نجحت مبادرة "صناع الأمل"، منذ إطلاقها نهاية فبراير/شباط 2018، في اجتذاب عدد كبير من المشاركات من شباب وشابات من مختلف أنحاء العالم العربي يتطلعون إلى المساهمة في نشر الأمل وصنع تغيير إيجابي، وحتى اليوم، تلقت مبادرة "صناع الأمل" آلاف قصص الأمل من أفراد ومجموعات، لديهم مشاريع ومبادرات، يسعون من خلالها إلى مساعدة الناس وتحسين نوعية الحياة أو المساهمة في حل بعض التحديات التي تواجهها مجتمعاتهم.
ولمشاركة هذه القصص كي تكون مصدر إلهام للآخرين الذين يتطلعون إلى تغيير مجتمعاتهم نحو الأفضل، نستعرض بعض قصص صناع الأمل التي تفتح نافذة أمل وتفاؤل وإيجابية في عالمنا العربي من المحيط إلى الخليج.
القصة الأولى من مدينة تارودانت المغربية تبتسم على يد شباب يمنحونها الأمل، فلم يستسلم الإعلامي والناشط الشاب محمد الفقير من مدينة تارودانت، الكائنة جنوب المغرب، لواقع الحال المتردي في مجتمعه، حيث يرزح عدد كبير من العائلات تحت وطأة الحاجة واليأس، كما تعاني المدينة من تهميش بالغ وسط تراجع الاهتمام بإرثها الثقافي والتاريخي، فأراد محمد أن يسلط الضوء على معاناة الناس هناك، فعمد بمشاركة عدد من الشباب المتطوعين إلى إطلاق صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" لتكون بمثابة منصة تعريفية بما يواجهه المجتمع المحلي من تحديات وصعوبات ولإعادة الاهتمام بالأماكن التاريخية في المدينة، تحمل اسم "تارودانت العالمة تبتسم".
انطلقت الصفحة رسمياً في خريف العام 2012، ولم يأت اختيار الاسم اعتباطياً، كما يؤكد الشباب القائمون على الصفحة، وإنما ترجمة لرؤية يسعون من خلالها إلى أن يروا مدينتهم تبتسم وتعود إلى أوج عطائها، مسخرين كافة إمكانياتهم التواصلية لإيصال صوت المدينة للمسؤولين وتوثيق الإهمال الذي يطال البنايات التاريخية والمطالبة بالإسراع بترميمها، وسرعان ما تحولت "تارودانت العالمة تبتسم" إلى بوابة إنسانية لمساعدة الفقراء والمحتاجين والمهمّشين في المدينة من خلال تنظيم العديد من المبادرات والفعاليات والحملات لرسم البسمة على وجوه الناس، والتخفيف من وطأة الحاجة لديهم. من بين الحملات الدورية التي يتم تنفيذها "قلوب دافئة"، وفيها يتم جمع الأغطية والملابس وغيرها من المستلزمات الأساسية وتوزيعها على الأسر الفقيرة في المدنية وفي المناطق الجبلية الوعرة، خاصة في فصل الشتاء لمواجهة البرد القارس. وحتى اليوم، استفادت أكثر من 150 أسرة من هذه الحملة.
وأطلق محمد وزملاؤه من الشباب المتطوعين عدداً من الحملات العلاجية لجمع النفقات المالية لإجراء العمليات الجراحية المستعجلة للفقراء والمحتاجين، إلى جانب جمع الأدوية الصالحة من العائلات، وتوزيعها على المؤسسات الصحية لصرفها مجاناً للمحتاجين لها. كما يتواصل شباب الصفحة مع الجهات المعنية لتوفير التسهيلات والمعدات والأجهزة اللازمة لأصحاب الهمم في المدينة، كالكراسي المتحركة، كذلك، أطلقت "تارودانت العالمة تبتسم" عدة مبادرات تعليمية، من بينها "لنجعل مدارسنا تبتسم"، لخلق بيئة صفية محفزة في مدارس المدينة عبر جمع التبرعات اللازمة من لتنظيف الغرف الصفية لبعض المدارس، وطلائها بالألوان لتشجيع الطلبة على التعلم، وكذلك إقامة مسابقات معرفية، وثقافية للأطفال، وتوزيع الجوائز عليهم.
ويحرص القائمون على صفحة "تارودانت العالم تبتسم" على تنظيم العديد من الأنشطة المجتمعية والإنسانية والخيرية على مدار العام، كما تقوم الصفحة بنشر أخبار المدينة ومتابعة أوضاع الناس فيها، الأمر الذي أسهم في إيصال صوتها لعدد كبير من أصحاب الخير والمسؤولين، من بينهم أبناء تارودانت في المهجر الذين يرسلون مساعدات دورية، متتبعين مسارها بكل شفافية عبر الصفحة، حتى تصل إلى من يستحقونها فعلاً، ويتابع الصفحة أكثر من 250 ألف شخص أسبوعياً، ويرجع نجاحها وانتشارها الواسع إلى تبنيها العمل التطوعي في كافة المجالات الحيوية، وكذلك تنوع خدماتها وصدق مشاريعها؛ حيث يحظى محمد الفقير وزملاؤه بإعجاب واحترام أهل المدينة، وذلك لإخلاصهم ولحرصهم على أن يكونوا سبباً في صنع واقع أفضل لمجتمعهم، ويقول الفقير: "العمل التطوعي رسالة إنسانية.. تُرسخ مفهوم التكافل والتضامن في المجتمع"، مضيفاً: "أسعى إلى تطوير عملنا بشكل أكبر وبالتشاركية مع العديد من الجهات في المدينة لنعمل جميعاً ضمن حلقة متكاملة هدفها خدمة الأهالي في تارودانت، نكون سعداء عندما نرى طفلا يبتسم أو عائلة فقيرة وقد تمكنا من توفير احتياجاتها من ملابس وأغذية وعلاجات.. ولا أجمل من أن نشاهد رجلاً مسنا أو سيدة عجوز، وقد تعافيا بعد إجراء عمليات جراحية لهما منعتهما من الحركة".
والقصة الثانية لفريق "كهربجي" التطوعي في الأردن، شباب في خدمة طلاب العلم، فالأرقى من الحصول على العلم هو أن نمنحه.. لمن يريده ومن يحتاجه ما دمنا نملك القدرة على ذلك.. والأهم، ما دمنا نؤمن بقيم المشاركة، وبأن دورنا في الحياة يتخطى تأمين مستقبلنا إلى تأمين مستقبل غيرنا.. دون أن يكلف هذا سوى الرغبة الجادة بأن نكون طرفاً في صناعة تغيير إيجابي في مجتمعنا. هذه هي رسالة الأمل التي يتبناها "فريق كهربجي" من الأردن.
وتأسس الفريق (المأخوذ اسمه الطريف من كلمة "كهرباء" كناية عن الفني أو التقني الذي يشتغل في مجال الكهربائيات) في العام 2015؛ وهو فريق عمل طلابي تطوعي هدفه الرئيس يتمثل في خدمة طلبة كليات الهندسة في شتى الفروع والمجالات، وتحديداً طلبة جامعة العلوم والتكنولوجيا في مدينة إربد، شمال الأردن، (والمختصة بتدريس التخصصات العلمية في مقدمتها الطب والهندسة)، وذلك من خلال توفير مواد دراسية في كافة التخصصات لمساعدة الطلبة في مسيرتهم الدراسية والعلمية بما يلبي احتياجاتهم، بحيث يتم توفيرها لهم مجاناً، عند تشكيله، لم يزد عدد المتطوعين في فريق "كهربجي" عن 20 طالباً وطالبةً من مختلف التخصصات العلمية والهندسية. وخلال ثلاث سنوات من عمله، ومع توسُّع نشاطه، ارتفع عدد المتطوعين في الفريق خمسة أضعاف ليصل اليوم إلى أكثر من 100.
في البداية، كانت خدمات " فريق كهربجي" – للمساعدة العلمية – مقتصرة على طلبة قسم الهندسة الكهربائية في الجامعة. ومع مرور الوقت، تخطت سمعة الفريق أسوار جامعته لتصل إلى مختلف الجامعات في الأردن وفلسطين، من خلال حرص أعضائه على تطوير شبكة خدماتهم التطوعية لتشمل أكبر عدد من المستفيدين، ويتكون الفريق من عدة أجنحة تعمل ضمن إطار تنسيقي متكامل لضمان تحقيق الأهداف المرجوة. هذه الأجنحة، هي: "الجناح الأكاديمي"، وقوامه مجموعة من الطلبة المتميزين أكاديمياً الذين يقومون بتوفير المواد العلمية للطلبة من مختلف المستويات، وتنظيم محاضرات تقوية، وحل التمارين وأسئلة الكتب المقرَّرة وتوفيرها للطلاب، وكتابة الملخصات لجميع المواد المشتركة في الكلية ومواد تخصص الهندسة الكهربائية، حيث يدرس هذه الملخصات عدد كبير من الطلبة من بينهم طلبة كليات الهندسة في الجامعات الفلسطينية، وهناك "الجناح الترفيهي"، الذي يُعنى بتنظيم أنشطة ترفيهية للتخفيف من أجواء الدراسة المشحونة وتسلية الطلبة؛ من بين هذه الأنشطة إقامة كرنفالات ومخيمات علمية ومسابقات، حيث يتم توفير كلفة مثل هذه الأنشطة من خلال الاتفاق مع عدد من الجهات الداعمة، من الأجنحة المهمة في الفريق "جناح دعم الطالب"، الذي يتلقى بعض المساعدات المادية، من أفراد ومؤسسات متنوعة، حيث يتولى القائمون على هذا الجناح بتوجيه هذا الدعم لمستحقيه من الطلبة المحتاجين والمتعففين، من خلال سداد رسوم الدراسة عنهم، كذلك، من بين أجنحة "فريق كهربجي" ذات الحضور اللافت "الجناح الإعلامي"، الذي يعد الأكثر حضوراً على صعيد الأنشطة الإعلامية لطلبة جامعة العلوم والتكنولوجيا. ويتولى الجناح مسؤولية التعريف بمهام أعضاء الفريق وخدماتهم التطوعية من خلال تصميم منشورات وإنتاج فيديوهات، إلى جانب الإعلان عن جميع أنشطة الفريق عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهناك كذلك "الجناح الإداري"، الذي يضم أعضاء الفريق القدامى من أصحاب الخبرة، حيث يتبادلون المشورة والخبرة فيما بينهم لجهة عمل الفريق وسبل تعزيز نشاطه ودعمه، ولعل ما يميز "فريق كهربجي" التطوعي هو أنه أعضاؤه، من الشباب والبنات، ينتمون إلى جنسيات من كل لون ولسان.. هدفهم وسعيهم أن يكونوا "جنود" علم؛ أياديهم وعلومهم وجهودهم وعقولهم متاحة لكل من يطلبها، الإخلاص والبذل والإتقان.. هذا هو شعار فريق "كهربجي".. شعار هو خير تجسيد للعمل والأمل والعطاء.
والقصة الثالثة لمبادرة بيئية تصنع شيئاً من لا شيء، "زبالة ستور"، المخلفات في الشوارع المصرية تتحوّل إلى كنز، أي شيء بسيط، مهمل، ولم يعد مفيداً أو صالحاً لأي شيء في ظاهره، يمكن في واقع الأمر أن يكون ذا قيمة كبيرة، بل ومساهماً في تغيير حياة بعض الناس إلى الأفضل، وقد لا يتخيل أحدهم أن زجاجات المياه المعدنية الفارغة وعلب المشروبات الغازية الملقاة في القمامة والكراتين المهملة في الشوارع والعبوات البلاستيكية والمعدنية والإطارات والورق والصحف وحتى زيت القلي منتهي الصلاحية يمكن أن تساوي "كنزاً" حقيقياً.. ليس بمعنى "الفلوس" وإنما بناء النفوس.. وتشكيل وعي مجتمعي حول إمكانية صنع شيء من "لا شيء" فعلياً، وهذا ما برهنت عليه مبادرة "زبالة ستور" التي يتولاها مجموعة من الشباب المصري لجمع المخلفات والمواد التي يراد التخلص منها من البيوت ومحلات السوبرماركت والأندية والمقاهي والمدارس والمصانع، لفرزها وإعادة تدويرها ومن ثم بيعها إلى شركات كبرى تقوم بإعادة تدويرها في منتجات جديدة.
أطلق المبادرة الشاب عماد أنور مدفوعاً برؤية تقوم على إمكانية استغلال هذه المخلفات في تمويل العديد من المشاريع الإنسانية والمجتمعية والإسهام ولو في إحداث فرق في حياة من هم بأمس الحاجة للمساعدة، هذه الرؤية نجحت في استقطاب عدد كبير من الشباب المتطوعين والمتعاونين، الذين باتوا جزءاً من فريق حملات "زبالة ستور"، ضمن فِرَق تقوم بجمع وفرز المخلفات التي يتم شراؤها بأسعار رمزية من الأماكن السكنية والبيوت والمقاهي والمطاعم ومحلات البقالة، وكل مكان يمكن أن يوفر "ثروة" من "الزبالة" التي يُرادُ التخلّص منها.
وتهدف المبادرة، المنضوية تحت مظلة "مؤسسة آدم للتنمية الإنسانية" في العاصمة المصرية القاهرة، إلى التوعية بأهمية الحفاظ على البيئة وتعزيز ثقافة إعادة التدوير في المجتمع عبر إشراك كافة فئات المجتمع المحلي في الحملات التي تنظمها المبادرة في مختلف المناطق، حيث تكتسب المبادرة زخماً متزايداً، وسط حرص عدد كبير من مختلف الشرائح المعنية على التفاعل مع المبادرة وأهدافها بإيجابية، مشاركةً أو دعماً، ويستخدم العائد المادي لجمع هذه المخلفات وإعادة بيعها لجهات تقوم بإعادة تدويرها في تمويل عدد من المشاريع الإنسانية والمجتمعية من بينها تمويل التعليم المهني للمجتمعات البدوية بالإضافة إلى عدد من المشاريع التعليمية التي تعمل عليها مؤسسة آدم. كما يتم تنظيم عدد من الورش للأطفال والشباب، بالتعاون مع جهاز شؤون البيئة، بهدف توعية النشء بثقافة إعادة تدوير المخلفات، وكمبادرة، تتطلع "زبالة ستور" إلى الاستثمار في الوعي وخلق فهم جديد لدى الأجيال الشابة، وتثقيفهم بأهمية الحفاظ على البيئة لضمان مستقبل مستدام، وهذا من أرقى أنواع صناعة الأمل.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر