تتميز مياه خليج العقبة في الأردن ببيئة طبيعية فريدة ما يساهم في تشكيل نوعية نادرة من الشعاب المرجانية، لكن الوضع قد يتغير الى حد ما، بعد تسارع وتيرة تأثيرات التغير المناخي ما سيعرض الشعاب المرجانية لخطر الانقراض، بحسب أبحاث علمية حديثة.
المرجان هو الحيوان المسؤول عن الشعاب، ويشكل بنفسه مستعمرات للكائنات الحية تغطي ما مساحته واحد بالمئة من سطح الارض، فيما تشكل هذه المستعمرات مجتمعاً متكاملاً لحوالي ثمانية ملايين نوع من الكائنات الحية ومصدر غذاء لحوالي 500 مليون إنسان، وفق تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
تعد الشعاب المرجانية، التي تقع في خليج العقبة من ضمن المناطق التي لم تتأثر بالتغيرات المناخية بشكل كارثي، على الرغم من أن نسبة الاحتباس في الخليج أسرع من المعدل العالمي، ولكن الشعاب المرجانية هناك لا تعاني من تبييض شامل أو تلف.
يؤدي ارتفاع درجات الحرارة في المياه بفعل التغير المناخي، إلى قيام الشعاب المرجانية بالقضاء على الطحالب أو طردها، إلا أن الشعاب المرجانية في المناطق المطلة على شبه الجزيرة العربية ومنها خليج العقبة، تقاوم تأثيرات الحرارة المرتفعة.
ينجم ابيضاض الشعاب المرجانية عن ارتفاع درجات الحرارة في مياه البحار بسبب تأثيرات التغير المناخي. ويظهر اللون الأبيض على الشعاب المرجانية بسبب نفوق الكائنات الحية أو الطحالب داخل تلك الشعاب وتحولها للون الأبيض. وتعد ظاهرة ابيضاض الشعاب المرجانية من أخطر التهديدات التي تواجه أحد أهم النظم البيئية لأن أثرها يشمل النظام البيئي بالكامل.
أظهر بحث علمي نشره برنامج الأمم المتحدة للبيئة عام 2017، أن استمرار الاتجاهات الحالية لتغير المناخ سيؤدي إلى حدوث ما يعرف بـ "الابيضاض" الشديد ل99 في المئة من الشعاب المرجانية في العالم خلال القرن الحالي.
ووجد بحث برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن كل ربع درجة حرارة من التكيّف تؤدي إلى تأخير محتمل لمدة سبع سنوات في التبيّض السنوي المتوقع، ما يعني أن الشعاب المرجانية يمكن أن تحصل على فترة راحة لمدة 30 عاماً من التبيّض الشديد إذا تمكنت من التكيّف مع درجة حرارة محددة تبلغ درجة مئوية واحدة. ومع ذلك، إذا واصلت البشرية مواكبة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الحالية، فلن تنجو الشعاب المرجانية حتى مع درجة حرارة تبلغ درجتين مئويتين من التكيّف.
وفي حديث لبي بي سي، يقول خبير البيئة الأردني والمدير السابق للجمعية الملكية لحماية البيئة البحرية إيهاب عيد: "يمكن للشعاب المرجانية في خليج العقبة أن تتحمل درجات حرارة أعلى". ويضيف أنه عندما تختفي معظم الشعاب المرجانية في العالم بسبب ارتفاع درجات حرارة المياه، قد تكون الشعاب المرجانية في خليج العقبة هي الأخيرة المتبقية.
وجد الباحثون أن الشعاب المرجانية في شمال البحر الأحمر لا تزال تتكيف مع مياه أكثر دفئًا من درجات الحرارة العادية. وهي على عكس معظم الشعاب المرجانية في أماكن أخرى، تعيش بالقرب من الحد الأقصى لإرتفاع درجات الحرارة. إن الشعاب المرجانية في خليج العقبة لديها فجوة أوسع بكثير من غيرها بين عتبة التبييض ودرجة الحرارة القصوى.
ولكن وفقًا لعيد، على الرغم من أن الشعاب المرجانية مقاومة لدرجات الحرارة المرتفعة، إلا أنها لا تزال عرضة للإجهاد المحلي من خلال النشاط البشري على طول الساحل.
يقع خليج العقبة، المشترك بين الأردن ومصر والسعودية وإسرائيل، تحت ضغط كبير بسبب النمو السكاني والتنمية الحضرية والتلوث الذي قد يضر بمرونة الشعاب المرجانية في قدرتها على التأقلم، ما يؤدي الى تلفها ومن ثم موتها.
لكن الباحثين في الأردن يبدون تفائلاً كبيراً لأن الشعاب المرجانية لا تظهر أي علامات تبيض جماعي حتى الآن، وفي حديث لبي بي سي أكد المختص في البيئة البحرية والمدير التنفيذي للجمعية الملكية الأردنية لحماية البيئة البحرية محمد الطواها أن الشعاب المرجانية حتى هذه اللحظة لم تتعرض بشكل مباشر لتداعيات التغير المناخي، مشددًا على أن هذا الواقع لا ينفي ضرورة وضع استراتيجات بيئية لحماية الشعاب المرجانية من التلف بفعل تسارع عوامل التغير المناخي.
ويضيف الطواها: " كانت هناك جهود سابقة من أجل حماية الشعاب المرجانية منذ عام 1997 من خلال إنشاء متنزه العقبة البحري بطول سبعة كيلومترات في ذلك الوقت والذي تحوّل في عام 2020 إلى محمية العقبة البحرية من أجل تأمين حماية أكبر للشعاب المرجانية"
يأمل الباحثون والنشطاء في مجال البيئة في الأردن أن تتمكن الشعاب المرجانية في خليج العقبة من النجاة من آثار التغير المناخي. لكن ذلك يحتاج إلى مزيد من التعاون من الجهات الرسمية والقطاع الخاص للتخفيف من آثار التغير المناخي والتقليل من الأنشطة البشرية التي تزيد من نسبة تبييض الشعاب وتلفها.
قامت سلطة منطقة العقبة الحكومية بالتعاون مع مختلف المنظمات المحلية والدولية المعنية بالمحافظة على الشعاب المرجانية من خلال تنفيذ عدة مشاريع مثل نقل الشعاب المرجانية التي كانت أكثر عرضة للتأثر بميناء العقبة وحركة السفن إلى أماكن أكثر أمانًا بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
يقول مدير برنامج البيئة والتغير المناخي في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، نضال العوران لبي بي سي: "قمنا بنقل الشعاب المرجانية في عام 2012 التي كانت أكثر عرضة للتأثر بالميناء، حيث تمكّن فريقنا من نقل حوالي 7000 مستعمرة مرجانية".
ويضيف العوران "يعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مع الصيادين المحليين والغواصين والعاملين في قطاع السياحة المحلية على مشاريع للحفاظ على الشعاب المرجانية ومراقبتها، كما يقوم البرنامج بتنظيم ورشات عمل توعوية غير تقليدية تستهدف المجتمع المحلي وفئة الشباب من أجل لفت انتباههم إلى أهمية المشاركة في حماية الشعاب المرجانية في خليج العقبة".
تقوم محطة العلوم البحرية في مدينة العقبة منذ عدة عقود بترميم الشعاب المرجانية للحفاظ عليها، كما يوضح لبي بي سي الباحث في محطة العلوم البحرية وأستاذ البيولوجيا المرجانية في الجامعة الأردنية الدكتور فؤاد الحوراني، قائلاً:"لقد بدأنا منذ أكثر من 30 عامًا بمشاريع صغيرة، وهي تربية الشعاب المرجانية هنا في المختبر، ولدينا الآن أكثر من 30 مشتلًا بحريًا يضم آلاف المستعمرات المرجانية."
ويضيف الدكتور الحوراني:"هذه المشاريع تساهم في استعادة الشعاب المرجانية التالفة من خلال زراعة شعاب مرجانية في المختبرات والمشاتل البحرية، حيث يقوم الباحثون أيضًا بتجميد الخلايا والأنسجة في بنك مرجاني للحفاظ عليها لاستخدامها في المستقبل".
مدينة العقبة الأردنية إحدى أكبر المراكز الحضرية في خليج البحر الأحمر وأكثرها اكتظاظًا بالسكان. لذلك تعتبر الشعاب المرجانية في الأردن من الأكثر عرضة للتهديد في البحر الأحمر.
أدى الضغط على الخط الساحلي المحدود لخليج العقبة الأردني، والذي يمتد على طول 27 كيلومترًا، إلى توجه الحكومة عام 2006 لنقل ميناء العقبة الرئيسي إلى منطقة مليئة بالشعاب المرجانية يعود تاريخها إلى ألف عام تقريباً وتقع جنوبي الخليج.
تتعرض الشعاب المرجانية في خليج العقبة للتهديد المتمثل بقربها من الشاطئ ووجودها في مواقع غير عميقة كافية. وبالتالي، قد يتسبب استخدام الشباك خلال عمليات صيد الأسماك في تلك المنطقة الى تدمير الشعاب المرجانية إذا علق بالمرجان.
يهدد ارتفاع كمية النفايات الصلبة حياة الشعاب المرجانية والتي ينتقل معظمها من اليابسة إلى الخليج من خلال استقرار أكياس البلاستيك أو الكرتون أو الأقمشة على الشعاب المرجانية ما يؤدي إلى اختناقها.
وتشير الدراسات العلمية إلى أن أكثر من 80 بالمئة من النفايات البحرية مصدرها اليابسة، وأكثر من 60 بالمئة من هذه النفايات هي بلاستيكية. ويؤدي وجود تلك النفايات وبقايا أدوات الصيد، إلى التأثير على الشعاب المرجانية ومواقع الغطس التي يزورها عشرات الآلاف من الغوّاصين والسبّاحين والزوار والقوارب السياحية.
قد يهمك أيضاً :
دلافين تعالج أمراضها الجلدية بمخاط الشعاب المرجانية
وكالة ناسا ترصُد تكوينًا معدنيًا يشبه الشعاب المرجانية على كوكب المريخ
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر