رحلة فريدة من نوعها تلك التي قام بها الرحالة بوطليك عبد الرحيم، 61 سنة؛ إذ جال المغرب على الأقدام في محاولة لإيصال صوته والتعبير عن دعمه للقضية الوطنية، وهي الرحلة التي لم يحصل خلالها على أي دعم، بل خاضها بميزانية ستين درهما وحذاء رياضي مهترئ وقنينتي ماء وبذلة سروالها ممنوح من طرف أحد الأشخاص.
انطلقت رحلة عبد الرحيم يوم 18 نوفمبر 2019، تزامنا مع عيد الاستقلال، من ولاية جهة الدار البيضاء في اتجاه المحيط الأطلسي إلى الأقاليم الجنوبية ثم الأقاليم الشرقية فالحدود مع الجزائر، ودامت أربعة أشهر و24 يوما، نال خلالها صبرا وعزيمة وتوقيعات على دفتر تذكاري من كل جهات البلاد.
يروي عبد الرحيم تفاصيل رحلته الشاقة لهسبريس قائلا إن التفكير فيها راوده منذ أن عاش البطالة عقب فقدان عمله كمساعد لمدرب ملاكمة؛ فحينها لم يعد يملك ما يسد به جوع طفله وزوجته، وهو ما اضطره إلى نقلهما إلى بيت الأهل نواحي ورزازات ليعود هو لتنفيذ فكرته، معتمدا فقط على خبرته التي اكتسبها من رحلات قديمة على الأقدام.
رحلة التحضير للرحلة كانت شاقة بالنسبة لعبد الرحيم؛ فقد حاول الحصول على دعم من الجهات الرسمية لكن دون فائدة؛ إذ لقيت طلباته بابا مسدودا، فاعتمد على إمكاناته الخاصة وهو الذي لم يكن يملك خلال تلك الفترة حتى مكانا يبيت فيه مما اضطره إلى اللجوء عند حارس سيارات ليلي اشترط عليه المغادرة قبيل الفجر حتى لا يكتشف أمره.
رغم الظروف والصعوبات وقلة الحيلة، قرر عبد الرحيم الانطلاق في رحلته بإمكانياته الخاصة، وهي الرحلة التي يقول عنها إنها كانت شاقة وقاسية وممتعة في آن واحد، موردا: "اكتشفت بعض جهات المغرب وأن به بعض المعالم غير مذكورة حتى في البرامج (الإعلامية)؛ فالمغرب موسوعة كبيرة والمغاربة رجال الكرم".
وتابع: "رحلة فيها مغامرة، كنت وحيدا، وكانت فيها مشقات وقساوة الطبيعة، إلا أن المواطن كريم كيفما كان مستواه، عشت في بعض المراحل كثيرا من المعاناة بالنسبة لقلة المعونة وقلة الأشياء الأساسية للرحلة، لكن كلما جلت في المغرب كنت أزداد قوة وحماسا، ومن خلال المبيت في البراري تغذت لدي غريزة عدم الخوف".
ووجه عبد الرحيم رسالة خاصة إلى المغاربة قائلا: "أول الكلام للمواطن الكريم في ربوع المغرب الحبيب، لا بد أن تتنقل في المغرب وترى ما تزخر به البلاد؛ فهناك أشياء يمكن أن تكون فيالمملكة لا توجد في بلدان أجنبية، هناك كنوز خفية لا يكتشفها سوى المتنقل في مختلف أرجاء المملكة"، مشيدا بالجانب الأمني، فـ"المغرب بلد أمان واستقرار".
حلم كبير استطاع عبد الرحيم تحقيقه بدون أي مساعدة، قائلا: "تشبثت بغريزة تنفيذ القرار ولو بالماء والخبز واتكلت على الإله وسارت المسيرة، كان في فمي بضعة أسنان أزلتها خلال الرحلة، تحملت كل الصدمات ولم أرغب في العودة، هناك ساعات تحس فيها باليأس لكن تحملتها وأردت العودة بنتيجة".
وأورد أنه اختار لرحلته أن تتزامن انطلاقتها مع عيد الاستقلال تعبيرا عن دعمه للقضية الوطنية، وتأييدا للحكم الذاتي.
بعد العودة إلى الدار البيضاء، لم يتلق عبد الرحيم أي ترحيب أو تشجيع، بل يعيش اليوم أزمة خاصة نظرا لضعف حالته المادية؛ إذ بات ملزما بإفراغ البيت الذي يكتريه بعد أن تعذر عليه أداء ثمنه، وباتت صحته تتدهور يوما عن يوم دون أن يتوفر له ثمن العلاج.
"أبيع ملابسي للعلاج، وأطمع في ما تبقى لي في هذه الحياة أن ألتقي بابني وأمه، فهما لا يعرفان ما إن كنت حيا أو ميتا، وأخشى أن أموت دون لقائهما"، يقول عبد الرحيم في ختام لقائه بهسبريس.
قد يهمك ايضا :
حكايات الرحالة البرتغالي "إيسا دي كيروش" عن افتتاح قناة السويس
قبل صدورها ورقيًا تسريب ترجمة رواية "رحالة" لأولجا توكارتشوك
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر