في خضمّ التطورات التكنولوجية الهائلة التي يعرفها العالم، وسيادة التقنية، دعا المفكر والفيلسوف والسيوسيولوجيى الفرنسي المعروف، إدغار موران، إلى الحفاظ على المعارف الإنسانية القديمة، باعتبارها أساس الطفرة العلمية التي يعرفها العالم اليوم.
وقال موران في مداخلة له ضمن الندوة الأولى من المنتدى العلمي الموازي لمهرجان فاس للموسيقى الروحية، صباح اليوم السبت، إنّ الحضارة الحديثة وما شهدته من تقدم صناعي هائل قوّضت ودمرت الثقافة القديمة، التي كانت سائدة في المحال القروي.
"علينا ألا ننظر إلى هذه الفتوحات التقنية الهائلة التي يشهدها العالم اليوم على أنها منفصلة عن الماضي، بل هي امتداد للمعارف الإنسانية القديمة، وبالتالي لا ينبغي إحداث القطيعة مع هذه المعارف، طالما أنها هي الأساس"، يقول الفيلسوف الفرنسي.
كما دعا موران إلى الحفاظ على التقاليد القديمة، وعدم تركها تأفل أمام مدّ الحداثة والعصرنة، ضاربا في هذا الإطار مثلا بالصناعة التقليدية التي تسير في طور الانقراض في البلدان المتقدمة، بعدما استبدل الحرفيون المنتجات التقليدية بالمنتجات الحديثة.
ودعا مورغان المغاربة إلى الحفاظ على الصناعة التقليدية، وخاصة في المدن العريقة المعروفة بهذا النوع من الصناعة، كمدينة فاس، قائلا إنها "تتّسم بكثير من الفنّية والابتكار والإبداع، رغم المسافة الفاصلة بين عصرنا الراهن المتطور وعصر أجدادنا".
وشدد الفيلسوف الفرنسي على ضرورة التوفيق بين الحداثة والتقليد؛ ففي مجال الطب، يقول المتحدث، هناك تطور كبير، لكن رغم هذا التطور، لا يجب أن نغفل الوصفات التي يعالَج بها المرضى اليوم المستخلصة من الطب التقليدي".
عدم التفريط في "الهوية القديمة"، كانت النقطة التي أنهت بها جاكلين سانسن، المسؤولة بالمكتبة الوطنية الفرنسية مداخلتها؛ فبعد أن استفاضت في التذكير بمنافع التقنية الحديثة في الحفاظ على الموروث الثقافي القديم، عبر رقمنة المخطوطات والكتب والصور، قالت إن المكتبة يجب أن تحافظ على هويتها الأصلية.
وأوضحت جاكلين، التي قضت أزيد من أربعين سنة من العمل في المكتبة الوطنية الفرنسية، أن التكنولوجيا الحديثة وإن باتت فارضة نفسها، وسهّلت مأمورية القرّاء والباحثين، فإن "العمل الذي يقوم به الإنسان داخل المكتبة يجب أن يكون هو السمة البارزة".
وأشارت المتحدثة ذاتها إلى أن "رقمنة عشرات الآلاف من المخطوطات النادرة المتوفرة في المكتبة الوطنية الفرنسية تطلب عملا جبارا من الموظفين العاملين في المكتبة، لكون المخطوطات تتطلب الاطلاع والتدقيق قبل رقمنتها ومنها مخطوطات حساسة يصعب لمس أوراقها".
واستعرض المغربي عبد الواحد بناصر، أستاذ التعليم العالي أحد الباحثين الذين اكتشفوا أقدم إنسان عاقل في جبل إيغود، أهمّ مراحل هذا الاكتشاف، وعدد من الاكتشافات الحفرية التي تم اكتشافها في هذه المنطقة من المغرب التي أضحت معروفة على الصعيد العالمي.
وأوضح بناصر في مداخلته ضمن الندوة التي ناقشت موضوع "من أين أتت معارف الأسلاف"، أن استقرار الإنسان القديم في جبل إيغود، واختياره لهذا الموقع الجغرافي، كان اختيارا محسوبا، لتوفير حاجاته من الغذاء من السَّهل الذي يطل عليه الجبل".
وتتواصل ندوات منتدى فاس المنظم على هامش مهرجان فاس للموسيقى الروحية، صباح غد الأحد في القاعة الكبرى لعمالة فاس، بندوة حول موضوع "طريقة ونطاق الحياة الاجتماعية"، على أن يختتم المنتدى بندوة أخرى صباح يوم الاثنين.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر