قال فوزي بنسعيدي، المخرج المغربي، إن مواضيع بعض الأفلام التي تتناول قضية "المرأة ضحية المجتمع الذكوري" تستجيب لما يشبه دفاتر تحمّلات بشكل غير رسمي بين الجنوب والشمال، رغم أنها أفلام لم تكن جميلة في تصويرها.
وأضاف بنسعيدي في "ماستر كلاس"، الذي نُظّم الأحد ضمن فعاليّات مهرجان "كاملين" بقاعة مسرح علال الفاسي بالعاصمة الرباط، أن دافع إعداد الأفلام يجب أن يكون هو الحب والإعجاب والغضب، معطيا مثالا بوضعية المرأة في أفلامه، التي كانت أكثر قسوة مع ابنها من جدّه في فيلم "ألف شهر"، كما كانت شجاعتها أكبر من صديق زوجها، الذي خطا خطوة إلى الوراء في الفيلم نفسه، وكانت شخصية غامضة جدا في "موت للبيع"؛ وهي اختيارات تهدف إلى احترام ذكاء النساء، وقدرتهن على فعل الجيد والسيء؛ لأن تقبّل المساواة يكون هكذا، يضيف بنسعيدي.
وتحدّث المخرج المغربي عن شخصيات فيلمه "يا لَهُ من عالم رائع"، التي ليس لديها أي رابط عائلي في مجتمع حديث يحتاج اعترافا بالفرد كآخر، وحرّيّته، وقارنَه بفيلمه الأخير "وليلي"، الذي يجد فيه الزوجان الحلّ في الذهاب وحيدين.
وقارن بنسعيدي بين فيلمه "ألف شهر"، الذي يصوّر مرحلة سنوات الرّصاص وتحضر فيه الدولة بقوّة، ويظهر فيه الالتزام السياسي للأب، وفيلمه "وليلي"، الذي يلاحظ فيه تراجع الدولة لصالح الخواص، وصراع الشخصيّات مع الرأسمالية، واستغلال الحميمي من طرف الاقتصادي، وهو ما يظهر أيضا في "موت للبيع"، الذي تُركت فيه الشخصيّات لأنفسها، وفيلم "What a wonderful world" الذي يبرز فيه الفرد داخل مجتمع لا يتركه ينمو خارج الجماعة والمجموعة والعائلة، التي تجرّه نحو الأسفل بعيدا عن استقلاليته.
وتأسّف فوزي بنسعيدي لعيش الجيل الجديد من المغاربة في عالم ينتظرون فيه "حدوث كارثة" في سنة 2030، بينما كانت الأجيال السابقة تعيش على أمل "عالم أفضل في مطلع سنة 2000"، وكانت، رغم صعوبة الأوضاع في سنوات الرصاص، ترى أن "اليوتوبيا" ممكنة، وأنه من الممكن الوصول إلى عالم أفضل؛ ولذلك كان الأساتذة، اليساريون غالبا، ملتزمين، وكانت دور الشباب تعرض أفلاما من أنحاء العالم.
اختفاء هذه الأحلام الطوباوية، يقول بنسعيدي، نتج عن خيبة تجسدها شخصية من شخصيات "وليلي" تؤدي دور نقابي سابق يُغرق خيبته في الخمر، وهو ما أدى إلى نشوء جيل غير سياسي (Apolitique) لِترعرعه في محيط لم يعد يهتم بالسياسة.
ويرى المخرج المغربي أن الإنسان إذا توفّر له إطار يُمَكِّنُهُ من إظهار أحسن ما فيه؛ سيَظْهَرُ أحسن ما فيه، ثم استدرك قائلا: "وإلا سيصبح الأمر مثل أدغال، أو برنامج من برامج "ناشيونال جيوغرافيك"؛ لأنه دون مجتمع يعمل ومدرسة تشتغل لا يمكن بناء إنسان طيّب".
وذكر مخرج "ألف شهر" أنه لا يعدّ أفلاما حول الناجحين لأن نجاحهم أمر جيّد، لكنه أمر لا يهُمُّه، مضيفا أنه يصوّر الشخصيات المجروحة، والمليئة بالدموع، و"الفاشلة"؛ نظرا لكون "الشخصيات الخارجة عن العادة هي الشخصيات السينمائية"، ولأن "الجمال لا يمكن أن يكون إلا قلقا في العالم الأقسى الذي يجذبه".
ووصف المخرج أفلامه بكونها "أفلاما ديمقراطية" نظرا إلى اهتمامها بشخصيات جانبية، ودخولها في تفاصيل حياتها؛ وهو ما لا يعجب المنتجين، الذين يَرَوْن أن الجمهور يريد أن يرى قصة شخصية واحدة يتابعها من أوّلها إلى آخرها.
واسترسل موضّحا أنه رغم هذا ركّز في "وليلي" بشكل أكبر على قصة الزوجين الحبيبين، عكس فيلم "ألف شهر"، الذي لم تكن فيه أي شخصية محورية.
واستحضر بنسعيدي يقينه بالعمل في السينما منذ سن الثانية عشرة، ولقاءَه بالمسرح، وتأثُّرَه بأُورسون ويلز وفيلمه "المواطن كين" Citizen Kane، والمجلة السينمائية التي كانت تضع السيناريو في صفحة، والمعلومات التقنية وصور الفيلم في الصفحة المقابلة، وهو ما دفعه إلى تخيّل الأفلام انطلاقا من صورها.
وأضاف أنه التقى بعد ذلك بأفلام الإيطاليين أمثال فيلليني الذي أثارته إنسانيته، وهيتشكوك الذي كان مدرسة كبيرة بالنسبة إليه، نظرا إلى تجربته وضبطه الرياضيّ للمَشَاهد.
وعن طريقته في الكتابة، ذكر المخرج المغربي أنه لا يكتب سيناريوهات أدبية، بل يكتب أفلاما كما يتصوّرُها في ذهنه، وهو ما تتيحه له هذه المهنة التي تخوّل للمخرج خلق العوالم، وتنظيمها، والتعبير عن قوة أسلوبه دون تكرار.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر