مع انطلاق الموسم الدراسي الجاري، وعلى غرار السنوات الماضية، تجدد النقاش بين متتبعي الشأن التعليمي والتربوي حول المضايقات التي تتعرض لها التلميذات عموما، اللواتي يتابعن دراستهم بالثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي بشكل خاص؛ وتصل في كثير من الأحيان إلى التحرش الجنسي أو الاعتداء الجسدي، على يد متسكعين ومنحرفين يجعلون أبواب المؤسسات التعليمية فضاء مفتوحا لممارسة سلوكياتهم المنحرفة.
وفي وقت تتعالى أصوات مستنكري هذه السلوكيات، من أجل المطالبة بتكثيف الدوريات الأمنية قرب المؤسسات التعليمية، وتعزيز التواجد الميداني للعناصر الأمنية خلال فترات دخول وخروج تلاميذ الثانويات الإعدادية والتأهيلية، من أجل تأمين التلاميذ عموما وحماية التلميذات بشكل خاص، وتوقيف المعتدين ومتابعتهم بحسب المنسوب إليهم… أثير نقاش آخر يشير إلى ضرورة النظر إلى سلوكيات أولئك المنحرفين كظاهرة اجتماعية في حاجة إلى دراسة علمية.
واعتبر مُثيرو هذا النقاش إقدام الشبان على التحرش بالتلميذات أمام أبواب المؤسسات التعليمية بمثابة ظاهرة اجتماعية تتطلب دراسة موضوعية وجدية بهدف معالجتها والحد منها أو القضاء عليها، عوض الاقتصار على تتبع آثارها والاكتفاء بالتفاعل مع نتائجها اعتمادا على المقاربة الزجرية، التي تتنوع مستوياتها حسب طبيعة ودرجة وسياق ونتائج وخطورة الاعتداء.
التواطؤ والمسؤوليات المشتركة
محسن بنزاكور، أستاذ علم النفس الاجتماعي، قال إن “كل ما يتعلق في المجتمع المغربي بما نسميها ‘العلاقة مع الآخر’ يعرف نوعا من الاهتزاز وعدم التكافؤ والتوازن”، وزاد: “ما يقع أمام المؤسسات التعليمية لا أسميه تحرشا بقدر ما أعتبره تواطؤا، لأنه لولا وجود تجاوب ضمني من لدن الطرف الأول لما تجرأ الطرف الآخر على الوقوف أمام المدارس، وهنا لا بد من فحص المسألة في عمقها، انطلاقا من سمعة بعض المدارس لدى المتحرشين الذين يسعون إلى تلبية شذوذهم الجنسي”.
وبعدما تساءل بنزاكور عن “سبب استسلام بعض الفتيات لهذا النوع من العلاقات”، أوضح، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هناك حاجة ماسة اليوم إلى الحديث عن طبيعة العلاقة بين المراهقين والمراهقات والأسرة المغربية، حيث أخذت، في الآونة الأخيرة، صبغة غير صحية ولا تتصف بسلامة البنية الأسرية، مقابل وجود أشخاص يتحرشون بالفتيات أمام المدارس، ويمارسون البيدوفيليا بمعناها الحقيقي انطلاقا من التحايل والتغرير بالضحايا”.
وأشار الأستاذ ذاته إلى أن “من بين الأفكار التي تروج بين فتيات المدرسة قول إحداهن: بإمكاني القيام ببعض الجنس الفموي مع شاب مقابل الحصول على قدر من المال دون أن يكشفني أحد من أفراد أسرتي أو أن أفقد بكارتي، وبإمكاني أيضا أن أقضي مدة قصيرة مع مُسن في مكان ما دون أن يمسني، لكي أكسب قدرا من المال بسهولة”، وزاد موضحا: “هذه الفتاة في حقيقة الأمر تمارس نوعا من الدعارة، ولو أننا لن نسمح لأنفسنا بتسميتها دعارة لأننا نتحدث عن أطفال”.
كما شدد بنزاكور على أنه “رغم الكتابات والدراسات السوسيولوجية والنفسية التي أجريت حول الظاهرة، وتبعاتها السلبية على البناء الفكري وبنية الشخصية للمراهقة التي دخلت هذا العالم مبكرا، فإن هناك سكوتا غريبا من الدولة”، مستدركا: “حين نقول إن الدولة تسكت، ربما قد يستند المشرع إلى القانون الذي يجرم التحرش الجنسي، لكن يبقى السؤال حول تنزيل هذا القانون”، مضيفا أنه “آن الأوان للحديث عن الشرطة الأخلاقية إلى جانب شرطة المرور والشرطة التقنية…”.
سمعة المؤسسات وخطابات المتحرشين
أكد أستاذ علم النفس الاجتماعي أن “جمعية الآباء لها دور في الموضوع، إذ إن من وظائفها القيام بدور الوسيط بين المدرسة والآباء، والمساهمة في الحفاظ على سلامة الأطفال والمراهقين، ليس فقط داخل المدرسة، ولكن أيضا أمام أسوار الفضاء التربوي”، مذكرا بدور الأسرة في الموضوع من خلال التأكيد على أنه “من بين الإشكاليات العميقة عدم تدبير مرحلة المراهقة من طرف الأسرة، حتى تصبح المراهقة قادرة على حماية نفسها من تلك الجرائم التي تعتبر اتجارًا بالبشر”.
وبخصوص سمعة بعض المؤسسات التعليمية ومدى تأثرها بظاهرة التحرش بالتلميذات، قال المختص في علم النفس الاجتماعي إنه “لا بد من الحديث بوضوح حول ما يهم أبناءنا ومصير فلذات أكبادنا، لذلك يمكن التنبيه إلى الخطابات التي يتداولها المتحرشون في ما بينهم، من قبيل: اذهبْ إلى المؤسسة التعليمية الفلانية لأنه من السهل الإيقاع بفتياتها”، مضيفا أن “تجمع المتحرشين أمام مؤسسة ما أكثر من الأخرى مرتبط بسمعتها ونوعية الخطاب الرائج حول فتياتها”.
وعن الحلول الكفيلة بحماية المتمدرسات من التحرش، قال بنزاكور إن “للتربية الجنسية دورا في إقناع المراهقين والمراهقات بضرورة احترام المرحلة العمرية التي يعيشونها، وهي في جميع الأحوال تسمى ‘تربية’، خاصة أن العلاقة مع الجسد والجنس مازالت ‘طابو'”، مؤكدا أنه “من الضروري اعتماد التربية الجنسية كوسيلة لحماية المتمدرسين من الوقوع ضحايا البيع والشراء واسترخاص الجسد”.
كما نبه محسن بنزاكور إلى أن “الوقت حان للتعامل مع المراهق باعتباره الطرف المهم في العملية، كشخص كامل الشخصية، وقادر على الاستيعاب والوعي وحماية نفسه من أولئك الذئاب”، مشددا على أنه “من الضروري تجاوز النظرة الضيقة لما نسميها المقاربة الأمنية، ولو أن هذا لا ينفي دور الأمن في الموضوع”، خاتما تصريحه بالإشارة إلى أن “هناك تكاملا بين الأسرة وجمعية الآباء والمؤسسة المدرسية للقضاء على هذه الظاهرة أو الحد منها”.
قد يهمك أيضَا :
التحرش بالنساء عبر الهاتف يسقط عوني سلطة بقصبة تادلة
الأمن يوقف المتورط في "فيديو التحرش" بطنجة
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر