"الشخص الذي لا ماضي لديه، لا مستقبل لديه"، قول مأثور في سورية اعتاد الجميع ترداده بحنين قبل أيام الحرب الأهلية الطاحنة، كتحذير للشباب الجريء من الجيل الجديد الذين سئموا الماضي الذي عفا عليه الزمن، بشوارعه الضيقة، وأسواقه المزدحمة وورش عمله الصغيرة.
ولكن مع بداية الاضطرابات السياسية في سورية في عام 2011، اتخذ الأمر منحى أكثر إيلاماً، إذ أنه مع دمار معظم البلاد، كيف سيبدو المستقبل؟ وهل يمكن تصوره في ظل هذه الظروف القاسية.
تعتقد مروة الصابوني، مهندسة معمارية سورية، أنه يمكن تصور ذلك وعيناها مفتوحتان على وسعهما. نشأت الصابوني، 34عاما، وأم لطفلين، في مدينة حمص التي شهدت بعضاً من أشرس المعارك في الحرب الدائرة في سورية.
ووفقاً لتقرير لصحيفة "غارديان" البريطانية، فإن الصابوني، اختارت، خلافا للأغلبية، ألا تترك سورية أو حتى حمص نفسها خلال الحرب.فعلى الرغم من أن الشركة التي لا تزال تديرها هي وزوجها يديرانها معاً (نظرياً) في الميدان الرئيسي الواقع في البلدة القديمة تم إغلاقها تقريبا، بعدما أصبح هذا الجزء من المدينة منطقة محظورة، لكن منزلهما القريب لا يزال سليماً، وعائلتهما آمنة في داخله.
"اعتبر نفسي محظوظة"، هكذا وصفت الصابوني حالتها، وقالت وهي تضحك عبر حوارها خلال "سكايب": "لم اضطر لمغادرة بيتي، فلقد علقنا هناك، كما لو كنا سجناء، ولم نرَ القمر لمدة عامين، وبصرف النظر عن النوافذ المحطمة، لم يكن هناك ضرر آخر".
وأضافت:" قمنا بزيارة دمشق قبل 3 أشهر، وكان الناس هناك مندهشين مثلك بالضبط. هل أبدو مجنونة لأنني أضحك؟ حسناً، أنا أعتبر نفسي محظوظة، فلدي زوج رائع ومتفائل جداً، وقد ساعدنا هذا في حياتنا الزوحية". وتابعت:"هذه الرحلة هي الحياة، بحلوها ومرّها، نحن ننظر إليها على أنها شيء من شأنه أن يجعلنا أفضل في النهاية، لم أذهب لرؤية معالج نفسي حتى الآن، ولكن يحدوني الأمل في أنني ما زلت على طبيعتي في أعماقي".
وعن تأقلم الصابوني مع الوضع في سورية، أكدت أنها مرت "بمراحل مختلفة، ومع كل مرحلة كانت هناك أشياء جديدة للتعامل معها، في البداية كانت المظاهرات، كنا نسمع الهتافات، والاشتباكات، وكان ذلك مزعجاً، ثم كانت هناك معارك، إذ كان بإمكاننا سماع الطلقات في الشارع".
وقالت: لم يكن بوسعنا تبيّن ما كان يحدث، إنها المرة الأولى التي أسمع فيها دوي إطلاق النار، لذا اعتدنا المزاح حول هذا الموضوع، كنا نعتقد أننا سنفتح الباب في صباح اليوم التالي، دون أن يبقى شيء على حاله وسيكون كل شيء على ما يرام، كنا نتساءل: أين ذهب الآخرون؟".
وأضافت:"وبعد ذلك كان هناك القصف والطائرات والدبابات عند نهاية الشارع، كنا نسمع انهيار المباني، وكان أمراً مخيفاً جداً، كان هناك الكثير من القناصة هنا، يسيطرون على منطقتنا من جميع الجهات"، حتى أن الكثير من الناس ماتوا وكأنهم طيور". وتابعت:"كنا نمشي في الشارع، فيسقط شخص ما إلى جانبنا قتيلا، كان أمراً صعباً جداً، لم تعانِ اي مدينة مثل سوء الحظ الذي لازمنا، ولا يزال هناك جزء من حمص محاصراً حتى الآن".
تحكي الصابوني أنها وزوجها لم يكونا قادرين على العمل، إذ "لم يفعلا شيئاً طوال سنتين". وكان الأطفال "يدرسون في لبضعة أشهر، ولكن بعد ذلك ذهبوا إلى المدرسة". ثم قبلت بوظيفة في مجال التدريس في إحدى الجامعات في مدينة حماة (تقع شمال مدينة حمص) وهي على بعد 30 كم. كان الأمر يستغرق 20 دقيقة للوصول إلى هناك. أما الآن فعليك أن تتجنب المنطقة الجديدة (كناية عن الأرض الواقعة تحت سيطرة "داعش"، وغيرها من القوى المعارضة للحكومة السورية) فبات الأمر يستغرق ساعتين".
وعن سؤالها عما كان الطريق آمناً، قالت الصابوني إن "ذلك يعتمد على تعريف كلمة آمن، إذ إنه ليس آمناً، فعلى الرغم من أنه لم يحدث شيء حتى الآن، ولكن يمكن أن يحدث في أي لحظة". وأضافت:"تتحكم الحكومة فقط في منطقة صغيرة حول الطريق، لذا يمكن لقوى المعارضة الدخول في أي لحظة، ولكن لا بد من القيام بذلك، وسينتهي الأمر برمته".
ومنذ وقف إطلاق النار منذ أواخر عام 2015، انسحب آخر فوج من قوات المعارضة الرئيسية من المدينة، فغدت حمص إلى حد كبير هادئة، ولكنها تغيرت تماماً، فقد دُمرت المدينة القديمة، التي يقع فيها السوق، وأتى الدمار تقريباً على 60٪ من أحيائها الأخرى، تقولها الصابوني:"الدمار الذي حل بالمدينة يفوق الخيال".
وعن شراء احتياجاتها الأساسية من الطعام، أشارت الصابوني إلى "انتقال الناس قليلاً إلى المناطق السكنية، ففي الشوارع هناك أكشاك معدنية، وأصحاب الأكشاك يقفون فيها، وأسفل شقتي هناك نجار، وماسح سيارات، ودكان حلويات". وقالت:" يمارس الناس كل أنواع الوظائف لكسب قوت عيشهم، وزوجي يعمل في 4أو 5وظائف، والمحاسبون يعملون في السوق، والمهندسون الميكانيكيون يعملون كسائقي سيارات الأجرة"
فقبل الحرب، كانت حمض تشتهر بقلة أعداد المشردين فيها، وذلك بفضل الجمعيات الخيرية الإسلامية، ولكن شوارعها الآن تمتلئ بهم، فقد يظن الناس في الخارج أن أصعب التحديات التي تواجهنا على صلة بالأسلحة، ولكن الحقيقة هي أن المستشفيات، والتي ليس فيها المعدات المناسبة، تقتل عدداً أكبر من الناس الآن، أكثر من الرصاص".
وعن تراث المدينة، أوضحت الصابوني إنه على الرغم من أن ما كان قائماً في حمص القديمة قبل الحرب قليل نسبياً، فقد اشتهرت بسبب معلمين مهمين، كلاهما يقعان في حي الحميدية: مسجد "خالد بن الوليد"، الذي بُني في العهد العثماني، ويعرف أيضا باسم "صلاح الدين الأيوبي"، وكنيسة "القديسة مريم" التي تضم "الحزام المقدس"، والتي يعتقد أنها أقدم كنيسة في العالم وموطن الأثر القديم الذي سميت على اسمه.
أما الآن فلقد لحقت أضرار بالغة بكليهما في الحرب، وجرى نهب المنبر، إلا أنه يقال إن حزام العذراء، الذي يجري عادة السير في الشوارع به يوم 15 أغسطس/ آب، في مكان آمن لم يكشف عنه.
وقالت:"لم أذهب إلى أي من المكانين، فلا يسمح لأحد بالزيارة، بل أن حتى لمنظمات الأمم المتحدة المسؤولة عن ترميم حمص القديمة أن يكون لها رأي حول المواد والخبرات".
والشيء ذاته ينطبق على قلعة "الحصن" الصليبية، على بعد 40 كيلو متر، غرب حمص، والتي تعد أحد مواقع التراث العالمي لـ"يونيسكو". وأضافت الصابوني:"السلطات لم تخبر أحداً بما فعلت في المكان، لقد زار زوجي المكان ورآه، وأعمال الترميم جارية على عجل، وأعتقد أن للأمر علاقة بإرسال الرسائل".
وعن مشاعرها تجاه هذا كله، وخاصة حلمها باستعادة ما تبقى من سوريا، وإعادة بناء ما تم تدميره، وصفتها بأنها "معقدة".كنا نتكلم حينها بعد يوم على إعلان الحكومة السورية استعادة مدينة "تدمر" الأثرية، موقع آخر تابع للتراث العالمي ـلـ"يونسكو"، الذي كانت "داعش" دمرته، وحولت متحفه إلى قاعة محكمة.
لم تكن الصابوني تشعر بنشوة مدير الآثار السورية مأمون عبد الكريم ، الذي ادعى أنه ثاني أسعد يوم في حياته، أو مشاركة في الارتياح السطحي الذي يتملك الناس هنا وجعلهم يمجدون بالفعل مزايا إعادة الإعمار فوراً باستخدام التكنولوجيا الرقمية. فلقد كانت مروة متعاطفة أكثر مع سكان "تدمر" البائسين، فقالت: "أشعر بالقلق على الناس هناك، خاصة من سقطوا في تبادل لإطلاق النار، وبلا أطباء لمساعدتهم، كنا نسمع أشياء فظيعة".
لم تكن الصابوني تعرف مشاعرها حيال استعادة "تدمر"، وقالت:"زرت تدمر عندما كنت في المدرسة، وحتى حينها رأيت الأسلاك الكهربائية تحيط بجميع الأعمدة، والنحت الجديد للأسماء على الحجارة القديمة، وعمليات العمران والسياحة والترميم العشوائية"
كانت مهملة للغاية، ولم يكن بها أي حماية هناك في الصحراء، كان يمكن تسلق الآثا، ألقت نظرة على صورة ما يسمى بالمتحف: "السقف مزيف، والقفص المعدني الملحق بالباب، جزء مني يعتقد أنه من الأفضل أن يجري تدميره".
توقفت عن الحديث بعد أن فوجئت بجرأتها، ثم تمضي قائلة "أتفهم لماذا الغرب عاطفي حيال هذا الموضوع، ولكن عندما تعيش هنا، يكون لديك زاوية مختلفة".
حددت الصابوني بعناية موقفها من الدور الحاسم الذي سيلعبه مهندسو العمارة في مستقبل سوريا، إذا ما حل السلام، فقالت في مذكراتها غير العادية "معركة للحصول على المنزل" التي سيتم نشرها هنا هذا الشهر.
وكما لو أن وجودها ليس معجزة كافية، فقد كتبت هذه المذكرات والقنابل تتساقط من حولها، ومن ثم بحثت عن المنازل المحتملة على شبكة الإنترنت، وهي تأتي مع مقدمة كتبها الفيلسوف روجر سكروتون، الذي يصف المؤلفة بأنها "من أكثر الأشخاص الرائعين الذين التقى بهم على الإطلاق".
وبطبيعة الحال، كانت معرفتهما ظاهرية فحسب في تلك المرحلة، إذ كتبت مروة قبل عامين إلى سكروتون من حمص، بشكل غير عقلاني، سائلة إياه أن يشرح شيئاً جاء في كتابه "جماليات العمارة".
كان مُتعجباً من ذلك، وتساءل من هي تلك الشخصية "غريبة الأطوار" إلى هذا الحد لتكرّس وقتاً لجماليات العمارة في الوقت الذي يتهدم فيه كل ما حولها من نسيج مدينتها القديمة إلى أطلال؟ وعلى الفور رد عليها ؛ وصارا يتراسلان. وما يعتقد عن كتابها إنه "ليس عملاً من مفكر عميق فحسب، بل هو أيضاً "تعبيرٌ عن روحٍ جميلة أتت إلينا ومعها، إنه رسالة أمل".
أنا لست على يقين بشأن الأمل؛ ولذلك أجد أن مروة نفسها أكثر إلهاماً مما يمكنني وصفه. فكرة كتابها المركزية هي أن بيئة بناء سورية لعبت دوراً مُساهماً في الحرب ذاتها؛ وذلك لأن كثيراً من الناس يعيشون فعلياً في أحياء طائفية، ولا ينبغي على الحكومة تكرار ذلك الخطأ عندما تُعيد البناء تارة أُخرى، يبدو من شبه المؤكد أن هذا نداء لا يلقى آذاناً صاغية، على افتراض أن هناك أي شخص يستمع من الأساس.
وتطرقت الصابوني إلى أزمة العمارة في الشرق الأوسط، إذ رأت أن "الجزء الأكبر من الهندسة المعمارية في منطقة الشرق الاوسط في القرن 21 تأتي في مظهرين اثنين فحسب؛ ألا وهما نموذج دُبي الخاوي من الروح والذي يُناسب الأغنياء فحسب، والنموذج الإسلامي المصطنع، الذي يتألف في معظمه من كتلة مستطيلة على أسطح تغطيها أو لا تغطيها قبة "تشبه القبّعة".
وقالت:"كثير من المباني الأقدم كانت غير مُحببة، مهدومة أو تُرِكت إلى أن فسدت، في حين أن المباني الجديدة تكونت فحسب من المزيد من الإسمنت الرمادي، وهذا كان له يد في ما تعتبره مروة فقداناً للهُوية، وربما فُقداناً لاحترام الذات".
وأضافت:"الافتقار إلى الجمال، الوعد بحياة أفضل هما بإمكان العمارة إلهامه، فمدينة حمص القديمة طالما عُرِفت باسم "أم الفقراء، فلا تحتاج المال للعيش هُناك، كانت مكاناً للأشجار، الياسمين، والفواكه؛ ولكن المدينة الجديدة بفسادها وكُتلها الحديثة غطت تلك الأماكن القديمة، جالبة معها اليأس والافتقار إلى الأمل".
في رحلتها اليومية إلى حماة، تمر مروة بأنقاض المدينة القديمة، فبالكاد تعرف أين تجول ببصرها، رغم ذلك، ليس بمقدورها سوى ملاحظة أن أطلالها تبدو توضيحاً لأُطروحتها الخاصة. وعبرت عن ذلك :"حتى النباتات تُدرك ذلك! فالمباني القديمة لديها زهور صفراء اللون وعشب ينبت فوق حجارتها البازلتية، أما المباني الإسمنتية الجديدة؛ فتفتقر إلى الأزهار والعشب؛ إنها كالجثامين؛ بينما مازالت المباني القديمة بطريقة أو بأخرى على قيد الحياة".
يُقلق الصابوني أن الحكومة ليس لديها استراتيجية واضحة للمكان خلال إعادة البناء، فقالت: "لدينا الكثير من التحديات التي تنتظرنا. فالحاجة مُلحّة إلى تزويد الناس بالبيوت واستعادة ما فقدناه؛ ولكن ما فقدناه لم يكن صواباً في المقام الأول، أنا أؤمن بشدة بأن بطريقة ما أو بأخرى قادنا ذلك إلى هنا؛ لقد قايضنا قيم عمارتنا الإسلامية القديمة بنموذج المُستهلك المُسرف، وفي تلك العملية فقدنا أنفسنا".
ووصفت في كتابها "التدريس الباهت بمدرستها المعمارية"، إذ عادة ما ينتهي الأمر بالطلاب أن ينسخوا تصميماتهم من المجلات، لقد كان واضحاً أن ثمة مُستقبل باهت ينتظرهم، كان أقصى ما أمكنهم أن يطمحوا إليه هو أن يُعتبروا رسامين، وبالتأكيد كانت وظيفتها الأولى عقب التخرج مأساوية.
لأنها لم تدفع رشاوى، ولم يكن لديها علاقات مع أشخاص ذوي نفوذ؛ عملت الصابوني في مكتب حكومي ممل، ووصفت ذلك:"لم يكن لدي أي أوهام بأن أصير زها حديد التالية، ومع ذلك؛ الأمل كفيف؛ ودائماً ما يجد طريقه لبلوغ القلب الإنساني، وهذا يشمل قلبي".
وبعد انتقالها إلى مكتب العمارة في المقر الإداري لجامعة المدينة، كانت متحمسة بسبب دعوتهم لتصميم الأثاث لبعض الأماكن، متجاهلة حيرة زملائها الذين رغبوا فحسب في تقاضي رواتبهم، بل عكفت على العمل على رسومها من لحظة وصولها إلى مكتبها. ولكن ذلك لم يفض إلى شيء. فقد رُفِضَت أفكارها، ودون أي تفسير.
لذا غادرت، وتزوجت بشريكها الذي يعمل مهندساً معمارياً أيضاً (زوجها من حي بابا عمرو، أحد أولى المناطق التي انتفضت ضد الأسد في حمص ، وتوصف الآن إما بالشجاعة منقطعة النظير أو الخيانة العظمى، بحسب الجانب الذي تنتمي إليه.
وقد واجها عائلتيهما كي يتزوجا، وفي 2011، بعدما بدأت الاضطرابات، وبينما كان في طريقه إلى الكويت لتسلّم جائزة في العمارة، تم القبض عليه وأُودع في السجن لفترة وجيزة، فقط بسبب مسقط رأسه".
بعد 4 سنوات من القتال، عادت مروة وزوجها إلى مدينة حمص القديمة، بصحبة جموع العائدين الآخرين، ليلقيا نظرة على الأستوديو المهجور، هذا المكان الذي وضعا فيه كل أحلامهما، كانت تتوقع رؤية الرصاصات الفارغة، وأكياس الرمل ورائحة الدخان، ولكن ما لم تكن تتوقعه هو "الجنون الذي كان يملأ الهواء المحروق".
في جزء من كتابها، تطرقت الصابوني أيضا إلي ما وضفته "الجنون الجماعي" وشرح كيفية انزلاق المجتمعات السلمية إلى ما وصفته بكونه "مذبحة حيوانية"، واعتقدت أن الهندسة المعمارية يمكنها أن تقدم جزءاً من الحل. ففي عام 2010، كان هُناك 9 ملايين سوري –أي ما يقرب من نصف عدد السكان- يعيشون في الأحياء الفقيرة والمساكن العشوائية.
وأضافت أن " ذلك مُنذرٌ برؤية التاريخ يُعيد نفسه، قبل أن تحرق دائرة العنف نفسها، فعلى سبيل المثال، تعيد الحكومة بناء مناطق المسيحيين (الداعمين للنظام الذي يستند إلى العلويين، الذين يدافعون عن المسيحيين، أقلية تدافع عن أقلية)، وفي المقابل لا تعيد بناء مناطق السُنة (العدو).
حتى أنها منعت بعض السنة من العودة للعيش تحت أنقاض منازلهم. هذا التمييز يستدعي ما فعله كل من العثمانيين، والحكم الفرنسي في سوريا من قبل، عندما -على سبيل المثال- كانت الطوائف المسيحية مفضلة أيضاً من قبل الأنظمة الفاسدة. ولم يأت خير من ذلك أيضاً.
ولكن، مازال لديها أمل؛ ففي كتابها كشفت عن خطة وضعتها لمدينة بابا عمرو، وهو مُخطط تقدمت به للمنافسة على تمويل الأمم المتحدة، يتمتع بالوداعة والإحساس بالانتماء للمجتمع –ويتألف من "وحدات للأشجار"؛ فيه محلات تجارية، وشقق مُزودة بحدائق- وهي على خلاف قوي مع أفكار الحكومة التي تدعم فكرة تصميم أبراج قائمة بذاتها، لذا قامت السلطات برفض فكرتها، ولكن رد الفعل الإلكتروني الإيجابي على أفكارها شجّعها.
وبعد ذلك، وببساطة، تخلت عن الفكرة. فقالت "قمنا؛ زوجي وأنا، بفتح متجرٍ لبيع الكتب في حمص، نبيع الكتب من مطبعة جامعة أكسفورد ومطبعة جامعة كامبريدج وويلي، هو متجر صغير ولكن التفاعل معه مُدهش". الناس لا يتمكنون من الشراء؛ فالكتب مكلفة جداً، وعملتنا متدهورة لذا لا يستطيع الناس تحمل نفقات شراء الكتب، ولكنهم كانوا يأتون على أي حال، ويشكروننا. تحتاج حمص إلى الوقت حتى تمتلك مكاناً كهذا. يمكنك أن تشعر بحاجة الناس إلى التعامل مع عقولهم باحترام".
بطريقة أو بأخرى، ستتحسن الأمور، لقد آمَنَت بذلك في أحلك الأيام وتؤمن بذلك الآن. "آمل أن يُسمَع صوتي في نهاية المطاف". قالت ذلك ومن خارج نافذتها كان ضجيج سيارة التاكسي يبدو موافقاً لرأيها
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر