الرباط-رشيدة لملاحي
نظّمت "حركة ضمير"، ندوة دولية بشأن موضوع "الدين والمرأة"، بالشراكة مع مؤسسة "فريدريش ناومان"، لإغناء النقاش المجتمعي، بخصوص أحد المواضيع الشائكة والمثيرة للجدل في العالم العربي، وهو موضوع الدين وعلاقته بالمرأة، والوقوف على المفارقات الفعلية التي تخلقها علاقة كهذه، من قبيل الواقع الفعلي الذي تعيشه المرأة، والمتسم بالعنف والنظرة الدونية من جهة، والنظرة المثالية التي تخص نظرة النصوص الدينية للمرأة من جهة ثانية.
وأكد صلاح الوديع، رئيس حركة "ضمير"، الحقوقي والسجين السياسي السابق، في تصريحات خاصة إلى "المغرب اليوم"، أن سبب اختيار مناقشة موضوع "الدين والمرأة" في أبعاده الرمزية والقانونية والسياسية والمجتمعية، وهو اختيار "جاء نتيجة الحضور الطاغي، سلبًا أو إيجابًا، للمرجعية الدينية في الخطاب الإعلامي والسياسي والمعرفي من جهة، والتداعيات المصاحبة لهذا الموضوع والرهانات المرتبطة به سياسيًا وقانونيًا واجتماعيًا وثقافيًا.
وأوضح أن الندوة الدولية "تتوخى رصد أثر القراءات الدينية المختلفة على التميز، الذي يلحق بالمرأة اليوم"، معتبرًا أن مختلف أشكال التمييز التي تعاني منها النساء على كافة الأصعدة، تتناقض مع مقاصد الدين التي تدعو إلى تحقيق العدل على الأرض. وأضاف الوديع "أن كل المجتمعات، بما فيها المجتمع المغربي، تشهد عوامل تغيير متتالية، تاريخية وموضوعية، وتدفع بثبات نحو إعادة النظر في هذه التصورات الماضية والتي تحول، باسم الدين، دون تبوء المرأة مكانتها الإنسانية الكاملة.
ونوه أولاف كيليرهوف، مدير مؤسسة "فريدريش ناومان من أجل الحرية"، بـ"التطور الذي حققته المملكة المغربية في هذا المجال، مبرزًا استعداده للعمل مع الهيئات المغربية من أجل محاربة الصور النمطية، والأحكام المسبقة عن المجتمعين الغربي والإسلامي في الاتجاهين". وتناول عدد من الباحثين والمهتمين، مغاربة وأجانب من العراق واليمن ومصر وتونس وفرنسا، كل من جانبه زاوية من الموضوع المطروح، والتي تناولت في مجملها مقارنات بين منطوق النصوص الدينية، التي تقر دون لبس بإنسانية المرأة وحقوقها الآدمية، في مقابل وضعها في الواقع، والمتسم عمومًا بالإقصاء والتهميش والتمييز، دون أن يخفوا تصوراتهم التي تعتبر "الفضاء العلماني هو الأنسب لضمان حقوق المرأة".
وبيّن المفكر العلماني المثير للجدل أحمد عصيد، أن هناك قراءات للدين لا تراعي أحوال الإنسان وضرورة الوقت والشائعات، مضيفًا أن الفقهاء غالبًا ما يؤولون الدين بطرق قديمة لا تساير التحولات السوسيو - ثقافية."، متسائلًا "هل الدين هو الغاية أم الإنسان؟"، لجيب بأن هناك أمثلة عديدة تمت فيها الاستهانة بالكرامة الإنسانية، بسبب تأويلات دينية قديمة، مستدلًا بأمثلة على ذلك.
وتابع عصيد، "نحن نحس بشعور مأساوي، يتم فيه توظيف المعتقد والنصوص الدينية، بطرق تكرس المميز بين النساء والممانعة في إقرار المساواة بين الجنسين"، والمشكلة تكمن في أن "فقهائنا لا يعترفون بأن المرأة أصبحت قوامة على الرجل في بعض الأحيان، خاصة وأننا نجد أن نصف الأسر تعيلهم امرأة، والأغلبية الناجحة في الامتحانات يكن نساء، وهذا ما لم يستوعبه عقل فقهائنا لحد الآن".
وأكد عصيد على هيمنة الخطاب الذكوري في النصوص المقدسة، وإعطاء أولوية الذكر على الأنثى. وكشفت باحثة علم الاجتماع "سمية نعمان جسوس"، أن المرأة المغربية لا زالت تعاني من التهميش والحط من كرامتها ما دام موضوع المطالبة بالمساواة في الإرث، والحديث عن هذا الموضوع يعتبر من المحرمات، مضيفة أن "المرأة كان لها الحق في أيام أجدادنا أن ترث، وأن يتكفل بها إخوانها ماديًا من ميراثهم الشخصي، ويحتفظوا بميراثها إلى غاية زواجها، لكن في عصرنا الحالي من سيقوم بهذا الفعل لا أحد".
وأضافت الباحثة السوسيولوجية سمية جسوس، "أن اجتهاد العلماء في تحديد المدة الزمنية لإمكانية إفطار الصائم وهو على سفر، رغم أن القرآن لم يحددها، يجب أن تطبق على موضوع الإرث كذلك، خاصة في بعض الشروط المتعلقة في حالة المرأة التي توفي لها زوجها، وترك لها بنات فقط لا يمكنهن أن يرثن حتى وجود رجل معهم يرث بالتعصيب عليهن".
ووقفت جسوس عند "التناقضات التي يسقط فيها المجتمع، في تفسيره للدين على هواه"، مضيفة "لا يعقل أن يجرم القرآن العلاقات الجنسية والخيانة الزوجية على الرجل والمرأة، على حد سواء، في حين أن المجتمع يحاسب المرأة دون الرجل".
وكان برنامج الندوة سيعرف عقد ثلاث جلسات علمية، حيث ستناقش الأولى القضايا النظرية، وستتناول الثانية القضايا العلمية، فيما ستركز الثالثة على دور المجتمع المدني، إلى جانب تنظيم جلسة خاصة بشهادات لمناضلات بارزات في الحركة النسائية. وهذه الندوة ستنظم على مدي يومين، حيث ستتواصل المداخلات في نفس هذا الموضوع، سواء من خلال باحثين مغاربة أو عبر باحثين ومهتمين عرب وأوروبيين.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر