظمة»، وأكد على ضرورة احترام مواعد انعقاد المؤتمرات الوطنية والجهوية والمحلية، مشترطا أن «لا تتجاوز أربع سنوات»، ليردف أن «الفترة الفاصلة بين المؤتمرات العادية لنقابات العمال أو للمنظمات المهنية للمشغلين لا يجب أن تتجاوز المدة المنصوص عليها في النظام الأساسي في ما يتعلق بولاية الأعضاء المكلفين بإدارة وتسيير هيكل النقابة أو المنظمة على جميع المستويات»، ناهيك عن أن النقابات أو المنظمات المهنية، مطالبة بـ«احترام تجديد هياكلها داخل الآجال المقررة في أنظمتها الأساسية تحت طائلة اعتبارها في وضعية غير قانونية وانعدام الأثر القانوني لأي تصرف صادر عنها قبل تسوية وضعيتها».
ووضع القانون معيارين أمام المنظمة النقابية للعمال من أجل الحصول على صفة «الأكثر تمثيلية»، يرتبط المعيار الأول بحصول النقابة المعنية على «نسبة 6 في المائة على الأقل من مجموع عدد ممثلي موظفي الدولة والجماعات الترابية ومستخدمي المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري في انتخابات اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء بالقطاع العام، ومن عدد مندوبي الأجراء في الانتخابات المهنية بالقطاع الخاص، على المستوى الوطني»، فيما ينص المعيار الثاني على أن «تكون ممثلة بمجلس المستشارين». وحدد مشروع القانون أربعة معايير لحصول المنظمة المهنية للمشغلين على صفة «الأكثر تمثيلا على المستوى الوطني»، وهي «الرقم الإجمالي للمعاملات الذي حققه منخرطوها على المستوى الوطني، وعدد مناصب الشغل المصرح بها والتي وفرتها أنشطة منخرطي المنظمة، وحجم تواجدها على مستوى مختلف القطاعات الاقتصادية وتمثيليتها بمجلس المستشارين».
وينص مشروع القانون في المادة 100 على أن تمسك «المنظمات النقابية والمهنية للمشغلين نظاما محاسبيا سنويا»، وأن «تحتفظ بجميع الوثائق المثبتة لمحاسبة المنظمة لمدة عشر سنوات تبتدئ من التاريخ الذي تحمله هذه الوثائق». ويلزم القانون، النقابات والمنظمات المهنية للمشغلين، بصرف الدعم المالي السنوي الممنوح لها «في الأغراض التي منح لأجلها»، معتبرا أن «كل استخدام كلي أو جزئي للدعم المالي الممنوح من طرف الدولة لأغراض غير التي منح لأجلها يعد اختلاسا للمال العام يعاقب عليه طبقا للقانون». وأكد المشروع على أن المجلس الأعلى للحسابات هو المؤسسة المخول لها «مراقبة صرف الدعم السنوي الذي تستفيد منه المنظمات النقابية الأكثر تمثيلا على الصعيد الوطني»، لينص، في هذا الصدد، على أن توجه هذه المنظمات، إلى هذه المؤسسة الدستورية، «داخل أجل أقصاه 31 مارس من السنة الموالية للسنة المالية المنصرمة، تقريرا مفصلا عن أوجه استعمال هذا الدعم عن السنة المعينة»، وهذا التقرير «يجب أن يكون مصادقا عليه من لدن خبير محاسب مقيد في جدول هيئة للخبراء المحاسبين، ومرفقا بالمستندات التي تثبت النفقات المنجزة برسم السنة المالية المعنية».
وأوضح مشروع القانون أنه «في حالة عدم توجيه التقرير السنوي داخل الأجل المحدد، أو إذا كانت المستندات التي تم الإدلاء بها غير كافية، أو لا تبرر جزئيا أو كليا استعمال الدعم المحصل عليه في الغايات التي منح من أجلها، يوجه الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات إنذارا إلى رئيس النقابة من أجل تسوية وضعيتها داخل أجل أقصاه 30 يوما، أو ارجاع مبلغ الدعم إلى الخزينة العامة للمملكة»، وأضاف «في حالة عدم استجابة النقابة المعنية لإنذار الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، فإنها تفقد حقها في الاستفادة من الدعم السنوي، كما تفقد حقها في الدعم في حالة عدم عقد مؤتمرها الوطني العادي وفق الآجال المنصوص عليها في نظامها الأساسي، وذلك بعد انصرام أجل أٌقصاه ستة أشهر من التاريخ المحدد لانعقاد المؤتمر»، على أن «تسترجع المنظمة هذا الحق ابتداء من تاريخ تسوية وضعيتها بهذا الخصوص».
المجلس الاقتصادي والاجتماعي أوصى بإبعاد المتقاعدين من قيادة النقابات
بعد الجدل الذي أثاره مشروع القانون المتعلق بالمنظمات النقابية المعروض على أنظار البرلمان، بين الحكومة والنقابات، أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي رأيه بخصوص هذا القانون، الذي ما زال محتجزا داخل لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب منذ سنة 2016.
وأوصى المجلس بإبعاد المتقاعدين من تحمل المسؤوليات النقابية. وأوضح أن مشروع القانون 24.19 المتعلق بالمنظمات النقابية يهدف إلى تدارك بعض أوجه النقص في التشريعات الوطنية، وقدم بعض المقتضيات الجديدة تتعلق بضبط وتنظيم الجوانب المرتبطة بالعمل النقابي للعمال والتمثيل المهني للمشغلين، لاسيما عبر تحديد معايير ومستويات التمثيلية – وطنيا وقطاعيا وجهويا – المتعلقة بالمنظمات النقابية بالقطاعين العام والخاص، كما سعى إلى تطوير حكامة المنظمات النقابية، وإضفاء شفافية على تدبيرها.
غير أن قراءة مشروع القانون، حسب رأي المجلس، تثير كذلك بعض الملاحظات وتفضي إلى بعض الخلاصات الجوهرية التي تسائل مدى كفايته على الإحاطة ورفع التحديات التي يطرحها الحقل النقابي. ولاحظ المجلس في مشروع القانون، أنه لا يعتمد دائما قواعد الصياغة القانونية الصارمة التي تتوخى الدقة والتناسق والانسجام، ويتجلى ذلك في الديباجة وفي عدد من مواد النص المقترح، فيما يتعلق بالأسلوب، وبتوظيف مصطلحات ومفاهيم دون تعريفها أحيانا، مما قد يخلق التباسا في إدراك المراد من النص.
وأضاف المجلس أن مشروع القانون طرح على أنه يرمي إلى تنزيل أحكام الدستور، غير أن مضمون النص المقترح يكاد يحصر الأمر في تفعيل ما جاء في الفصل الثامن من الدستور بشأن إصدار إطار قانوني ينظم «تأسيس المنظمات النقابية وأنشطتها، وكذا معايير تخويلها الدعم المالي للدولة، وكيفيات مراقبة تمويلها»، والفصل التاسع الذي ينص على أنه «لا يمكن حل الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية أوتوقيفها من لدن السلطات العمومية، إلا بمقتضى مقرر قضائي»، في حين أغفل مشروع القانون تنزيل أحكام الدستور التي ترمي إلى النهوض بأدوار المنظمات النقابية والمنظمات المهنية وتشجيع المفاوضة الجماعية وتكريس الديمقراطية التشاركية، كما تم تقديم مشروع القانون كنص قانوني «شامل» لتجاوز ازدواجية التشريعات بين القطاع العام والقطاع الخاص في المجال النقابي، بينما ازدواجية القوانين لا تبرر في المطلق الحاجة لإصدار نص تشريعي جديد.
علاوة على ذلك، فإن مشروع القانون لم يعالج ازدواجية راسخة في التشريعات الوطنية بين الإطار النقابي والإطار الجمعوي، مع العلم أن المعاهدات الدولية لا تميز بينهما، فكلاهما يستند إلى الحق في التنظيم.
وبخصوص الدعم المالي للمنظمات النقابية ومراقبة صرفه، سجل المجلس وجود تمييز في الدعم المالي العمومي، حيث يوجه الدعم المالي للدولة، بمقتضى المادة 113 من مشروع القانون، حصريا للمنظمات النقابية للعمال الأكثر تمثيلا على المستوى الوطني، فيما تحرم من ذلك باقي المنظمات النقابية للعمال والمنظمات المهنية للمشغلين ونقابات الفئات الأخرى غير العمال والمشغلين. وأكد رأي المجلس أنه «لا يفهم الداعي لهذا الاختيار في ظل وجود قوانين وطنية تشرع وتؤطر تقديم الدعم العمومي للجمعيات على اختلاف أشكالها، بينما تقصى أغلب النقابات من دعم الدولة المالي، مع العلم أن الانتماء إلى جمعية والانتماء إلى نقابة يمثلان نفس الحق، ألا وهو الحق في التنظيم المنصوص عليه في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وذلك انسجاما مع الإرادة في إصلاح الحقل النقابي ودعم أدوار المنظمات النقابية، يتعين إتاحة الدعم المالي للدولة مع إخضاعه لمعايير موضوعية، مثل حجم التمثيلية وتنوعها وتحقيق أهداف ملموسة».
أما بخصوص ترسيخ الديمقراطية الداخلية للنقابات والهيئات المهنية، يسجل رأي المجلس، فإنه رغم التنصيص على بعض الإجراءات في مشروع القانون، كانعقاد المؤتمرات الوطنية في آجالها، وشفافية التدبير الإداري والمالي، إلا أنه لم يكن حاسما في مسألة المناصفة، وظلت بعض المقتضيات عامة (المادة 8) في ما يتعلق بتحقيقها، كتقلد مهام التدبير والتسيير.
وأشار المجلس إلى أن حصر مدة الانتدابات الخاصة بالمسؤوليات في أربع سنوات دون تحديد عددها لا ينسجم مع مبادئ الحكامة، ولا يساعد على إمكانية التداول وفتح الطريق أمام الشباب، وفضلا عن ذلك، فإن المادة 15، وإن أعطت إمكانية استمرار العامل المحال على التقاعد في الاحتفاظ بعضويته في نقابته الأصلية أو الانخراط في أي نقابة أخرى من اختياره، فإنها لم تحسم بطريقة صريحة في أمر تحمله المسؤولية من عدمها، أو استمرار تحمل المسؤولية إلى ما بعد نهاية فترة الانتداب، وهو ما يطبع عمل المشرع بالتردد في الأمور التي تعتبر مفتاحا لتفعيل آليات الديمقراطية.
وأوصى المجلس بضرورة تقوية صياغة مقتضيات المادتين 8 و15، واعتبار المشرع للمعايير والممارسات الجيدة ذات الصلة، والحسم في عدد من القضايا التي من شأنها تكريس نهج الحكامة والديموقراطية في تسيير هياكل المنظمات النقابية والهيئات المهنية، ولا سيما في ما يتعلق بالدعم المالي المشروط بالمناصفة، وحصر عدد الانتدابات الخاصة بالمسؤوليات، وفتح المجال أمام الشباب في الولوج إلى الأجهزة التداولية لتجديد النخب، والحسم في تحمل المسؤوليات بالنسبة للمتقاعدين.
قد يهمك أيضــــــــــــــا
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر