يستعد المغرب لإطلاق المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (2019-2023) في شهر شتنبر الجاري، التي ستركز على تطوير الرأسمال البشري للساكنة الأكثر تضررا بالمملكة، والتي لا تصلها تدخلات القطاعات الحكومية، خصوصا في مجالات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية الأساسية.
وبعيدا عن دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة المدرة للدخل والنهوض بالبنية التحتية التي ركزت عليها تدخلات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية خلال المرحلتين الأولى والثانية، يطمح المغرب إلى تذليل معيقات التنمية البشرية عبر التركيز على الصحة والتعليم لدى الأجيال الصاعدة، خصوصا مواكبة الأشخاص طيلة مراحل نموهم، وأساسا في الأوساط الفقيرة المتواجدة بالوسطين القروي والحضري.
التعليم الأولي بالقرى
في إطار الهندسة الجديدة للمرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ابتداءً من سنة 2019 إلى غاية 2023، والتي خصصت لها ميزانية تقدر بـ18 مليار درهم، وضمن برنامج تعميم التعليم الأولي بداية من الموسم الدراسي الحالي، ستقوم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بإحداث 10 آلاف وحدة وإعادة تأهيل 5000 وحدة جديدة لتوفير خدمات التعليم الأولي في المناطق القروية والنائية التي لا تشملها تدخلات وزارة التربية الوطنية، حيث ستبلغ الطاقة الإجمالية 300 ألف طفل على مدار السنوات الخمس، بميزانية تبلغ 2.3 مليارات درهم للمعدات، وسنتين من الخدمة.
ووفق المعطيات فإنه ابتداء من الموسم الدراسي الحالي ستشرع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في سنة تجريبية وإعدادية، سيتم خلالها اختبار وملاءمة منهجية التنفيذ لضمان نجاح تنزيل هذه التجربة على نطاق واسع خلال السنوات المقبلة، إذ تمت برمجة 1200 وحدة للتعليم الأولي.
وسنة 2020، ستقوم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بتعميم بناء وإعادة تأهيل وحدات التعليم الأولي بالوسط القروي، بالإضافة إلى تكوين وتأطير شبكة الجمعيات من قبل المؤسسات الشريكة في هذا المشروع، وعلى رأسها مؤسسة "زاكورة"، لمؤسسها نور الدين عيوش، والتي لها خبرة طويلة في هذا المجال.
وأظهرت العديد من الدراسات العلمية، وفق المعطيات الصادرة عن INDH، أهمية السنوات الأولى من حياة الفرد في تكوين رأس ماله الفكري والاقتصادي والاجتماعي، إذ أثبتت أن دماغ الطفل في سن السادسة يبلغ 90 في المائة من حجمه في مرحلة الرشد.
من جهة ثانية، أبرزت دراسة ثانية التأثير الإيجابي للتعليم الأولي على متوسط سنوات التمدرس وعلى النتائج المدرسية، وكذا مساهمته في النجاح الاقتصادي للأفراد (سواء من حيث قابليتهم للتوظيف أو مستوى الدخل) وتنشئتهم الاجتماعية (عن طريق الحد من السلوكيات المنحرفة) وتحقيق الرفاهية.
الاستثمار في البشر
المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أوضحت أنه استنادا إلى هذه المعطيات فإن "التعليم الأولي يعد بمثابة حساب اختياري اقتصادي عقلاني، إذ أكدت الدراسة سالفة الذكر أن استثمار دولار واحد في مرحلة التعليم الأولي يمكن أن يكون من 1.5 إلى 5 مرات أكثر مردودية من استثمار دولار في التعليم خلال المراحل الدراسية الأخرى".
وبالنسبة للمغرب، تشير المعطيات الرسمية إلى أنه رغم المبادرات العمومية وشبه العمومية والخاصة والجمعوية لتيسير الولوج إلى التعليم الأولي وتحسين مستواه، فإن العرض لازال غير كاف وغير متجانس من حيث الجودة. كما أن 48 في المائة من الأطفال فقط في سن التعليم الأولي متمدرسون، ففي سنتي 2016 و2017 حوالي 700 ألف طفل لم يلتحقوا بالتعليم الأولي.
وسجلت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وجود تفاوت فئوي ومجالي هام؛ ففي المناطق القروية بلغ متوسط الالتحاق بالتعليم الأولي 35 في المائة، أما في المراكز شبه الحضرية والمناطق التي تفتقر إلى البنية التحتية التعليمية فتم تسجيل معدلات جد منخفضة عن المعدل الوطني؛ بينما تحقق الدار البيضاء ونواحيها معدلا لا يرقى إلى المستوى الدولي في ما يخض نسبة الولوج إلى التعليم الأولي. إضافة إلى ذلك، تم تسجيل فوارق بين الجنسين بالمناطق القروية؛ إذ إن 70 في المائة من الفتيات في سن التعليم الأولي غير متمدرسات.
من جهة ثانية، رصدت المصادر ذاتها وجود تفاوت على مستوى النماذج التعليمية والمقاربات التربوية، إذ إن 12 في المائة من الأطفال في مرحلة التعليم الأولي يتابعون دراستهم في القطاع العمومي، و9 أطفال من بين 10 متمدرسون في القطاع الخاص، و75 في المائة منهم في الوحدات التقليدية، و25 في المائة في التعليم الأولي القروي.
وخلصت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، في تحليلها، إلى أن هذه الوضعية المتناثرة للتحفيز المبكر كشفت وجود تفاوتات كبيرة مرتبطة بعوامل اقتصادية وأخرى اجتماعية وثقافية تتعلق بمكانة المرأة ودورها في المجتمع ومستوى تعليمها.
ويرتقب أن تنظم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، تحت الرعاية الملكية، في 19 شتنبر المقبل بالصخيرات، النسخة الأولى من المناظرة الوطنية حول التنمية البشرية تحت عنوان "تنمية الطفولة المبكرة التزام من أجل المستقبل"، بحضور كبار الباحثين الدوليين والمنظمات العالمية المهتمة بمجال الطفولة.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر