لا ينقص حنان لشهب الإصرار أو العزيمة لتشق طريقها الخاص في العمل الجمعوي؛ وكلامها الرزين ومهارتها العالية في الترافع يغنيان رصيدها.
ورغم قسوة الظروف التي عاشتها، بعزيمة قوية تواصل هذه القروية، المعروفة في الأوساط المحلية بإقليم وزان بـ"ملكة العمل الجمعوي"، اشتغالها كمؤسسة ورئيسة لإحدى أنجح التعاونيات بالإقليم وبجهة طنجة تطوان الحسيمة: المجموعة ذات النفع الاقتصادي "نساء الريف"، التي رأت النور سنة 2001 وتضم 9 تعاونيات نسوية موزعة على 5 جماعات ترابية، اتخذت من شجرة الزيتون موضوعا لاشتغالها، بهدف تحسين جودة زيت العود وتوفير دخل فردي قار لنساء جماعة عين بيضاء والمداشر المجاورة لها.
حنان من اللواتي عشن مرحلة الطفولة والصبا بالبادية، وتحمل كغيرها من النساء آمالا وطموحات لوضع بصمتها في مغرب اليوم..هي نموذج للمرأة المغربية القروية الناجحة التي تحرص بصمت وراء الكواليس على رسم صورة مشرقة ومشرفة لها ولبنات جنسها من خلال اقتحامها مجال العمل الجمعوي، وزيت الزيتون خصوصا؛ ذلك المجال الذي ظل عصيا على الأيادي الناعمة، إلا في حالات قليلة، وظل حكرا على الرجال على مدى العصور.
تحمل حنان هموم المرأة القروية وكلها أمل في نحت اسمها ضمن قائمة الفاعلات الجمعويات. ولم تتصور ابنة الـ39 ربيعا أن حلمها دخول العمل الجمعوي سيكلل بلقاء الملك، وحصد جوائز وشواهد تقديرية تثمن مجهودات الفتاة القروية؛ فهي لم ولن تندم يوما على مواكبتها لعمل النساء داخل تعاونيات، معتبرة المسيرة تراكما لتجارب وصعوبات ممزوجة بالفرح والحزن، تختلط فيها أحاسيس الفخر والرضى.
بعد نيلها شهادة الباكالوريا، أبت ابنة البادية إلا أن تستقر بمنطقتها عين بيضاء ضواحي مدينة وزان، لتبقى قريبة من هموم بنات جنسها، وتبحث عن سبل لتحقيق تنمية منطقتها ودائرة مقريصات عموما، قصد تحسين دخل لنساء الريف؛ وهو ما جعلها تختار إكمال مسيرتها الدراسية في مجال تسيير وتدبير المقاولات.
"سنة 2001 جاءت فكرة مشروع يهدف إلى تحسين جودة زيت الزيتون بالمغرب، وهي الفكرة التي رأت النور بناء على دراسة جرت على مستوى جهات المملكة، أبانت عن وجود إنتاج مرتفع بمنطقتي وزان وشفشاون؛ غير أن معايير الجودة ظلت غائبة عن "زيت العود" بالجماعات القروية، ليتقرر اختيار العنصر النسوي كفئة مستهدفة من هذا المشروع، بحكم أن المرأة تشتغل على الشجرة المباركة أكثر من الرجل"، تقول حنان.
هي "ملكة" تعتلي عرش القرية المغربية..لم تجلس حنان القرفصاء قرب النهر لغسل الملابس المتسخة، ولم تجلب الحطب لطهي الخبز تحت حرارة الشمس الملتهبة...تمارس الرعي حتى يداهمها المخاض في الحقل فتنجب البنين والبنات؛ بل اختارت دخول غمار العمل الجمعوي كقاطرة للتنمية في إطار الأنشطة الفلاحية المدرة للدخل، رغبة منها في تغيير الصورة النمطية عن المرأة القروية المحرومة من حقوقها الإنسانية؛ فالأساسي في الأرياف، تقول حنان، "هو التنمية، التي تعد مفتاح العيش الكريم لكل أفراد الجماعة الصغيرة - الأسرة- والجماعة الكبيرة - المجتمع-".
ولوج حنان مجال العمل التعاوني والجمعوي جاء لولَعها بمجال الفلاحة منذ نعومة أظافرها، لكن البداية كانت صعبة ومليئة بالعراقيل؛ "لاسيما أن النساء في المنطقة يتميّزن بطابعهن المُحافظ، ويصعب إقناعهن بالانخراط في ذلك"، تقول حنان، وتضيف: "إلى جانب غياب الخبرة لديهن في تسيير مثل الأمور، وما تتطلّبه من جهد للتوفيق بينها وبين الواجب الأسري، مع ضرورة رفع رهان إنجاح التعاونية وتلبية آمال النساء المنخرطات".
ولأن المشروع يهدف إلى الحصول على زيت الزيتون البكر الممتازة extra vierge، تضيف المتحدثة، فقد خصصت التعاونية السنة الأولى لتكوين المستفيدات، وتبادل المعلومات والخبرات في المجال، لتعبد طريقها نحو العمل وتراكم النجاحات.
لم تذهب مجهودات "نساء الريف" ونساء وزان سدى، فقد حصدت التعاونية مجموعة من الشهادات، أهمها الشهادة البيولوجية التي حققتها سنة 2006، والتي تقر بجودة زيت الزيتون التي تنتجها extra vierge وخلوها من المواد الكيمائية؛ تلتها جائزة أخرى في مسارها سنة 2007، متغلبة على شركات كبيرة ناشطة في المجال، حسب لشهب.
"قد يرى البعض المجال الفلاحي رجوليا"، تقول حنان، مؤكدة أن المرأة هي من تشتغل أكثر على الشجرة، وزادت: "تحدينا بزاف ديال العراقيل، لكن بالصبر والمثابرة حققنا الأهداف، ومازالت الطريق طويلة لنراكم نجاحات أخرى".
"بصراحة لقيت راسي وراحتي في العمل الجمعوي رفقة النساء القرويات المناضلات"، تقول لشهب بعفوية قل نظيرها، مشيرة إلى كون التعاونية "توفر حاليا دخلا قارا لأزيد من 300 امرأة".."والقادم أجمل"، تختم رئيسة مجموعة ذات النفع الاقتصادي "نساء الريف"، المتواجدة بجماعة عين بيضاء ضواحي وزان.
نقلًا عن جريدة هيبسريس
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر