يجري مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (FBI)، كريستوفر راي، زيارة عمل إلى المملكة المغربية على رأس وفد رفيع المستوى، يضم بالأساس نائبه المكلف بقسم العمليات الخارجية، رايموند دودا.وكشفت المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، في بلاغ لها، أن المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني، عبد اللطيف حموشي، استقبل بمكتبه بالرباط، اليوم الثلاثاء 21 فبراير الجاري، كريستوفر راي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، في خضم زيارته إلى المملكة المغربية استغرقت يومين.
زيارة لترصيد المكاسب الأمنية
تعتبر زيارة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، كريستوفر راي، الثانية في برنامج العمل الذي يجمع أكبر وكالة للتحقيقات الجنائية في العالم مع المؤسسات الأمنية المغربية، إذ تأتي مباشرة بعد الزيارة الأولى التي أجراها المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني، عبد اللطيف حموشي، إلى الولايات المتحدة الأميركية في 13 و14 يونيو 2022، والتي التقى خلالها بمديرة أجهزة المخابرات الأمريكية، أفريل هاينز، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية، ويليام بيرنز، ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، كريستوفر راي (الصورة).
ويكتسي استقبال عبد اللطيف حموشي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي أهمية خاصة وبالغة في الوقت ذاته، بالنظر إلى السياق الزمني لهذه الزيارة، إذ تأتي في وقت تتصاعد فيه التهديدات الإرهابية في منطقة الساحل وفي العمق الإفريقي، كما تتزايد مخاطر حصول التنظيمات الإرهابية على مواد كيماوية وبيولوجية خطيرة بسبب تزايد الصراعات الإقليمية في عدد من مناطق العالم.
وفي تعليق على الموضوع، أكد مصدر أمني أن “الزيارة عبارة عن لقاء متجدد بين المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني مع أحد أرفع المسؤولين الأمريكيين في المجال الأمني والقضائي، وهي أيضا مناسبة لترصيد المكاسب الأمنية التي حققها الجانبان في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية في الفترة السابقة”.
وتبرز أهمية هذه الزيارة، يضيف المصدر ذاته، من خلال المواضيع التي نوقشت في جدول أعمال اللقاء بين عبد اللطيف حموشي وكريستوفر راي، والتي ارتكزت أساسا على “دراسة الآليات الكفيلة برصد ومواجهة حركية المقاتلين في التنظيمات الإرهابية عبر المنافذ الحدودية، وتبادل المعلومات بشأن هؤلاء المقاتلين، وتدعيم التعاون العملياتي لمكافحة التهديدات المرتبطة بالأسلحة الكميائية والبيولوجية والنووية، علاوة على توسيع نطاق التعاون الثنائي المتميز في مجال مكافحة الإرهاب ليشمل منطقة الساحل”.
مؤشرات تعاون ثنائي متميز
أشادت وزارة العدل الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي، مؤخرا، بدور مصالح الأمن المغربية في تتبع وملاحقة وتوقيف أخطر المطلوبين للقضاء الأمريكي في جرائم الاستغلال الجنسي للقاصرين، وفي الجرائم السيبرانية التي استهدفت كبريات الشركات العالمية الكائن مقرها بالولايات المتحدة الأمريكية.
وقد صدرت هذه الإشادة الأمريكية بشكل متواتر في السنوات القليلة الماضية، خصوصا بعد النتائج الكبيرة التي حققتها الشراكة الاستراتيجية بين المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والمديرية العامة للأمن الوطني والوكالات الأمريكية لتطبيق القانون، خاصة مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) ووكالة الاستخبارات المركزية (CIA) ومكتب مكافحة المخدرات (DEA).
فبتاريخ 9 فبراير 2021، وجه كل من مكتب التحقيقات الفيدرالي (فرع نيويورك) ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية رسالة شكر إلى عبد اللطيف حموشي، يشيدان فيها “بمستوى التعاون المتميز والشراكة المتقدمة التي تجمعهما مع مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني المغربية في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف”.
وقد جاء هذا الشكر الأمريكي تثمينا “للتعاون والدعم المهم اللذين قدمتهما المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، خصوصا المعلومات الاستخباراتية الدقيقة التي تم توفيرها في الوقت المناسب، مما مكن من المساهمة في تحييد الخطر الإرهابي، وتسريع البحث الذي باشره مكتب التحقيقات الفيدرالي في قضية الجندي الأمريكي الذي كان يرتبط بتنظيم داعش ويحضّر للقيام بعملية إرهابية بغرض قتل جنود أمريكيين واستهداف مصالح استراتيجية بمدينة نيويورك”.
وفي الآونة الأخيرة، جددت وزارة العدل الأمريكية إشادتها بدور السلطات الأمنية المغربية في توقيف وتسليم عدد من أخطر المطلوبين للقضاء الأمريكي في جنايات تستهدف أمن القاصرين وسلامة الاقتصاد الأمريكي والعالمي.
وفي تعليق على هذا الموضوع، أوضح المصدر الأمني ذاته أن “مصالح الأمن المغربية أوقفت في الأشهر القليلة الماضية خمسة من أخطر المطلوبين للقضاء الأمريكي، ثلاثة منهم جرى تسليمهم لمكتب التحقيقات الفيدرالي، واثنان لا زالا رهن الاعتقال على ذمة مسطرة التسليم”.
وأضاف المصدر نفسه أن “توقيف هؤلاء المطلوبين جاء ثمرة تعاون وثيق بين مصالح الأمن بالمغرب ومكتب التحقيقات الفيدرالي”، مبرزا أن آخر تجليات هذا التعاون تمثل في تسليم مواطن أمريكي متابع في قضايا عدة للاعتداء الجنسي على قاصرين بأمريكا، وكذا تسليم “الهاكرز” الفرنسي سيباستيان راوولت الذي كان متابعا في جرائم سيبرانية استهدفت أكثر من 60 شركة عالمية.
مخاطر ناشئة تفرض توسيع التعاون
يبدو أن زيارة كريستوفر راي إلى المغرب واجتماعه مع عبد اللطيف حموشي تحمل هذه المرة أجندة خاصة ورهانات كبيرة؛ فقد بدا لافتا أن جدول أعمال هذه الزيارة يتضمن مواضيع جديدة موسومة بالراهنية.
فقد شدد بلاغ المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني على أن المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني تباحث مع كريستوفر راي حول آليات رصد ومواجهة الحركية المحتملة للإرهابيين عبر المنافذ الحدودية، وهو ما يعيد النقاش الأمني بشأن تحديات وإكراهات عودة المقاتلين في التنظيمات الإرهابية إلى دولهم الأصلية باستخدام سندات هوية ووثائق سفر مزورة.
كما استعرض الجانبان، حسب البلاغ عينه، التحديات والمخاطر الناشئة عن إمكانية حصول واستخدام التنظيمات الإرهابية للمواد الكيميائية والبيولوجية والمواد الاشعاعية في تنفيذ عمليات إرهابية. وهذا الخطر المحتمل يشكل أكبر تهديد للأمن والاستقرار العالميين، كما يعد واحدا من أكبر التحديات التي تشتغل عليها المصالح الأمنية والاستخباراتية عبر العالم، خصوصا في ظل التقاطعات القائمة بين دول مثل إيران وسوريا مع تنظيمات مصنفة إرهابية.
ومن المواضيع المهمة التي جمعت عبد اللطيف حموشي وكريستوفر راي أيضا، مسألة توسيع نطاق التعاون المغربي الأمريكي في مجال مكافحة الإرهاب ليشمل حتى التهديدات القادمة من منطقة الساحل في إفريقيا.
وإثارة هذا الموضوع مع الجانب المغربي تؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية أضحت تراهن على خبرة عبد اللطيف حموشي لتجفيف منابع الإرهاب في منطقة الساحل التي تنشط فيها خلايا وتنظيمات إرهابية متعددة، مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وولاية الدولة الإسلامية في منطقة الصحراء الكبرى…
وفي المحصلة، يبدو أن مكاسب التجربة المغربية في مجال مكافحة الإرهاب ومختلف صور الجريمة المنظمة، هي التي قادت مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي إلى المغرب واستقباله من طرف عبد اللطيف حموشي، كما أن هذه التجربة هي التي دفعت أيضا السلطات القضائية الأمريكية إلى التنويه في أكثر من مناسبة بدور مصالح الأمن المغربية في اعتقال وتسليم المصنفين في قائمة أخطر المطلوبين جنائيا في الولايات المتحدة الأمريكية.
من هنا تبرز أهمية الدبلوماسية الأمنية التي بوأت المغرب مؤخرا منزلة مهمة، وجعلت العديد من الأجهزة الأمنية في كل من أمريكا وأوروبا تطمح لعقد شراكات مستدامة مع مصالح الأمن المغربية من أجل تعزيز الأمن والاستقرار العالميين، وخلق جبهة مشتركة لمكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود الوطنية.
قد يهمك أيضا
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر