قال الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، إن “الثورة الرقمية والطفرات التكنولوجية قد ألقت بظلالها على مختلف مناحي الحياة دون استثناء، بما في ذلك منظومة العدالة، حيث أصبحت تلك التطورات يوما بعد يوم محط اهتمام مختلف الفاعلين والمتدخلين في حقل العدالة باعتبارها مدخلا أساسيا للارتقاء بأداء المرفق القضائي وتطوير الإدارة القضائية وتيسير الولوج المستنير للعدالة والرفع من جودة أدائها ضمانا لتحقيق النجاعة القضائية”.
وأضاف الداكي، في كلمة ألقاها خلال المؤتمر الدولي حول التحول الرقمي لمنظومة العدالة الذي تنظمه وزارة العدل بشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تحت شعار “التحول الرقمي لمنظومة العدالة: رافعة لعدالة ناجعة وشمولية”، أن “انعقاد هذا المؤتمر يندرج في سياق الأوراش الإصلاحية الكبرى التي تعرفها المملكة تحت القيادة الرشيدة للملك محمد السادس، التي تهدف إلى استثمار التكنولوجيا الرقمية وجعلها أحد المداخل الأساسية لتحسين علاقة الإدارة بالمرتفقين ومحفزاً لتسريع وتيرة التنمية وتعزيز النجاعة وتحسين جودة الخدمات العمومية المقدمة للمرتفقين”.
وأكّد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض أن “الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة شكَّل لحظة هامة لتعميق النقاش حول موضوع تحديث الإدارة القضائية وتعزيز حكامتها، وهو بذلك يعتبر منطلقا مشتركا لنا كفاعلين في إنتاج العدالة، لا سيما في ظل ما أسفرت عنه مخرجات هذا الحوار من توصيات تمحورت حول وضع أسس محكمة رقمية منفتحة على محيطها وعلى المتقاضين وتشجيع استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة في إدارة المحاكم وتصريف القضايا وإحداث الملف القضائي الإلكتروني، فضلا عن رقمنة المساطر والإجراءات وتوظيف الوسائل الرقمية في عملية التواصل مع المتقاضين والمهنيين ومساعدي العدالة”.
وجاء ضمن الكلمة ذاتها أن “الاقتناع أضحى راسخا بأن التحول الرقمي لمنظومة العدالة أصبح اختياراً لا محيد عنه وضرورة تفرض نفسها وتتطلب انخراط كل الفاعلين في مجالها، وهو الأمر الذي ما فتئ يؤكد عليه الملك محمد السادس في العديد من خطبه الملكية وتوجيهاته النيرة، من بينها الرسالة السامية الموجهة إلى المشاركين في الدورة الثانية للمؤتمر الدولي للعدالة المنعقد بمراكش بتاريخ 21-10-2019”.
وشدد رئيس النيابة العامة على أن “التحول الرقمي الذي تشهده منظومة العدالة اليوم يُعد مؤشرا قويا على الإرادة الراسخة الرامية إلى الانخراط الفعلي والمتواصل في هذا الورش الإصلاحي الكبير الذي من شأنه الارتقاء بفعالية تدبير القضايا، وتطوير جودة تدبير القضايا والبت فيها داخل آجال جد معقولة، وترسيخ الثقافة الرقمية في مجال العدالة، والرفع من منسوب الثقة في منظومتها لدى مختلف الفاعلين والمتدخلين في إنتاجها”.
في السياق ذاته، أشار الداكي إلى أن “رقمنة المساطر والإجراءات القضائية تعتبر من المداخل الأساسية لتعزيز مبادئ الشفافية والنزاهة المطلوبتين، بالنظر لما يوفره استثمار الوسائل الرقمية والتكنولوجية في العمل اليومي للإدارة وفي علاقاتها مع مرتفقيها من جودة وثقة من خلال الحصول على الخدمات المطلوبة بشكل ميسر وشفاف ودون إثقال كاهل العاملين بالمؤسسة القضائية بكثرة الاستقبالات”، مضيفا أن “التوظيف الرشيد لما تتيحه التكنولوجيا من مزايا من شأنه تعزيز القدرة التنافسية للإدارة القضائية بما يؤهلها للقيام بأدوارها الطلائعية في تحفيز وحماية الاستثمار من جهة، وتكريس حكامة المرفق القضائي من جهة أخرى”.
وقال الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض إن “رقمنة العدالة تعتبر أحد المداخل الرئيسية لمواصلة تنزيل النموذج التنموي الجديد الذي يتطلع إليه المغرب، والذي يرتكز على مجموعة من المرتكزات، من بينها الارتقاء بتجويد العدالة ونجاعتها. ولتحقيق هذه الغاية، فإننا موقنون بأن جهود جميع الفاعلين في هذا المجال تقتضي تضافرها من أجل رفع التحديات التي تعترض تسريع وتيرة الرقمنة، في مقدمتها التحدي التشريعي الذي يتطلب جهودا خاصة في سبيل تذليل الصعاب من أجل إيجاد الإطار القانوني لاعتماد مخرجات الاستعمال المتزايد للوسائل التكنولوجية في أفق اعتمادها كليا في تدبير المساطر والإجراءات”.
وأكد المسؤول القضائي أن “إقامة نظام متين للرقمنة هو تحد قادرون على رفعه بعدما كانت لنا تجربة متميزة في ظل جائحة كوفيد بسبب الحجر الصحي الذي عرفه المغرب على غرار سائر بلدان العالم، والتي شكلت فترة اختبار لقياس مدى قدرة وجاهزية العدالة المغربية لتبني خيار الرقمنة وجعلها واقعا ملموسا من خلال تجربة المحاكمة عن بعد وكذا تدبير العديد من الإجراءات رقميا، حيث كان للتعاون المؤسساتي الدور الأساس في رفع كل التحديات التي كانت مطروحة كمعيقات وكسب رهان استمرار تصريف العمل القضائي بالمحاكم”.
وذكّر الحسن الداكي بأن “انخراط رئاسة النيابة العامة في مسار الرقمنة توج بحصولها على جائزة التميز للدورة الرابعة عشرة للجائزة الوطنية للإدارة الرقمية خلال سنة 2022 عن خدمة الشكاية الإلكترونية التي تسمح للمواطنين والأجانب سواء المقيمين منهم بالمغرب أو خارجه من وضع شكاياتهم وتتبع مآلها عن بعد من هواتفهم المحمولة ومن منازلهم دون عناء التنقل”.
واستشرافاً للمستقبل، قال الداكي إن “رئاسة النيابة العامة عاقدة العزم على مواصلة الإسهام في برنامج التحول الرقمي إلى جانب وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والعمل على تنزيله في إطار التعاون والتنسيق المشترك فيما بين هذه المكونات، كما ستعمل على مواصلة تنفيذ مخططها الاستراتيجي الذي يرتكز على عدة مرتكزات، من بينها تعزيز رقمنة الإجراءات القضائية وتبسيطها”.
قد يهمك أيضــــــــــــــا
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر