وسط دوامة نقاشات، يطبعها تقاطب حاد في الرؤى كما الآراء؛ ما إن تخفت لبعض الوقت حتى تظهر من جديد، بدءا من تعديل مدونة الأسرة والنقاش المفتوح بشأنها بعد خطاب ملكي دعا إلى مراجعتها، وصولا إلى نقاش حقوق المرأة في قضايا الإرث والملكية، مرورا بإصلاح القانون الجنائي، يحل الاحتفاء باليوم العالمي لحقوق المرأة، هذه السنة، بالمغرب.هذا اليوم، الذي أقرته منظمة الأمم المتحدة لتخليد نضالات كونية من أجل فعلية حقوق النساء أينما وجدن، لا يشكل فقط مناسبة “فولكلورية” للاحتفاء بـ”نصف المجتمع”؛ بل يعتبره كثيرون فرصة سانحة قصد الوقوف المتأني عند الحصيلة لتقييم المنجزات وتدارك النواقص، لا سيما في ظل دستور جديد دعا بالصريح إلى إحداث “هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز”، فضلا عن إقراره بالمساواة بين الجنسين، تماشيا مع المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب في هذا الإطار.
“احتفاء عبر الاحتجاج”!
بالمناسبة ذاتها، اختار المكتب الفيدرالي لـ”فيدرالية رابطة حقوق النساء” تخليد اليوم الأممي للنساء بتنظيم وقفة يوم الأربعاء 8 مارس الجاري أمام مقر البرلمان بالرباط، رافعا شعار “المساواة والحرية أساس التنمية”.وأكدت الهيئة الحقوقية ذاتها، في بلاغ لها توصلت به هسبريس، أن “الثامن من مارس يعد فرصة للنضال وللمطالبة بتعزيز الحقوق الإنسانية للنساء، خاصة أنه يتزامن هذه السنة مع الحملة الترافعية التي تخوضها الحركة النسائية والحقوقية في المغرب من أجل ملاءمة التشريعات الوطنية مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ودستور 2011”.“هذه الوقفة فرصة لتعزيز المطالب بتغييرات حقيقية تدعم تحقيق المساواة بين النساء والرجال. كما ستكون فرصة لتعبئة مجتمعية من أجل مغرب يضمن الحقوق على قدم المساواة للجميع”، تعلن الفيدرالية النسائية.
مطالب رغم المنجزات
بشرى عبدو، رئيسة “جمعية التحدي للمساواة والمواطنة”، قالت إن دستور 2011 جاء “متقدما على الواقع الحالي للمغربيات”، مثمنة “جهودا حقوقية مقدرة هي نتاج نضالات مستمرة للحركة النسائية المغربية” أفضت إلى “تقوية وتحديد إطار قانوني شامل وخاص بمحاربة كافة أشكال العنف ضد المرأة”.في هذا الصدد، ضربت عبدو، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية، المثال بمقتضيات القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، مؤكدة أنه يمكن وصفه بـ”الثورة في ترسانة القانون المغربي الموجه لحماية حقوق النساء”؛ إلا أنها لم تتوان في دق ناقوس الخطر بشأن “ارتفاع حالات العنف الرقمي بالخصوص”، وهو أحد أنواع العنف التي أغفل القانون التفصيل في حالاتها.
وأشارت الحقوقية ذاتها إلى أن “بيانات رسمية صدرت عن مؤسسات الدولة (مديرية الأمن، وزارتي الأسرة والعدل، رئاسة النيابة العامة…) تشهد بارتفاع العنف ضد النساء والفتيات بالمغرب”، قبل أن تطالب بضرورة “تعزيز الممارسات الفضلى المتمثلة في خلايا الاستماع والتكفل بالنساء والأطفال لدى السلطات العمومية، عبر برامج التكوين المستمر للاستماع إلى النساء المعنفات”.
الفاعلة الجمعوية ذاتها لفتت الانتباه إلى “زيادة محاولات الانتحار الناتجة عن العنف الرقمي” بسبب ممارسات “التشهير وتعميم صور خاصة دون إذن، الابتزاز المادي والجنسي وكذا التنمر”، رافعة مطلب “تشديد بتشديد العقوبات على الجاني؛ لأنه نوع من العنف يدمر الضحايا نفسيا”.في سياق متصل، أكدت عبدو مطلب الحركة النسائية المغربية بـ”الإفراج عن هيئة المناصفة ومكافحة أشكال التمييز”، قائلة: “نتساءل عن مآلها بعد صدور قانونها.. كما نطالب بتمثيلية نسائية قوية ضمن أعضائها”.
“دور هذه الهيئة الدستورية محوري في الإجابة عما يستجد اليوم في الساحة النسائية”، سجلت رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، لافتة إلى ضرورة “ضمان ملاءمة القوانين الوضعية الوطنية مع نظيرتها المتضمنة في اتفاقيات دولية صادق المغرب عليها، لا سيما سيداو واتفاقية حقوق الطفل”.وأكدت أن “المناصفة مطلب موحد وضروري في جميع مجالات الحياة، ولا يمكن حصره فقط في شق التمثيل السياسي والتمكين الاقتصادي”، مسجلة أنه “وجب إقراره فعليا دون اللجوء إلى الكوطا كتمييز إيجابي”.
خلاف مدونة الأسرة
بخصوص تعديل قانون الأسرة بالمغرب، أكدت رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، في معرض تصريحها، تأييد مطالب الحركة النسائية بخصوص “ضرورة الحذف الكلي لفصول زواج القاصرات مراعاة لما تنص عليه اتفاقية حقوق الطفل”.كما شددت على أن “تقسيم الممتلكات المتراكمة بعد الزواج بين الزوجين يجب أن تسمه المساواة في الاقتسام بشكل يحفظ حقوق ومصالح الطرفين، وليس فقط الرجل أو المرأة”، معبرة عن استغرابها من عدم “وجود قوانين مفصلة تشرح فصول المدونة”.
وعددت عبدو مسائل خلافية كثيرة تهم الأسرة المغربية أبانت الممارسة عن “محدودية تطبيقها أو خلل في تأويلها”، مطالبة بـ”إقرار النفقة للطرفين؛ وفي حالة كانت الزوجة معسرة، وجب تحديد نسبة معينة لاحتسابها تساويا، مع مراعاة لتحولات الواقع الاقتصادي وصعوبة الظروف المعيشية”.كما يستأثر مطلب “إثبات النسب” بـ”نقاش مجتمعي كبير”، حسب الفاعلة الحقوقية ذاتها التي طالبت بـ”وجوب الأخذ بالخبرة العلمية بعين الاعتبار بعد إجراء فحص الـADN”، لافتة إلى أن “القانون يجب أن يحمل الطرفين مسؤوليتهما في الإنجاب”.
وبخصوص “الولاية الشرعية”، دعت عبدو إلى جعلها مشتركة تبعا للطرف الحاضن للطفل ضمانا لحقوقه الفضلى قبل بلوغ سن الرشد، كما “قد تسقط في حالة الأب حاضن الأطفال؛ لكنه لا يقوم بأي دور ولا ينفق”، على حد تعبيرها.كما نادت بأهمية “التدقيق في أنواع الطلاق، وإعادة النظر فيها”، بحكم أن “الواقع في المحاكم المغربية هو انتشار الطلاق الاتفاقي أو للشقاق”، وزادت: “يجب أن نبقي على طلاق الغيبة في حالات معينة مع إلغاء الأنواع الأخرى التي لا تروج بقوة”.
وتزامنا مع النقاش المتجدد بخصوص ورش القانون الجنائي، أكدت الفاعلة الحقوقية ضرورة “تعديل وإعادة النظر في لغة القانون الجنائي التي تظل تمييزية”، داعية إلى أن “تصير أكثر قانونية وإنسانية احتراما للحريات الفردية والجماعية”.وختمت بأن “مطلب تطبيق الإرث بالتعصيب” يظل مستعجل التطبيق “في حالة أسر تعاني وتتكون من بنات إناث فقط”، داعية إلى إعمال الاجتهاد كمدخل للحديث عن الموضوع، دون إثارته بشكل مخيف.ولا يمكن الحديث عن قضايا النساء بالمغرب دون الإشارة إلى “تجاذب قوي” يسمها بين تيار محافظ وآخر حداثي، يختلفان في الرؤى وسبل تجويد الوضع رغم “اتفاقهما المبدئي” على ضرورة مباشرة إصلاح القوانين الحالية.
تجاذبات حادة
بينما تستميت جمعيات حقوقية مدافعة عن “الطرح الحداثي” في الموضوع، يستمر “منتدى الزهراء للمرأة المغربية” والجمعيات المشكلة لشبكته، الممثلة للتوجه “المحافظ”، في متابعة النقاشات المجتمعية المتعلقة بورش إصلاح مدونة الأسرة.ويأتي ذلك، حسب المنتدى، “استكمالا لمتابعة تطبيق المدونة منذ صدورها، والتنبيه إلى الإشكالات التي تعتري تطبيقها وفهمها السليم”.
“الإصلاح المنشود ينبغي أن يتم في احترام تام للمرجعية الإسلامية للمجتمع المغربي وخصوصياته التاريخية والثقافية والحضارية وثوابته الجامعة المستقرة في أسمى قانون وهو الدستور”؛ تجدد التأكيد بثينة قروري، رئيسة “منتدى الزهراء”، لافتة إلى “تلازم تام مع ضرورة إعمال أدوات الاجتهاد والأخذ بمقاصد الإسلام في تكريم الإنسان والعدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف”.ولا يخفي منتدى الزهراء، حسب رؤيته، مطلبه بـ”إبداع مدونة عصرية للأسرة المغربية” واضعا “معالجة الإشكالات التي عرفها تنزيل المدونة منذ 2004” هدفا أساسيا.
مصلحة المجتمع
طالما عبرت هذه الهيئة الاستشارية لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأممي عن أن “لحظة النقاش المجتمعي العمومي المتعلق بمدونة الأسرة تمرين ديمقراطي حقيقي ينبغي أن يعبر عن نضج جميع الفاعلين من خلال البحث عن مصلحة المجتمع ككل بكافة مكوناته وليست لحظة انتصار طرف على طرف”.وأكد المنتدى أن “الأمر يتعلق بإشكالات يعرفها المجتمع ينبغي أن نبحث لها عن الحلول والمقاربات الأسلم والأقرب للصواب”.
وسبق للمكتب التنفيذي لـ”منتدى الزهراء” أن عبر عن “استغرابه” من التصريحات المتكررة لوزير العدل حول التعديلات المرتقبة للقانون الجنائي “دون الإعلان عن أية وثيقة في الموضوع”.وسجل، في بلاغ تتوفر هسبريس على نسخة منه، أن “الحكومة قامت بسحب مشروع القانون الجنائي من البرلمان وضمنه المقتضيات الجديدة المتعلقة بالإجهاض والتي كانت محل تشاور وطني، وصدر بصددها بلاغ للديوان الملكي، دون أن يتم طرح أي مشروع أو مسودة للنقاش العمومي”.وخلص البلاغ إلى أنه “استحضارا لتراكم عمل المنتدى حول موضوع القانون الجنائي، فإن المنتدى يطالب بالإسراع باعتماد المنهجية التشاركية وتفعيل آليات التشاور العمومي قبل الإعلان عن أية تعديلات جديدة تتعلق بمشروع القانون الجنائي”.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
أخنوش يُعلن عن إعداد حزبه مقترحات لتعديل مدونة الأسرة ويؤكد أن الاجتهاد الفقهي المغربي يستوعب التحولات الاجتماعية
مدير دار الحديث الحسنية ينتقد كثرة "التنازع والجدال" في نقاشات تعديل مدونة الأسرة
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر