القاهره ـ المغرب اليوم
حليب بالميلامين، ملفوف بالفورمول، حساء بالجرذان، خضار بمبيدات الحشرات... تتوالى الفضائح الغذائية في بلد عانى الأمرين ولم ينسَ المجاعة وفظائعها حتى الآن.
بات الشعب الصيني يدرك اليوم انّ المواد الغذائية التي تُقدَّم له فاسدة وانّ الأراضي الزراعية الموبوءة تطيح بصحته لما تطرحه من منتوجات طافحة بالسموم ومبيدات الحشرات...
يكاد لا يمرّ يومٌ من دون أن يكتشف الصينيون أهوالاً جديدة في أطباقهم. "عندما علمتُ انهم يستخدمون الجلود لصناعة اللبن غضبتُ كثيراً" قال كزي جيانغو خلال البرنامج الحواري التلفزيوني BEJING TALKSHOW في إشارة الى فضيحة ألبان جديدة.
وأضاف قائلاً: "لدينا الكثير من الفقراء في هذا البلد لمَ لا يستعملون الجلد لصناعة الاشياء المفيدة مثل الواقي الذكري او الأرز؟".
وعند الاستماع لكلام كزي، إنفجر الجمهور ضاحكاً.
ولأنّ الشعب الصيني عاجز امام الفضائح الغذائية التي تنغّص عيشه، آثر "أخذ" الأمور بالضحك والهزال. ولأنّ الاستياء عارم فإنّ الحكومة تعمل على امتصاص حنق الشعب وتحاول ضبط الغش والفلتان الغذائي، ناهيك عن المشكلة البيئية الكبيرة التي تهدّد حياة الصينيين وهي التلوّث الجوي الذي بلغ أقصى الدرجات. بَيد انّ وضع الأراضي الزراعية ليس أفضل لأنها غدت تشتمل على سموم كيماوية ومبيدات حشرات بنسبة أكبر من التراب وتشكِّل تهديداً سافراً سيؤدي قريباً الى عجز الفلاحين عن مواجهة احتياجات الشعب الصيني الغذائية الآخذة في الإزدياد.
رافيولي بنكهة مبيدات الصراصير
لا يعدم المهرّبون وسيلة لاستنباط منتجات غذائية جديدة تتحدى قوانين الطبيعة. واللائحة طويلة جداً إذ هناك البيض بالبارافين، والرافيولي بمبيدات الحشرات، ولحم الخنزير المطهو في زيوت نفطية يرافقه الملفوف بالفورمول والأرز البلاستيكي والفطر المبيَّض بماء الجافيل، وصولاً الى اللبن بالميلانين والبطيخ المتفجِّر.
وكلّ هذه الاصناف تُختتم بفنجان من الشاي المشبّع بالسم الزعاف. في عام 2008 قتل الحليب بالميلانين 6 اطفال وأسقم 300 الف ولد أصيبوا بأمراض مزمنة
ويستخدم الغشّاشون الميلانين لرفع نسبة البروتين اصطناعياً في الحليب. وحُكم على صاحبة شركة ألبان بالسجن مدى الحياة. علماً انّ ذلك لم يمنع ظهور فضيحة حليب جديدة من انتاج علامة تجارية صينية شهيرة هي "ييلي". وعلَّق احد الاساتذة في جامعة بيكين قائلاً: "زوجتي وأنا لا نريد إنجاب الاطفال فصوَر حديثي الولادة المشوَّهين، لا تحمِّسنا على الانجاب لأننا لا نريد أن نصبح مثل اصدقاء لنا يسافرون الى هونغ كونغ واوروبا لشراء كميات كبيرة من حليب البودرة لإطعام اطفالهم لانّ اسعار الحليب غير المسموم في الصين مرتفعة جداً ولا نستطيع تحمل نفقاتها علماً اننا لا نثق بها".
وفي شهر أيار 2012، كشفت وكالة الصحافة الصينية الرسمية انّ تجَّار الخضار عمدوا الى دهن الملفوف بمادة الفورمول الزهيدة الثمن والتي تتسبب بالحساسية والسرطان لأنها تحول دون اهتراء الملفوف في فصل الصيف اثناء شحنه في مركبات غير مبرَّدة.
وحسب مصادر اعلامية، إنّ التقنية هذه منتشرة على نطاق واسع في شاندونغ كذلك هناك تجار يغطّسون الفطر في ماء الجافيل لتبييضه قبل بيعه.
تحويل البطيخ الى متفجرات
في عام 2011، إعتقلت الشرطة 32 شخصاً لصنعهم زيتاً مغشوشاً مستخلصاً من مزاريب المطاعم. وحسب بعض المصادر انّ 10 في المئة من الزيوت الموزعة في المتاجر، تُجمع من مزاريب المطاعم ونفاياتها.
وفي عام 2013 اعتقلت الشرطة اكثر من 90 تاجراً في ضواحي شانغهاي لبيعهم لحم الجرذان والثعالب على انه لحم ضأن أو بقر.
ولقد حقق بيع لحم الجرذان وحده ارباحاً وصلت حتى مليار و600 مليون دولار. ولا ينفك الغشاشون يستنبطون تقنيات جديدة، مثلاً حقن لحم الخنزير ببول الثيران لمنحه مذاق لحوم البقر، كذلك يحقنون اللحوم الأخرى بالمياه الآسنة والنتنة لتتضخّم ويزداد وزنها وسعرها.
وازاء الفلتان والغش الغذائي الذي يطيح بالصحة، وقف الطالب هو هانغ ابن الـ27 ربيعاً وأعلن "الحرب على الطعام" فهو كان مولعاً بحساء لحم البقر الذي كان يتناوله في مطعم قريب من جامعته بمبلغ لا يزيد عن اليورو والنصف ويصفه قائلاً: "إنه مبلغ زهيد ورغم ذلك كان مليئاً بلحم البقر" الى ان افتُضح الأمر واكتشف انّ اللحم الذي كان يستسيغه كان كناية عن لحم خنزير محقون بمادة البوراكس وملوّن بمادة "سودان" المسرطنة. فلام نفسه كونه كان يأكل من هذا الصنف البخس الثمن. ولم يتردّد المزارعون لزيادة مداخيلهم في نفخ الفاكهة والخضار التي ينتجونها، فبعد ري التجار البطيخ بمادة تسرِّع نموه، انفجر لعدم قدرته على امتصاص مواد أكثر من طاقته.
ويضاف الى الكوارث الغذائية هذه "الأرز الهجين" الإصطناعي ورغم ذلك يملأ رفوف المتاجر والسوبرماركت.
ولا بدّ من الإشارة الى انّ الهرمونات منتشرة على نطاق واسع في الصين فالدجاج ينمو في ظرف 28 يوماً بدلاً من 6 اشهر، وكذلك بالنسبة للخضار، والنتيجة؟ كوارث صحية لا تُحصى. حتى إنّ طفلة في الثالثة من عمرها بدأت تحيض مبكراً بسبب تناولها الفريز المحقون بالهرمونات.
وتحاول الحكومة إنقاذ الشعب الصيني من البؤس الغذائي الذي يتخبط فيه منذ 30 عاماً. وتخشى في المقابل أن يحدث نقصاً في إنتاج المواد الغذائية، لأنّ من شأن ذلك التسبّب بأزمات أشدّ وأدهى من الغش. ويقول تشنغ فانشان أستاذ الاقتصاد في جامعة بكين انّ في الماضي ركَّز المزارعون على النوعية اما اليوم فالتركيز على الكمية التي تدرّ المال الوفير.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر