المحكمة الاجتماعية ، هي وليدة التنظيم القضائي الجديد، تجربة فتية تتضمن قضايا ذات طابع اجتماعي حساس "نفقة، طلاق، تطليق، حالة مدنية، تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية، شؤون القاصرين، قسم الزواج، الزواج المختلط، نزاعات الشغل، حوادث الشغل".
وفي مدينة الدار البيضاء بحي "الألفة" توجد المحكمة الاجتماعية ذات بناية رائعة، البناية التي تضم قسمين من التقاضي ، محكمة نزاعات الشغل ، ومحكمة الأسرة ، وهي التي سنتطرق إليها في موضوعنا هذا.
الاثنين 7 مارس 2016 ، الساعة التاسعة صباحا ، فُتِح باب المحكمة وبدأ رجال الأمن باستقبال الزوار، حتى أنهم يتحولون إلى مكتب للإرشادات ويقدمون العون للجميع ويرشدون التائهين إلى وجهتهم، بل منهم من يستقبل الزوار بابتسامة تزيح عنهم همومهم، فخصوصية المحكمة تجعل دور الأمن يتجاوز حفظ النظام إلى مساعدة المتقاضين.
ويعتبر قسم قضاء الأسرة ، أكثر الأماكن التي تعرف رواجاً في هذه المحكمة ، حيث تلاحظ قوافل النساء تفد على هذا القسم ، بعضهن اصطحبن أقرباءهن والبعض حضر وحيدا مكتئبا، وبدا قسم الأسرة مثل مختبر لتشخيص أمراض الأسر ومشاكلها، فهناك نساء تائهات أمام طول مساطر البت في قضايا الطلاق والمطالبة بالنفقة، وباحثات عن الخلاص من قيود زواج فاشل.
ولا تكاد تمر برهة، حتى ترى أحد المحامين يبحث عن موكله أو موكلته، بقصد إشعاره موعد الجلسة التي سيتقابل فيها مع خصمه.
من يدخل قسم قضاء الأسرة يعتقد أن أزواج مدينة الدار البيضاء يرغبون في إنهاء علاقاتهم الزوجية، نظرا للاكتظاظ الذي تعرفه المحكمة، باختلاف الشرائح العمرية والاجتماعية، مما يرجح فرضية مفادها، أن التطور القانوني، الذي عرفته بلادنا في السنوات الأخيرة، وتحديدا مع قانون الأسرة الجديد، جعل المواطنين، خاصة النساء منهم، على دراية بحقوقهن المكفولة من طرف القانون.
اعتاد زوار المحكمة على ملامح أعوان المحكمة الذين يقطعون، قبل بداية الجلسة، مسافات لإحضار الملفات، في حين تستسلم النسوة إلى صمت قاتل وتغزو ملامحهن علامات القلق، فكل واحدة منهن لها مشكلتها الخاصة، التي جعلها تحضر إلى المكان، من أجل الطلاق أو رفع دعوى النفقة.
ملفات كبيرة الحجم وأخرى متوسطة ، لكن ذلك لا يخفي تآكل بعضها من كثرة الاستعمال، فيحرص عون المحكمة على تصفيفها بعناية فوق المنصة ، في حركة آلية تكشف عن حنكة، في وقت لا يتوقف عن الاستماع إلى بعض المحامين وتدوين أرقام الملفات المؤجلة في ورقة صغيرة.
// غرفة المشورة
فتيات في مقتبل العمر، قدمن برفقة أزواجهن أو آبائهن، وفي أغلب الأحيان مع أمهاتهن، ينتظرن دورهن، في حين يظهر بين الفينة والأخرى، العون المكلف بالمناداة على المتقاضين ، يحمل بين يديه ملفات ، ينادي على الأشخاص طلبهم القاضي، كل زوج على حدة، وحسب ترتيب الملفات، للمرور إلى القاعة ، قصد لقاء الرئيس.
تقترب بعض النسوة التائهات من العون القضائي في حذر شديد، ويطلبن منه أن يستفسر كاتب الجلسة عن ملفاتهمن، حينها يقطب حاجبيه لكثرة انشغالاته وتعدد استفساراتهن، ويبدي لا مبالاة أو غضبا من كثرة الأسئلة التي تعيق مهامه الأصلية.
// قاضي جلسة المشورة
بداخل غرفة المشورة ، يجلس القاضي " الداودي أحمد" لابسا بذلة القضاء ، يستقبل المتقاضين باتسامة عريضة ، وبعد التأكد من هوية كل الأطرف يطلب منهم الجلوس .
يحتكم في الأول إلى الدين ، وأمام السد المنيع يلتجئ إلى القانون الوضعي ، يحاول احتواء غضب الطرفين ، محاولا الصلح في ما بينهما.
اسئلته مركزة ، وفي نفس الوقت يعمل على البحث في محتويات الوثائق المقدم في دعاوى الطلاق أو النفقة.
// شهادات
وفي جناح غرف المشورة جلس مئات المتقاضين المرفوقين بمحاميهم، كل واحد ينظر إلى خصمه بطرف العين، أما المحامون فتجدهم يبحثون عن حلول لموكليهم و كأنهم يرفضون ذلك الطلاق.
بالقرب من غرفة المشورة جلست إحدى الفتيات، في 18 من عمرها، وبجانبها أمها ، تمسكت المسكينة بورقتي الاستدعاء، حيث دونت الساعة العاشرة والنصف، كموعد للقاء الأول بالقاضي.
وفي حديث دار بينها وبين "المغرب اليوم" ، صرحت ، على إنها أم لطفلتين، وأن معاشرة زوجها أصبحت مستحيلة، مع تصرفاته القاسية والعنيفة في حقها، وحق ابنتيها، إضافة إلى الكلمات النابية التي يتلفظ بها، على مرأى ومسمع من الطفلتين، عدا الضرب والجرح والإهانة التي تتعرض لها، يوميا، إلى درجة أنها أصبحت حديث الجيران وباقي سكان الحي. لتتدخل ولدتها قائلة : " اللهم الفراق عوض هذه العيشة المرة".
وسط الجموع التي يملأ الممر الذي توجد به غرف المشورة، جلست فتاة أخرى بجانب أبيها، في انتظار دورهما، حيث تبدو علامات الحزن على محيا الأب، المتأثر بمشكل ابنته تأثرا بليغا، الذي استحال وجهه سمرة داكنة، الفتاة عشرينية تتحذر من مدينة الدار البيضاء، صرحت للمغرب اليوم ، أن العيش مع زوجها أصبح مستحيلا، بسبب كثرة المشاكل والصراعات، التي بدأت مباشرة بعد أن طلب منها العيش مع أسرته في البادية، رغم أنه يشتغل في مدينة الدار البيضاء، فوافقت الزوجة على اقتراحه دون مناقشته، لكن عدم تعودها على العيش خارج المدينة، وبعيدا عن أهلها، دفعاها لأن تطلب منه العودة إلى الدار البيضاء، والاستقرار بها ، لكنه رفض وخيرها بين البقاء مع أسرته بالبادية وبين الطلاق.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر