مع اقتراب عيد الأضحى المبارك تتكرر الأسئلة حول شروط اختيار أضحية العيد وكيفية الذبح وضرورته، خصوصا بالنسبة للمهاجرين المسلمين الذين يقيمون في بلد غير إسلامي توجد فيه قوانين وأنظمة تمنع الذبح أو تحد من إمكانية الاحتفال بهذه الشعيرة كما في البلد الأصلي.
في هذا الحوار، الدكتور زين العابدين بلافريج، أستاذ التعليم العالي بجامعة الحسن الثاني أستاذ زائر حاليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية خطيب بمسجد النور بمونتريال، أجاب على أسئلة من مونتريال بخصوص السن الشرعي للأضحية بجميع أنواعها، ومسألة الاشتراك في الأضحية الواحدة وبيع لحمها، وموضوع الإنابة بالنسبة للمقيمين في المهجر.
ماهي السن الشرعية لأضحية العيد؟
ورد في صحيح مسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم في تحديد الأضاحي: "لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن". هذا الحديث أصل عند العلماء في تحديد سن الأضاحي؛ فقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن التضحية بالأضحية التي لم تبلغ السن الشرعية المطلوبة، وقال: "لا تذبحوا إلا مسنة"، والمسنة هي الثّْنِي من الحيوان، والثني من الضأن ما بلغ سنة فما فوق، ومن البقر ما بلغ سنتين ودخل في الثالثة، ومن الإبل ما بلغ أربع سنوات ودخل في الخامسة، وعند تعذر الثني من الغنم يجزئ الجذع وهو ما بلغ ستة شهور ولا يجزئ الجذع في البقر والإبل. ويضحى من هذه الأنعام بما كان غير ناقص ولا معيب؛ فلا يضحى بعوراء بين عورها ولا عرجاء بين عرجها ولا بالهزيلة والعجفاء.
وجبت الإشارة إلى أن الأضحية هي سنة مؤكدة لا ينبغي التفريط فيها مع القدرة، وهي من أجل الأعمال في العشر الأواخر من ذي الحجة التي أقسم بها ربنا فقال: "وَالْفَجْرِ. وَلَيَالٍ عَشْرٍ"، وقال فيها سبحانه: "لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ".
ما قول الشرع في الاشتراك في الأضحية الواحدة؟
إن الاشتراك في الأضحية الواحدة قضية خلافية بين العلماء؛ فالمشهور عند أهل المالكية أن الأضحية لا تقبل الاشتراك لأنها عبادة، والعبادة لا تقبل الاشتراك. وسائر الفقهاء يجيزون الاشتراك في الأضحية استنادا إلى الأحاديث الصحيحة التي فيها اشتراك الصحابة في الأضاحي وإذن النبي صلى الله عليه وسلم وإقراره بذلك لسبعة في البقر والإبل.
هل تجوز الإنابة في ذبح الأضاحي؟
لا مانع أن ينيب الإنسان غيره بأن يتولى عنه ذبح الأضحية، والأصل أن يباشرها بنفسه، فيقول عند النيابة: "اللهم هذه أضحية فلان ابن فلان".
هل يجوز تقديم الذبح على صلاة العيد؟
وقت الأضحية بعد صلاة العيد لقوله عليه الصلاة والسلام: "من ضحى قبل الصلاة فقد ذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين"، أخرجه مسلم وغيره. وفي رواية أخرى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" "أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح فإنما هو لحم قدمه لأهله".
ماهي شروط وكيفية الذبح؟
أول شرط في ذبح الأضحية التسمية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل ليس السن والظفر".
ومن شرط الذكاة الشرعية أن ينهر الدم على الطريقة الصحيحة، فما قطعت أوداجه فقد تمت ذكاته، كما قال الإمام مالك ومشهور مذهبه ومذهب أصحابه اشتراط قطع الحلقوم والودجين، وحكى عنه البغداديون أنه يشترط قطع أربع: الثلاثة المذكورة والمريء. والناس يجمعون على أن الذبح متى كان في الحلق تحت الغلصمة فقد تمت الذكاة.
ومن آداب الذبح: استقبال القبلة، وإخفاء السكين عن الأضحية، وأن تكون السكين حادة غير كالة، وحسن الذبحة وإراحة الذبيحة، وأن لا يذبح حيوان مع رؤية حيوان آخر له، والقول عند الذبح: "باسم الله اللهم هذا منك وإليك، اللهم هذه أضحية فلان إبن فلان"، وإن أضيف إليها "إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ، كان حسنا.
هل يجوز بيع جزء من لحم الاضحية؟
لا يجوز بيع شيء من الأضحية قلّ أو كثر، أو يبادل بشيء منها بمال، فإنما هي قربة لله وعبادة لا يجوز المتاجرة فيها، يأكل منها المضحي ويطعم كما قال الله تعالى: "فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ "، وقال تعالى: "وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ"، والمعتر هو الذي يعتريك بالسؤال يريد اللحم، ويجوز الهدية منها.
هل يمتد وقت الأضاحي بعد يوم العيد؟
نعم، الأضحية تكون يوم العيد وأيام التشريق، وهي ثلاثة أيام بعد يوم العيد، وعند مالك تكون نهار أيام التشريق دون الليل، وعند غير مالك ليلا ونهارا.
هل يجوز إعطاء الجزار من الأضحية مقابل عمله؟
لا يجوز إعطاء الجزار من الأضحية لأنها قربة لا تباع ولا يتصرف فيها بما يفسدها ويخرجها عن أصلها؛ فلا يعطى للجزار منها رأسا ولا كوارع ولا جلدا مقابل عمله. وقد نهى السلف عن ذلك، وأنه العهود في زمنهم رضوان الله عليهم.
ما حكم المهاجرين الذين لا يستطيعون الذبح في بلاد الإقامة؟
من كان في غير بلاد الإسلام وتيسر له الأضحية فهي سنة مؤكدة لا يحسن التساهل بتركها، بل المحافظة عليها لأنها من سنن الإسلام وشعائره الظاهرة، قال الله تعالى: "ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ"، فإن تعذر عليه أمر الأضحية بفقد الحيوان أو عدم التمكن من تنفيذها أو مصادمة قوانين البلد، فلا حرج عليه، فلو تشبث بثوابها فإنه ينيب في غير بلد الإقامة من يضحي عنه باسمه وله ثوابها إن شاء الله.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر