فكك المكتب المركزي للأبحاث القضائية، يوم الثلاثاء الماضي، في جماعة سيدي الزوين، نواحي مدينة مراكش، خلية إرهابية جديدة، موالية لما يسمى تنظيم “الدولة الإسلامية”، تتكون من 4 متطرفين تتراوح أعمارهم ما بين 22 و28 سنة، وكان زعيمها يراهن على تنفيذ أجندات التنظيمات الإرهابية الدولية لضرب أهداف ومشاريع داخل المملكة المغربية، ما مكن من إجهاض المخططات التخريبية التي تحدق بأمن واستقرارها، حسب مضمون بلاغ لـ”BCIJ”.
يقع هذا الحدث الخطير بجماعة ترابية قروية توجد على بعد 36 كيلومترا غرب المدينة الحمراء، وتضم مدرسة سيدي الزوين للتعليم الأصيل أو كما يطلق عليها محليا “سيد الزوين”، التي تجاوزت شهرتها الحدود الوطنية، لتصير منذ 190 سنة فضاء متميزا للقاءات بين علماء كبار والمتعلمين الراغبين في تطوير مداركهم في العلوم الشرعية.
فكيف لمنطقة كانت تحتضن حفظة القرآن الكريم ومقرا للعلم والعلماء أن تتحول إلى نقطة تضم بين أحيائها خلية متطرفة؟ وبأي معنى يمكن الحديث عن ظهور هذه الفئة بعد تجربة تفجيرات الدار البيضاء؟ وإذا كانت السلطات الأمنية المغربية استنتجت أن حركة السلفية الجهادية توظف الأحياء السكنية الشعبية وتتغلغل بين ساكنيها، فما حظ سيد الزوين من التنمية؟ وهل مازال هذا المجال الجغرافي فضاء خاصا لتخريج الحفاظ المتقنين لمختلف قراءات القرآن الكريم، أم إنه فقد دوره الراسخ في العلوم الشرعية واللغوية وعلم القراءات؟.
التنمية والعيش الكريم
بعد تجربة التفجيرات التي ضربت مدينة الدار البيضاء سنتي 2003 و2007 ومراكش سنة 2011، خلصت الدولة المغربية إلى أن المقاربة الأمنية وحدها لا يمكن أن تنفع في محاربة فكر التطرف، لأن هذه التيارات تجد ضالتها في الأحياء السكنية الشعبية وتتغلغل بين ساكنيها، وتتقرب من ذوي الحاجة من الفقراء وتمدهم بالمساعدات المادية لجلبهم إلى دوائر المتعاطفين مع هذه التنظيمات؛ لذا وجبت تنمية المدن والقرى، وتوفير شروط العيش الكريم للمواطنين، فهل استفادت جماعة سيد الزوين من هذه التوصية؟.
أكد عبد الجليل الزويني بن محمد، أحد حفدة شيخ سيد الزوين، أن شرفاء المنطقة يستنكرون هذا التوجه المتطرف، مضيفا: “صدمنا بما رأته أعيننا من آليات وحشد أمني يوم الثلاثاء، في وقت دأبت قريتنا على الاصطفاف احتفاء بالعلماء وحفظة القرآن الكريم، تكريما لهم..ما وقع لا علاقة لنا به من قريب ولا من بعيد”، وزاد: “كل الشرفاء والشريفات يتبرؤون من هذا الفعل الجرمي”.
وفي تصريحه لوسائل إعلامية أوضح المتحدث نفسه أن “زاوية سيد الزوين فقدت هويتها ودورها بعدما عرفت هجرة من مناطق أخرى، فتوسعت الأحياء ونشأت تجمعات تفتقر إلى أدنى شروط العيش الكريم”، مشيرا إلى أن “طلبة مدرسة سيد الزوين وسكان المنطقة تألموا كثيرا لما وقع، لما لهم من علاقة وطيدة بالأسرة الملكية منذ الحسن الأول إلى عهد الملك محمد السادس، مرورا بالمرحومين محمد الخامس والحسن الثاني”.
وعن المدرسة القرآنية قال الزويني: “تعد هذه المؤسسة العلمية التي تقع بالقرب من ضريح الولي الصالح سيد الزوين معلمة معمارية فريدة، ساهمت في نشر قيم الإسلام السمح والوسطي، القائم على المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية، وصون وتوطيد التراث الإسلامي والهوية المغربية”.
مدينة العلم والفقه
مراد بلفقيه، الكاتب العام لنادي اتحاد سيد الزوين لكرة القدم، أكد هو الآخر أن سيد الزوين مدينة للعلم والتاريخ، وزاد: “لا يمكن لكل من ترعرع بهذه الرقعة الشريفة إلا أن يقف بكل إجلال واعتزاز ليقول للعالم إن هذه بلاد العلم والقرآن، أرض طالما أنجبت ومازالت خيرة الطاقات والكفاءات في كل المجالات، بلاد تخرج منها الطلبة فصار منهم اليوم المعلم والدكتور والمهندس والقاضي والفقيه المبرز، والعالم اللغوي المشهور والقارئ المتقن المجود، لذلك فهي عامرة بالإرث الثقافي والتاريخي العريق الذي تمتد جذوره إلى مئات السنين”.
وأردف بلفقيه في تصريح لوسائل إعلامية: “هذه الرقعة الجغرافية أرض مباركة مهما يقع فيها من مشاكل وانحرافات تبقى نشازا لا عبرة بها ولا يبنى عليها حكم أو تؤصل بموجبها قاعدة، فكما يقال: الشاذ لا حكم له”، مشيرا إلى أن “مناقب وسير الشخصيات البارزة التي ولدت وترعرعت في منطقة سيد الزوين كثيرة وتعجز عن عدها الأقلام؛ ولا غرابة في ذلك، فالمنطقة اليوم تعرف حركة شبابية قوية وبارزة في مجموعة من المجالات الرياضية والفنية والثقافية وغيرها رغم كل الإكراهات والظروف”.
“إننا نرى واقع الشباب اليوم في منطقة سيد الزوين الشريفة، ونعلم حال التهميش والإقصاء الذي تعاني منه هذه الشريحة العريضة، ونرى ولا ننكر أن هناك من استهوته الشياطين إلى براثن المخدرات والخمور والانحراف فضاعت أحلامهم وأمانيهم في أودية الضياع وسلاسل الشهوات الفانية، ونرى أيضا من الشباب من يكافح ويناضل ويصارع من أجل لقمة العيش والعيش الكريم، ونرى من تحركه عاطفة الدين ويحمل هم الدعوة إلى طريق الله بالحكمة، فبين مخطئ تارة وبين مصيب في كثير من الأحيان لا بد أن يكون لهامش السقوط نصيب ولا عصمة إلا لرسول الله ولا كمال إلا لرب العالمين”، يورد بلفقيه.
وشدد الفاعل الرياضي على أن “سكان هذه الجماعة الترابية ينكرون التطرف الفكري والعمل الإرهابي، ولا يمكن أن نعطي مبررات لأي فكرة أو فعل يسعى إلى زعزعة الاستقرار وإرهاب الآمنين، وأيضا لا يمكن أن نقبل وجود الانحرافات الأخلاقية والسلوكية التي تدمر المجتمع وتنشر فيه الفحش والرذيلة والمخدرات”، ثم تساءل: “لكن ماذا أعددنا للشباب من البرامج الفكرية والثقافية والرياضية وغيرها مما يجعل فكرهم ينفتح على النقاش الهادف والحوار البناء؟ ماذا وضعنا لهذه الفئة من مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تساهم في بناء ذات الشاب المستقلة الفاعلة المساهمة، بدل إحساسها بالدونية والتهميش ثم التفكير في الانتقام أو الانسحاب السلبي من الواقع ككل؟”.
“لنكن واضحين مع أنفسنا ولو لمرة واحدة ونقول إننا فعلا فشلنا في جعل منطقة سيد الزوين تتفاءل بالمستقبل أو تحلم بغد مشرق أو تتطلع إلى فتات التنمية الذي تعيشه العديد من مناطق المملكة”، يورد مراد بلفقيه، الذي وجه سؤال مؤرقا إلى الجهات المسؤولية عن تنمية المنطقة، قائلا: “من يستطيع اليوم أن يحدثنا عن البرامج المستقبلية التي يرسمها لهذه المنطقة الشريفة؟ ومن بإمكانه أن يقول لنا عن تصوره للثقافة والرياضة؟ وعن الاقتصاد والمرأة؟ عن السياحة والانفتاح على الجماعات المجاورة والشراكات؟ كبرامج كفيلة بمحاربة الانحرافات الفكرية والسلوكية، وتحمينا من الارتماء في أحضان المخدرات أو البحث عن صناعة المتفجرات”.
وزاد بلفقيه: “باستثناء هذه المدرسة التي لها انشغال كبير يتمثل في تمكين الطلبة من التميز والقدرة على مواكبة التحولات الطارئة على الصعيد العالمي، فنحن نعيش في ظل غياب تام للمرافق الرياضية والاجتماعية والترفيهية، لتبقى فئة الشباب معرضة للضياع”، مردفا بأن “حرمان الشباب من الاستفادة من هذا الفضاء الترفيهي يعرقل تنمية مهاراتهم، وينعكس سلبا على نموهم السليم”، وخاتما بأن “المنطقة في حاجة إلى مركب متعدد الاختصاصات”.
قد يهمك ايضاً :
انعقاد مجلس الحكومة مساء اليوم الأحد
برلمانيون عرب يشيدون بريادة الملك في مجال الهجرة
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر