تحتل الصناعة المرتبة الثانية في اقتصاد مدينة مراكش من حيث الأهمية، وتشكل الصناعات التحويلية والغذائية والكيماوية قاعدة القطاع الصناعي، كما تشكل الصناعة التقليدية نقط هذه القوة الاقتصادية، التي تعد مصدرا للدخل لحوالي 40 ألف صانع تقليدي.وتحمل إحدى مقاطعات مدينة مراكش اسم أول الأولياء الصالحين السبعة (سبعة رجال) لمراكش، وهو يوسف بن علي، غير أن أزقتها ودروبها صارت أشهر من نار على علم على مستوى الانحراف، لكثافتها السكانية، مما يفرض طرح عدة أسئلة من قبيل: هل وضع التهميش أصبح قدرا، أم أن الأمر مرتبط بغياب رؤية لتنمية المنطقة؟ وما مصير شبابها؟ وكيف يمكن توفير فرص الشغل لشباب هذه الأزقة؟ وبأي معنى يمكن الحديث عن إحداث أنشطة اقتصادية في هذا التجمع السكني؟
معاناة الشباب
عبد الرحمن العزابي، أحد الشباب المجازين العاطلين عن العمل، قال إن “هذه المقاطعة، التي تعرف بكثافتها السكانية، تضم طاقات في ريعان شبابها من ذوي الكعب العالي في شتى الميادين المعرفية، وهم يحملون شهادات جامعية، لكنهم يعانون من انعدام فرص الشغل، لأن المناطق التي توفر بعضا من هذه الفرص بعيدة والتنقل إليها يتطلب ميزانية كبيرة”.
وأضاف العزابي، في تصريح لهسبريس، “تم تناول إحداث منطقة صناعية من الدرجة الثالثة بمجلس مقاطعة سيدي يوسف بن علي، لكن هذه الخطوة غير كافية لتجمعٍ هرمه السكاني كله شباب يئن تحت وطأة الفقر والهشاشة، في الوقت الذي تعرف مقاطعات أخرى مشاريع للقطاعين الخاص والعام. لذا ألتمس من المسؤولين الالتفات إلى هذا الحي الهامشي عبر إحداث مناطق صناعية، أما الفلاحة فيجب أن تبقى في أحواز المدينة الحمراء”.
من جهته، قال محمد مزي، وهو فاعل جمعوي بمقاطعة سيدي يوسف بن علي، إن “شباب المنطقة يعانون من العطالة بسبب غياب فرص الشغل، حيث إن بعض الفنادق التي توجد بهذا التجمع السكني لم تقدم لهذه الفئة أي قيمة إضافية، في الوقت الذي سيقدم مجلس المقاطعة على إحداث منطقة تضم الحرفيين المنتشرين بين الأزقة والأحياء، لكن هذا المشروع غير كاف”.
وتساءل المتحدث نفسه، الذي كان مستشارا في المجلس الجماعي السابق، “لِمَ لا تقوم جماعة مراكش ومجلس مقاطعة سيدي يوسف بن على بإحداث مناطق صناعية توفر عقارات بالواحة للمستثمرين لامتصاص نسبة البطالة العالية التي تعرفها هذه المنطقة؟ لأن الحكومة مطالبة بتوفير مناصب الشغل لشباب معظمهم من ضحايا الهدر المدرسي، مما يفرض تمكينهم من فرصة ثانية في معاهد التكوين المهني”.
واعتبر مزي معضلة توفير فرص الشغل لشباب هذه المنطقة، التي تعج بسكان يعانون من الهشاشة والإقصاء الاقتصادي، أمانة في عنق الحكومة وجماعة مراكش ومجلس مقاطعة هذه المنطقة، مضيفا أن عليهم أن يلتفتوا إلى هذا التجمع السكني الذي يشكو منذ زمان من التهميش.
التنمية والمنتخبون
لمعرفة المشاريع والبرامج التي وضعت من طرف جماعة مراكش ومجلس مقاطعة سيدي يوسف وغرفة التجارة والصناعة والخدمات، بعد مرور سنة على انتخاب هذه المؤسسات التي يفترض فيها أن تكون محركا للتنمية المحلية، كما تنص على ذلك كل التوجيهات الملكية، اتصلت هسبريس بالنائب الأول لفاطمة الزهراء المنصوري، محمد الإدريسي، فأحالها على مهندس التخطيط بالبلدية، كما اتصلت بمحمد نكيل، رئيس المقاطعة، وعبد المولى البلوطي، النائب الأول للغرفة المذكورة، لكنهم لم يستجيبوا لاتصالاتها المتكررة.
وعلى إثر صمت المسؤولين المحليين، ربطت هسبريس الاتصال بعبد العزيز دريوش، أحد النواب البرلمانيين عن دائرة سيدي يوسف بن علي المدينة العتيقة، فصرح لها قائلا: “تعيش مراكش فرصة ذهبية للانطلاق، ففاطمة الزهراء المنصوري وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة ورئيسة المجلس الجماعي للمدينة الحمراء وبرلمانية بهذه الدائرة، وحزبها بيده مجلس الجهة ومقاطعة سيدي يوسف، وإذا لم تستفد خلال هذه الولاية الانتخابية فلن تحلم أبدا بأي مشروع تنموي”.
تعزيز البنية التحتية
وبخصوص الحلول الممكنة لتقليص نسبة بطالة الشباب بهذه المقاطعة، اقترح دريوش “إحداث منطقة صناعية للنسيج وللصناعة التقليدية وأخرى خدماتية، لأن أنشطة الدرجة الثالثة والمؤسسات السياحية بسيدي يوسف بن علي وبالمنطقة السياحية أكدال المجاورة غير كافية”. ونبه إلى كون “معهد التكوين اليتيم بهذه المقاطعة متخصص في السياحة، لذا وجب تعزيزه بمعاهد للتكوين في مجالات مهنية أخرى”.
ومن أجل تحقيق التنمية المحلية بمقاطعة سيدي يوسف بن علي، طالب البرلماني دريوش بـ”العناية بالبنية التحتية عبر فتح خطوط طرقية مدارية، تمر من هذه المقاطعة إلى طريق الدار البيضاء، مرورا بالطريق الثنائية بدار التونسي، والبحث عن العقار من خلال المعاوضة، وتهيئة واد إسيل من أجل توفير فضاء لإحداث مناطق للأنشطة الاقتصادية”.
الذكاء الاصطناعي هو الحل
توفيق أبو الضياء، أحد مؤسسي حاضنة المقاولات الناشئة الذكية، أكد أن فلسفة توفير فرص الشغل يجب أن تتغير، وتتحول من التصور الكلاسيكي إلى رؤية تستحضر مستجدات الذكاء الاصطناعي، بإحداث حي للصناعة الثقافية الإبداعية، يضم التراث والحرف اليدوية والتصميم والنشر وفنون الأداء والفنون التشكيلية وقطاعات الأفلام والتلفزيون والوسائط المتعددة والألعاب والرياضات الإلكترونية، التي تعتبر من المحفزات الرئيسية للنمو والتنوع الاقتصادي والاجتماعي.
وأضاف أبو الضياء، في تصريح لهسبريس، “مثل هذه المقاطعة المجاورة لجماعة تسلطانت، التي تتوفر على أراض وضيعات فلاحية، يمكن ضمان تنميتها من خلال مشروع “الجيل الأخضر للمغرب”، الذي يهدف إلى جعل الأنشطة الفلاحية الرقمية والذكية مدرة للدخل بشكل أكبر، تفعيلا وتنزيلا لاستراتيجية وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، الرامية إلى خلق جيل جديد من الشباب المقاول، بدعم مالي يقدر بـ3 مليارات درهم”.
وتابع قائلا: “الفلاحة يمكن أن تكون فضاء يوفر فرص الشغل لشباب سيدي يوسف بن علي، من خلال التوجه إلى قطاع خدمات مرتبط بالاقتصاد الفلاحي، من قبيل النقل والتعبئة والتغليف والاستشارة”، مشيرا إلى أنه يمكن “بدعم من الجماعة المحلية أو مجلس المقاطعة إحداث حاضنة تعلم الشباب كيفية بناء مشاريعهم في ظل توفير الدولة للتمويل”.
ومن أجل دعم الشباب وإنارة طريقهم لشق مسار يضمن لهم لقمة العيش، اقترح أبو الضياء على المجتمع المدني القيام بجولات لهذه الفئة بالأحياء الصناعية من الدرجة الأولى، والمنشآت الصناعية والمشاريع الناجحة لاستلهام الطاقة الإيجابية”. كما أشار إلى أن “الصناعة الرقمية يمكن ولوج مجالها من خلال تعلم الترميز والبرمجة، مما سيمكن الشباب من إحداث مشاريعهم من أي مكان، لأن معظم الشركات تبحث عن البرمجيات”.
بطاقة الشباب
أعلن وزير الشباب والثقافة والاتصال محمد مهدي بن سعيد، مؤخرا، عن دخول جواز الشباب، الذي سيطلق قبل نهاية عام 2022 كأحد المشاريع الرئيسية لهذه الوزارة، مرحلته الأخيرة، مما سيسمح للشباب بالاستفادة من العديد من الخدمات ومساحات الوصول بسعر تفضيلي، والاستفادة من الخصومات على المنتجات التي يستهلكونها أكثر من غيرهم.
وتسعى هذه الوزارة إلى تغيير وظيفة مراكز الشباب بتقديم أنشطة وخدمات جديدة، إلى جانب وظيفتها كمساحات ترفيهية، وتجهيزها بالتقنيات اللازمة للتدريب على المهن الرقمية الجديدة والثقافة العامة والتبادلات مع العالم، لتتحول إلى أماكن للتدريب وريادة الأعمال، بتنسيق مع العديد من الهياكل الدولية لتشجيع التدريب، لفائدة الشباب الذين يوجدون خارج المدرسة ولا يملكون أي تدريب، وكذا العاطلين عن العمل، لإدماجهم في المجتمع وسوق العمل.
قد يهمك ايضاً
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر