عمان - إيمان يوسف
أكد مؤشر مدركات الفساد لعام 2016 الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية الاربعاء، على أن الأردن إحتل المركز 57 من بين 176 دولة ، وقد تراجع خمس نقاط هذا العام ليحرز 48 نقطة من 100 نقطة مقارنة بـ 53 نقطة حصل عليها عام 2015، وتشير جمعية معهد تضامن النساء الأردني "تضامن" الى أن الأردن يحتل المركز الثالث على المستوى العربي هذا العام بعد كل من الإمارات العربية المتحدة "المركز 24 وحصلت على 66 نقطة" وقطر "المركز 31 وحصلت على 61 نقطة".
وأكّدت "تضامن" على ضرورة مواجهة الإعتقادات الخاطئة السائدة لدى الغالبية والتي ترسخ فكرة أن الفساد ما هو إلا أسلوب وطريقة حياة لا يمكن الوقوف بوجهه أو محاربته ، وأن الجميع يتعايشون معه على أنه كذلك لا بل يرضخون له ويكونون تحت رحمته، كشيرة إلى أن أهم طرق ووسائل الفساد تتمثل بالرشوة والإحتيال وغسيل الأموال والإبتزاز ودفع الأموال بسرية وبشكل غير قانوني مقابل خدمات وإستغلال النفوذ والمحسوبية والمحاباة وضغوطات أصحاب النفوذ وإستغلال الوظيفة للمصالح الشخصية ودفع المبالغ لتسريع الحصول على وثائق تتطلب وقتاً بسبب البيروقراطية أو طلب معززات والإختلاس والإعتداء على الأملاك العامة.
وشدّدت "تضامن" على دور مؤسسات المجتمع المدني خاصة المنظمات النسائية ، فمن خلال حث الحكومة على تطبيق الإتفاقية الدولية لمكافحة الفساد ودعم هيئة النزاهة ومكافحة الفساد يمكن تعزيز الديمقراطية وإشاعة الثقة والإستقرار بين المواطنين إتجاه الدولة ، وتنفيذ برامج التوعية والتثقيف حول مسؤولية الدولة لتكون أجهزتها خالية من الفساد للوصول الى عدالة متساوية وفعالة للجميع ، وإدماج الشباب والشابات في برامج مكافحة الفساد حماية للأجيال القادمة ، وتوعية القطاعين العام والخاص أن الإستثمارات الخارجية تكره الفساد وتعمل بكل قوتها في الدول الخالية منه ، والتأكيد على أن النساء سيستفدن من الخدمات الصحية بوجود آداء فعال لنظام صحي خالي من الفساد، وتعتبر النساء هن الأكثر تضرراً من تفشي الفساد حيث يعانين منه بسبب كونهن نساء فيتعرضن للتحرشات الجنسية ويطلب منهن تقديم أجسادهن مقابل الحصول على خدمات من المفترض "لولا الفساد" أن يحصلن عليها كونهن مواطنات أو بسبب كفائتهن العلمية أو المهنية ، والنساء الفقيرات وهن الأغلبية بين فقراء العالم يعتبرن فريسة سهلة للفساد والفاسدين.
وأشارت "تضامن" إلى أن للنساء دور فعال في قول "لا" للفساد ، فالمواطنات المسؤولات يعرفن حقوقهن وكيفية المطالبة بها كحصولهن ووصولهن السهل لخدمات الصحة الأساسية ، والتشديد على ممثليهن المنتخبين بضرورة إتباع سياسات تكافح الفساد التي تؤثر على محيطهن الخارجي وداخل أسرهن ، كما يمكن للنساء التوقف عن تسهيل قبول الهدايا وقبول أو منح الرشوة ، وبالعمل على تعليم أولادهن بأن الفساد غير مقبول وأنه يتناقض مع النزاهة والشرف والأمانة والمساواة ، والإبلاغ عن الفساد والمفسدين لما فيه حماية لهن ولمجتمعاتهن، فحيث تتأثر النساء أكثر من غيرهن بالفساد تقع عليهن الى جانب الجميع مسؤولية مكافحته وقد بدأن بذلك فعلاً وإن كن الأقل فساداً ، فذلك سيحسن من أوضاعهن ويعزز المساواة بين الجنسين في مجالات الصحة والتعليم والبيئة والإقتصاد والعدالة والديمقراطية والتنمية.
ويعّرف الفساد بأنه إساءة إستخدام السلطة لتحقيق مكاسب خاصة وشخصية ، لكن النساء لديهن تعريفات مختلفة للفساد والتي تمس حياتهن الخاصة والعامة وتؤثر على الجهود المبذولة في مكافحة العنف ضدهن وفي تمكينهن إقتصادياً ، إجتماعياً ، سياسياً وثقافياً، وتشير العديد من النساء الى أن مفهوم الفساد يمتد ليشمل الممارسات الإستغلالية كالإيذاء الجسدي والإعتداءات الجنسية المختلفة ، والرشوة أخذاً وإعطاءاً ، وترتبط كل منها بشكل وثيق بعدم تقديم الخدمات لهن في المؤسسات العامة والخاصة على حد سواء ، وذلك حسبما جاء في تقرير أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في شهر أكتوبر 2012 بعنوان "وجهة نظر النساء في المجتمعات المحلية حول الفساد ومكافحتة ".
وكشفت "تضامن" أن الفساد بالنسبة للنساء العربيات يختلف بطرقه ووسائله حيث تتأثر به النساء الفقيرات وفي المناطق النائية وغير الحضرية أكثر من غيرهن ، فالعديد من النساء وعند إستخدامهن للخدمات الحكومية والخاصة كالتعليم والصحة والتوظيف على سبيل المثال ، يواجهن أشكال مختلفة من الفساد قد تكون رشوة ولكنها في الأغلب تتعلق بالإستغلال الجنسي وقد تصل الى حد الإعتداء الجنسي، كما وتتعدد أشكال هذا الإستغلال كالحرمان من التوظيف أو الترقية أو الإعفاء من منصب معين أو الإمتناع عن الترشيح لدورات تدريبية داخلية وخارجية ، وفي مجال التعليم كالحرمان من تقديم الإمتحانات أو إعطاء علامات أقل مما يستحقن ، وفي المجال الصحي كالإمتناع عن تقديم الخدمة الصحية أو المبالغة في توصيف الأمراض التي يعانين منها أو طلب تكرار المراجعات دون داعي. وهذا لا يعني عدم وجود ممارسات مشابهة في كل المجالات ، ويمارس الفساد على مختلف الفئات العمرية وبمختلف الأماكن حتى وأن كان هنالك تباين بين دولة وأخرى أو بين منطقة وأخرى داخل الدولة ، فمرتكب الفساد في هذا الإطار لا يكترث للضحية / الناجية ولا يلتفت إلا لمصالحة الشخصية وإشباع رغباته الخاصة.
وبيّنت "تضامن" أن النساء اللواتي يتعرضن لهذا النوع من الفساد يعانين من آثار نفسية وصدمات قد لا يمكن تدراكها وعلاجها ، وتؤدي حتماً إلى تزايد كبير معدلات العنف الممارس ضدهن وتراجع حاد في مدى التحاقهن بالتعليم أو دخولهن لسوق العمل ، ويحد من قدراتهن وتتطلعاتهن لمستقبل أفضل لأسرهن وأطفالهن، ومن جهة أخرى فإن النساء المعرضات للفساد عليهن مواجهة واقع مرير آخر يزيد من معاناتهن إذ لن يجدن حتماً مساندة من أسرهن ومجتمعاتهن المحلية ، لا بل ينظر اليهن على أنهن مذنبات فتكون نتيجة ذلك ، وبسبب النظرة الدونية للمرأة والسلطة الأبوية السائدة في أغلب الدول العربية حرمان من التعليم والعمل والخروج من المنزل وحرمان من الخدمات الصحية وقد تصل الى حد الإعتداء بالضرب والقتل، مشدّدة على جهود بعض الدول العربية ومنها الأردن للوقوف في وجه الفساد ومكافحته ساهمت في الحد من إنتشاره ، إلا أن ذلك لم يأخذ بعين الإعتبار الإحتياجات الخاصة بالنساء ، ولكي تكون السياسات والإستراتيجيات والقوانين الخاصة بمكافحة الفساد أكثر فعالية وتشمل كافة فئات المجتمع بمن فيهم النساء ، فلا بد من أخذ الاحتياجات الخاصة لكل من الرجال والنساء بعين الإعتبار.
وطالبت "تضامن" الدول العربية بشكل عام والأردن بشكل خاص التوسع في تعريف الفساد ليشمل أنماط الاستغلال والإيذاء الجسدي والإعتداءات الجنسية والإستخدام الخاطئ للسلطة بالإمتناع عن تقديم الخدمات للنساء ، وإشراك النساء في عمليات وضع السياسات والإستراتيجيات وتمثيلهن تمثيلاً عادلاً ومؤثراً في اللجان والهيئات كهيئة مكافحة الفساد ، وتعديل القوانين لتتوائم مع جرائم الفساد المتعلقة بالنساء والتأكد من مراعاة النصوص والإجراءات والمسارات التطبيقية للقانون لمتطلبات النوع الاجتماعي ، وإشراك النساء في البرامج والنشاطات الهادفة لمكافحة الفساد، وطالبت مؤسسات المجتمع المدني بتنفيذ برامج رفع وعي النساء حول الفساد وبيان الأثار المختلفة له على كل من الرجال والنساء ، وتوعيتهن بالتشريعات والقوانين التي تعنى بمكافحته وكيفية الإبلاغ والخروج من دائرة الصمت ، والتوجه ببرامج خاصة للشباب في مجتمعاتهم المحلية وفي المؤسسات التعليمية خاصة الجامعات تساعد في الحد من الأشكال المختلفة للفساد من خلال الرصد والمتابعة والتوثيق والإبلاغ.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر