ؤكد القيادي في جماعة العدل والإحسان، محمد الحمداوي، أن "الجماعة لمْ يتغيّر فيها شيء بعْد وفاة المرشد والمؤسس عبد السلام ياسين"، فهي "تريد لهذا البلد العيش بكرامة، وخلاص البلد والأمة من الاستبداد والفساد، وإقامة مجتمع الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية".
وأشار عضو مجلس الإرشاد (أعلى هيئة تنظيمية داخل جماعة عبد السلام ياسين) إلى أن حكومة سعد الدين العثماني ضعيفة و"هينة"، مورداً في هذا السياق أن "الحكم يتجاوز العثماني والبرلمان والفاعلين السياسي لأن الإشكال في المغرب سياسيٌ؛ فليس هناك حكومة تحكم فعلياً لأن الذي يحكم هو المؤسسة الملكية ومستشارو الملك، وهو المحيط الذي يحكم فعلاً البلد"، وفق تعبيره.
وإليكم الجزء الثاني من الحوار:
دائماً خوضاً منا في أمور السياسة؛ ألا تعتقد أن حزب العدالة والتنمية يجْني اليوْمَ ضريبة "الإصلاح في ظل الاستقرار"؟
بعد سنة 2011 رُفعت شعاراتٌ كبيرةٌ حوْل الإصلاح وتعديل الدستور وإجراء انتخابات سابقة لأوانها وإشراك حزبٍ إسلامي في الحكم. وقتئذٍ كنا قد انتقدنا مسارَ السلطة، واعتبرناهُ غير صحيح لأننا كنا نؤمن، كما تظهر ذلك بياناتنا، بأنه لا يُمكن أن يأتي التغيير من جهة أُحادية، أي من قبل النظام فقط في غياب التوافق بين جميع الفرقاء حول دستور جديد يأتي بتغيير حقيقي في البلاد، كانت هناك ملاحظات في هذا السياق. على أيّ، أظنُّ أنَّ الزمن الآن كاف ليبين أن ما كنا نؤكد عليه قد بلغناه اليوم، السلطة استغلت الفرصة لكي يمُرَّ الربيع العربي وقْتها بتداعياته، والآن هناك توجه للعودة بالبلاد إلى ما قبل 2011.
مع الآسف، لحظة 2011 لمْ تجدْ أحزاباً قوية تنظرُ إلى المصلحة الوطنية بعينٍ دقيقةٍ جداً وتفرض رؤية حقيقية من أجل تغيير حقيقي في البلد.
(مقاطعاً) لكن حزب العدالة والتنمية الآن يقود الحكومة وهو على رأس الأغلبية منذ سنة 2012
قصدي من عدم وجود حزب قوي في الساحة هو من ناحية قوته السياسية في مفاوضة النظام، أي المؤسسة الملكية، هذا ما قصدت، لم أقصد أنه لم يكن قوياً (العدالة والتنمية) على المستوى الشعبي، فمعروف على الأحزاب الإسلامية امتلاكها لقواعد شعبية في كل الأقطار العربية؛ وهو أمر عاد وهذا معطى ثابت بالنسبة للتيارات الإسلامية، لكن نحنُ في تصوُّرنا لم تحنْ اللحظة لفرزٍ سياسيّ على أساس صناديق الاقتراع، لأن هناك مشاكل كبيرة، فالأوْلى الآن منطق التوافق حتى وإن كان سيدُوم سنوات عدة، بغرض إدماج كل كفاءات البلد، وننْظرُ إلى المستقبل بروح واحدة وبنفسٍ جماعي لا يقْصي أحدا، وذلك على أساس مبادئ الكرامة والحرية.
لنفترض أن الجماعة وصلتْ يوما ما إلى الحكم؛ كيف ستكون نظْرتها إلى الحريات الفردية مثلاً؟
أولا، جماعة العدل والإحسان ليستْ حزباً سياسياً، وانطلاقاً من مرْجعتيها الإسلامية وانطلاقاً من تصوُّرنا نحنُ للعمل الدعوي الإسلامي، فإننا ننطلقُ من شقَّين، شق دعوي تربوي وهو أساسي في المجتمع، وهناك شق سياسي نعتبرهُ أساسيا لأن دينا لا يهتمُّ بالشأن العام وبشأن الأمة لا خيْر فيه كيفما كان هذا الدين، فلا بد أن يكون هذا الاهتمام لما نسميه نحن الشق العدلي السياسي. كيف نتصور المستقبل؟
نحنُ نقول إنَّ هناك اختيارات سياسية في البلاد، هذا اشتراكي والآخر ليبرالي، كلٌّ له تصور مُعين حول نظام الحكم، لكن الضرورة تقتضي الآن التوافق حول المشترك لأننا نعيش في وطن تحت سقف واحد، وبالتالي لا يمكن للتيار الإسلامي أن يفرض شيئا على التيار الليبرالي والعكسُ صحيح. ولهذا، فإن المنطق الذي يحكم الجماعة هو أن نتفق جميعاً على شكل عقد أو ميثاق بخصوص الأمور الكبرى في البلاد، أما الأمور الجزئية التي يتحدث عنها الناس فهي ليست ذات أهمية، لأن الأهم هو العمل على ترسيخ نظام ديمقراطي قوي ونظام اقتصادي قوي حتى ينهض البلد من كبوته.
ليس هناك إشكال كبير حول الهوية في البلد؛ فغالبية المغاربة مسلمون وحتى غير المسلمين لهم حقوق في أن يعبدوا الله كما يشاؤون، وبالتالي ليست هناك إشكالات كبرى في المجال الهوياتي داخل البلد؛ ولذلك علينا أن ننصرف إلى ما هو مشترك من حولنا.
هل أفْهم من كلامك أن لا مُشكل لديكم مع الحريات الفردية واستهلاك الخمور؟
المسلم باعتباره مسلماً لا يحتاج لأحدٍ لكي يعطيه الدروس وأن يقول له هذا حلال وهذا حرام، فهو يعرف ما بينه وبين ربه من أمورٍ محرمة، وبالتالي فإن تدبير الأمور الكبرى التي تهم المجتمع يعود إلى الدولة، ولا يمكن أن تُترك لتدبير الأفراد والمجموعات، فعندما يتوافق المجتمع والسلطة في إطار القوانين على وضع معين، فينبغي على هذا الوضع أن يُحترم، ولكن أن يأتي فرد أو جماعة خارج القانون ويريد أن يطبق أشياء على الناس، فهذا لا أساس له في منطق الشرع وفي منطق التعايش العام.
ماذا عن حملة "كون راجل" التي انتشرتْ بشكلٍ واسع هذا الصيف؟
هذه أمور جزئية؛ هناك أطراف تريد أن تشغل المغاربة بأمور جزئية أو تافهة، ربما لا أدري هل لقصر نظر هذه الأطراف أو لنية أنها تشغل المغاربة في أمور جزئية ليس أوانها الآن، الأمور الأساسية التي ينبغي أن ينصرف إليها النظر هي مشاكل البطالة والتعليم الأمية، نحن في تقديرنا يجب أن نهتم بالأمور الكبرى لأن أمور الدين مبنية على الرضا وعلى الاقتناع، حيث هناك مبدأ في الإسلام "قلْ لا إكراه في الدين"، وبالتالي لا يمكن أن تكره الناس على أمور معينة.
وفي المغرب لا وجود لمشكل القناعة، أي مغربي تجد أخلاقه فاسدة عندما تحدثه عن الإسلام يقدره ويحترمه وله غيرة عن الدين، وهو بذلك غير محتاج أن يأتي أحد لكي يلزمه بشيء. هناك مشكل يتعلق بتقوية إيمانه بدينه، وهي سياقات تدفعه من تلقاء ذاته لكي يخشى الله ولا يطبق ما يرى أنه يخالف دينه.
لكن الوصول إلى مرحلة "الكمال" يقتضي المرور من مراحل مُتدرجة
نحنُ لا نُجرُّ إلى مثل هذه الأمور الجزئية ودين الناس يبنى على القناعات لا يبنى على الإكراه، فإذا اقتنعت تطبق تلقائياً ما تؤمن به، وأريد أن أؤكد أن الناس أحرار يثيرون ما يثيرون، سواء داخل مواقع التواصل الاجتماعي أو في غير ذلك، لكن الأمور الجزئية التي تشغل الناس عن الأمور الكبرى هذا لا ينبغي أن نلتفت إليه في تقديرنا، بل ينبغي أن نصبَّ الاهتمام على المشاكل الكبرى للبلد.
ماذا عن الدعوة إلى نظام الخلافة التي تشكل أحد الركائز الأدبية للجماعة؟
هذا الموضوع أثير حوله كلام أوانه لا يفي بذلك، إنه موضوع يهتم بتوحيد المسلمين في وقت معين وليس مطروحاً الآن في البلد، ما هو مطروح اليوم هو كيفية الخروج من المأزق الذي تعيشه البلاد ووضعها في السكة الصحيحة؛ هذا هو المطلوب الآن. أما النقاش في هذا الموضوع، فحتى هو من الأمور التي تريد أن تشغل الناس.
لكن هذه الدعوة حاضرة بقوة في أدبيات الجماعة؟
باعتبارك حركة إسلامية لا بد أن يكون لك مصدر واجتهادات في المجال السياسي، فالجانب النظري والفلسفي شيء، والجانب العملي الذي يلامس السياسة المباشرة شيء آخر، ولذلك ينبغي أن تثار فيه الأسئلة الكبرى التي تهم الإشكالات الموجودة الحالية، فاللبرالي يناقش من منظوره، والماركسي كذلك ينهلُ من أدبياته، لكن عندما نتوحد تحت سقفٍ واحدٍ، فإن على الأطراف أن تتفق على نموذج يرضي الجميع ويجيب على حاجيات المجتمع ويحترم هويته.
مرت سنوات على وفاة عبد السلام ياسين، ماذا تغيَّر في الجماعة؟
بعد وفاة الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، الجماعة واصلت المسير كما ترى، الناس كانوا يتصورن أن الجماعة يحكمها فرد واحد هو الأستاذ عبد السلام ياسين، وكانوا يتصورن أنه عندما يموت هذا الفرد، إما ستتصدع أو سيتنافس أعضاؤها على الزعامة، ولم يكونوا يعلمون جراء الحصار المفروض عليها أن الأستاذ ياسين كان مدرسة في الشورى والتدبير الإداري وفي الدفع بالكفاءات لتدبير شؤون الجماعة التي بنيت على الانتخابات، لهذا لم تجد الجماعة إشكالاً في مواصلة المسير لأنها لم تكن تحت وصاية فرد واحد يبقى الموجه الأول والمرشد والمؤسس، وقد كان الأستاذ ياسين يعي بأنه يجب أن يترك جيلاً يحمل المشعل بعد وفاته.
ماذا تريدُ جماعة العدل والإحسان؟
جماعة العدل والإحسان هي حركة دعوية سياسية سلمية مدنية مغربية تريد لهذا البلد العيش بكرامة، ونحن في الجماعة نتحدث عن مشروعين؛ مشروع خلاص جماعي، نقصد به خلاص البلد والأمة من الاستبداد والفساد وإقامة مجتمع الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، ومشروع خلاص فردي، نعني به التزكية الفردية، بمعنى أن الإنسان يربى على الأخلاق الفاضلة وعلى تقوية إيمانه بالله وبارتباطه بدينه وبوطنه حتى يكون مواطناً صالحاً ومُصلحاً، بالإضافة إلى التعاون مع الغير الذي هو مبدأ من مبادئ الجماعة، حيث نحرص على التواصل مع كل الأطراف في البلد حتى نبني مستقبلاً جديداً للوطن.
كيف تردُّ على خرجة نبيلة منيب التي وصفتكم بالاستبداد الجديد و"الدبان"؟
بعض التصريحات هنا وهناك، طبعا، أنت تشتغل لا بد أن ينتقدك الآخرون. كل فاعل سياسي له دورٌ، طبيعي أن ينتظر انتقادات، هذا أمر عاد. إذا كنت غائباً، لا يعرف عنك أحد خبر. في تقديري، بعض الأمور التي قد تعرقل العمل المشترك نعتبرها سوء تقدير ولا نلتفُّ إليها ولا تؤثر في المطلب الأساسي المتمثل في بناء جبهة مشتركة لمحاربة الفساد والاستبداد.
رأيك في هؤلاء:
بنكيران؟
انخرط في إطار ما جاء بعد 2011 في المسلسل الحكومي الذي كان قوياً، لكنْ السياق الذي انخرط فيه لم يدرك أبعاد ما أحاط به من تحديات وإكراهات، ولذلك عرف المسار الذي نعرفه جميعا بعد الإعفاء الملكي وما عُرف بالبلوكاج الحكومي، فالإشكال لا يرتبط باسم بل مرتبط بأن هناك أطرافا تريد فعلا أن يكون هناك تغيير في البلد بطريقتها المعينة، لكن السياق العام للسلطة ليس هو سياق التغيير الحقيقي، هو سياق تجديد السلطوية، وعلى الذي يريد أن يدخل هذا المجال أن يشتغل في إطار تجديد هذه السلطوية وألا يتجاوز ذلك إلى أمور أخرى.
العثماني؟
السياق الذي جاء فيه جعل من حكومته ضعيفة كباقي الحكومات السابقة للسبب نفسه الذي أشرت إليه في السابق، بحيث إن الدستور كان واضحاً؛ فالملك هو الذي يرأس المجلس الوزاري، هو الذي يسير، ومهما جئت بالعثماني أو غيره لن ترى تغييرا، والدليل هو أن رئيس الحكومة السابق كان مختلفاً عن الحالي لكن هذا كله لم يغير من الوضع الاجتماعي المغربي، بل تفاقم الوضع أكثر.
الحكم يتجاوز العثماني والبرلمان والفاعلين السياسي لأن الإشكال سياسي؛ فليس هناك حكومة تحكم فعلياً لأن الذي يحكم هو المؤسسة الملكية ومستشارو الملك، وهو المحيط الذي يحكم فعلاً البلد.
منيب؟
العمل السياسي يتطلب الكثير من الحكمة والحرص على التواصل مع الأطراف الأخرى، ومن بين المميزات في المغرب أن ترى امرأة على رأس حزب سياسي، وهذا من بين الأمور المهمة في العمل السياسي، لكن يجب مراعاة الأطراف الأخرى ومراعاة أمر الحكمة في التعامل مع باقي المكونات، خاصة وأن المغرب لا يمكنه أن ينهض إلا بأبنائه، ونحن في الجماعة لا تربيتنا ولا أخلاقنا تسمح لنا بالاستهزاء بأحد، نحن نقدر الجميع ونتجاوز هفوات الناس.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر