شهدت مناطق عدة بجهة درعة تافيلالت في الأيام الثلاثة الأخيرة تساقطات ثلجية ومطرية استبشر بها المواطنون خيرا، خاصة بعد معاناة مع الجفاف لسنوات وندرة المياه الصالحة للشرب بعشرات المناطق التابعة لهذه الجهة.وبينما استبشرت الساكنة خيرا بالأمطار والثلوج التي تشهدها الجهة حاليا، يكابد “المشردون” و”الأشخاص بدون مأوى” بجميع أقاليم الجهة معاناة قاسية، حيث يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، حفاة عراة إلا من بعض الملابس الرثة.
في مثل هذه الفترة من كل سنة، تعيش العديد من فئات المجتمع، وفي مقدمتها من يعيشون في “وضعية الشارع” والرحل، ظروفا قاسية بسبب انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر نتيجة التساقطات الثلجية والمطرية، ما ينكأ جراح هذه الفئات ويعمق معاناتها.
أشخاص بدون مأوى
يصارع المشردون والأشخاص بدون مأوى، بالإضافة إلى الرحل، قساوة فصل الشتاء، خاصة في فترة تساقط الثلوج والأمطار التي تكون غالبا مصحوبة بموجة برد قارس، ولا تجد سبيلا لحماية نفسها إلا بافتراش “الكارتون”.
حنان السفولي، فاعلة جمعوية مهتمة بموضوع المشردين من إقليم ميدلت، قالت إن “هذه الفئة تعاني في صمت، خاصة في كل فصل الشتاء حيث تعرف مناطق جهة درعة تافيلالت تساقطات ثلجية ومطرية مصحوبة بموجة برد قارس”، مضيفة: “هناك تقصير كبير تجاه هذه الفئة من لدن الدولة والمجتمع”.
وأكدت الجمعوية ذاتها، في تصريح ، أن “المتشردين والأشخاص بدون مأوى يعتبرون جزءا مهما من المجتمع يجب حمايتهم من الظروف المناخية القاسية”، مشددة على “ضرورة الاعتناء بهذه الشريحة المجتمعية وتوفير أماكن لإيوائها، خاصة في هذه الفترة الشتوية من كل سنة”.
واقع مرير يطبع أيام وليالي هؤلاء المتشردين والـ “بدون مأوى” مع بداية كل فصل شتاء، فهم إلى جانب مواجهتهم مصيرا مجهولا، يهددهم الليل البارد والممطر بالموت في أي لحظة، وهو ما يدعو إلى تبني مقاربة اجتماعية تحمي هؤلاء من قساوة المناخ.
بعض المتشردين والأشخاص بدون مأوى لصعوبة الأمر، لكن عبد الحميد أمغار، فاعل جمعوي بإقليم الرشيدية، أكد أن هؤلاء “يجب نقلهم إلى مراكز الإيواء والعناية بهم وتوفير المأكل والمشرب والتطبيب لهم، من أجل مساعدتهم على تجاوز محنة البرد والحرمان الأسري”.
مبادرات للإيواء
في مثل هذه الفترة من كل سنة، حيث الحرارة تنخفض إلى أقل من 6 درجات تحت الصفر في بعض المناطق بدرعة تافيلالت، تعيش فئة المتشردين والأشخاص بدون مأوى معاناة حقيقية مع البرد القارس، منهم من يفترش الأرض ويلتحف السماء، ومنهم من يفترش الكرتون ويلف حوله غطاء مهترئا غير قادر على حمايته من البرد القارس.
بنبرة يأس وألم، تجد هؤلاء كل صباح يجولون بالمقاهي لطلب الطعام من أجل إبعاد شبح الجوع عليهم، أملهم فقط في الحياة أن يأكلوا ويشربوا ويناموا ولا أحلام أخرى تراودهم مثل باقي الفئات المجتمعية الأخرى التي تبحث دوما على تحقيق أهداف في الحياة.
مبادرات جمعوية كثيرة يتم تنظيمها سنويا في أقاليم درعة تافيلالت (خاصة قبل جائحة كورونا) من أجل تقديم المساعدة للمتشردين والأشخاص بدون مأوى في مثل هذه الفترة البادرة من كل سنة، تستهدف أساسا مدهم بأغطية وملابس شتوية.
حسن عيلالي، فاعل جمعوي من إقليم تنغير، قال في تصريح إن “المبادرات الجمعوية التي كانت تهتم بفئة المتشردين والأشخاص بدون مأوى يجب أن تعود بقوة”، مشيرا إلى أن “هذه الفئة يجب أن تحظى بالعناية من قبل الجمعيات ومسؤولي الدولة، حتى لا تكون فئة مضرة للمجتمع منتجة للعدوانية والكره”.
وتساهم المبادرات التي تقوم بها فعاليات المجتمع المدني بجهة درعة تافيلالت، على غرار باقي جهات المملكة، في التقرب من المتشردين والأشخاص بدون مأوى الذين قست عليهم الظروف الاجتماعية ورمت بهم إلى الشارع.
وفي هذا الإطار، أكد ميمون أبرام، فاعل حقوقي من إقليم زاكورة، في تصريح مقتضب ، أن “وضع المتشردين والأشخاص بدون مأوى يجب أن يحظى باهتمام الدولة وإحداث مرصد وطني خاص بتتبع وضعية هذه الفئة التي أصبحت تشكل خطرا في شوارع المملكة”.
السلطات تتدخل
من جانبها، تقوم السلطات المحلية بأقاليم جهة درعة تافيلالت، بتعليمات من عمال الأقاليم والوالي، بإحصاء المتشردين والأشخاص بدون مأوى قبل بداية فترة موسم البرد، ويتم نقلهم إلى مراكز الإيواء ومؤسسات الرعاية الاجتماعية من أجل حمايتهم من البرد القارس.
وفي هذا الإطار، قال مسؤول من السلطة المحلية بالرشيدية إن “المتشردين والأشخاص بدون مأوى يحظون برعاية وتكفل من طرف السلطات بالجهة”، موضحا أن “السلطات تقوم بإحصاء هذه الفئة على طول السنة وليس فقط خلال فترة البرد، وذلك في إطار تتبع ورصد هذه الفئة التي أصبح بعضها في الآونة الأخيرة يقوم بالاعتداء على المواطنين في الشوارع، كما وقع سابقا في إقليم الرشيدية وأقاليم أخرى بالمغرب”.
وأكد المسؤول عينه أن “السلطات تقوم بمجهود كبير في هذا الإطار، وعلى باقي القطاعات المعنية التدخل من أجل المساعدة في حماية هؤلاء من الظروف القاسية التي يعيشونها في الشوارع، خاصة في فترة البرد”، داعيا الوزارة الوصية إلى التدخل “من أجل بناء مراكز إيواء إضافية في جميع أقاليم الجهة، خاصة إقليم ورزازات الذي لا يتوفر على أي مركز للإيواء إلى حدود الساعة”.
خطورة هذه الفئة
على الرغم من الظروف القاسية التي يعيشها المشردون والأشخاص بدون مأوى في الشوارع، إلا أن البعض من هذه الفئة أصبح يقوم بأعمال عدوانية تجاه الأشخاص، من قبيل الاعتداء على السائحتين الأجنبيتين بجهة سوس ماسة، وقتل طفل بشفشاون، بالإضافة إلى جرائم أخرى سابقة.
وفي هذا الإطار، يرى عبد الصمد بنعيش، فاعل حقوقي من إقليم الرشيدية، في تصريح ، أن “هذه الفئة أصبحت في حاجة ماسة لمواكبة وتتبع مستمرين من أجل تفادي تكرار الاعتداءات على الأشخاص، والعناية بها من خلال تخصيص مواكبة طبية نفسية دورية لمعرفة مدى خطورة المشرد من المختلين عقليا بالخصوص على حياة المارة”.
وأكد الحقوقي ذاته أن “ذلك يدخل في إطار تنزيل مقتضيات الاتفاق العالمي لحقوق الإنسان الذي صادق عليه المغرب”، ملتمسا من السلطات “التدخل لتحييد خطر هؤلاء على المواطنين في شوارع المملكة بصفة عامة، من خلال إيوائهم بمراكز خاصة وعلاج المرضى منهم من أجل تقليص عددهم في غضون السنوات المقبلة”.
قد يهمك أيضا
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر