الأمازيعية تعاني إهمال مسؤولي المغرب ولم تأخذ الحيز الكافي للتطبيق

لم تكن الأمازيغية بخير في المغرب، مادامت كل اللغات تعرف طريقها إلى الحضارة والرقي، عندما يتم تدريسها في مؤسسات البلد، ويتم إدماجها في المنظومة التربوية، هكذا كان النشطاء الأمازيغيون يرون قبل خطاب أجدير التاريخي للملك  محمد السادس في أكتوبر من سنة 2001، الذي دعا فيه إلى وضع تصور جديد للأمازيغية والنهوض بها باعتبارها مسؤولية وطنية ومكونًا لا يمكن الاستغناء عنه.

وقبل محمد السادس فقد كان والده الملك الراحل الحسن الثاني، قد دعا ذات يوم في خطاب 20 آب/ أغسطس سنة 1994 إلى ضرورة العناية باللغة الأمازيغية والعمل على تدريسها، وإن كانت النقطة لم تحمل محمل الجد حينها، إلا أنها تعتبر نقطة مهمة يجب الوقوف عليها عند الحديث عن تدريس اللغة الأمازيغية في المغرب.

 التاريخ إذن يشهد بهذه التلميحات، وإن كانت لم تجد طريقها للإقرار الفعلي، لكن النقطة التي أفاضت الكأس هي خطاب أجدير التاريخي،  الذي يعتبره المتتبعون منعطفًا في تاريخ الأمازيغية، وهو الذي أفضى إلى التفكير في تأسيس مؤسسة أكاديمية تعتنى بشؤون الأمازيغيين، معهود إليها إدماج اللغة في الحياة العامة.

وفي سنة 2003 دخل تدريس اللغة الأمازيغية حيز التطبيق في المدارس المغربية بشكل تدريجي، في ظل ما وصفه متتبعون للشأن الأمازيغي بالإنطلاقة " الخاطئة " التي يميزها التسرع، وحسب الإحصائيات فالشروع في تدريس هذه اللغة بالمؤسسات المغربية بدأ ب 317 مؤسسة، و14 ألف أستاذ مدرسًا يعمل على تأطيرهم 260 مفتشًا على صعيد المملكة.

بدأ المشروع ضعيفًا، وكان لا  بد أن يلقى كثير من المصاعب مادام لم ينبتق عن إرادة قوية يؤسس لها من قبل، ويمكن أن نصف المشروع بالمتسرع، هكذا يعلق مدرس للمادة بإحدى المدارس النائية بعمالة تارودانت، الحسين، في حين يذكر عدد من المتتبعين بأنّ مشروع تدريس اللغة الأمازيغية ميت حتى قبل أن يبدأ.

وضعت النيابات التعليمية نصب أعينها تعميم تدريس المادة في المدارس الإبتدائية كخطوة أولى بشكل تدريجي، على أن تصل إلى نسبة 100 في المائة في أفق موسم 2007/2008، الشيء الذي لم يقع، نظرًا لوجود مشاكل عديدة حالت دون وصول هدف لم يخطط له بالشكل المطلوب سلفًا.

العراقيل كثيرة، التي فرملت عملية إدماج اللغة الأمازيغية في النسيج التربوي المغربي، منها ما يتعلق بالشق التنظيمي ومنها ما يتعلق باللوغيستي، وما يتعلق بإرادة القائمين على الحقل التعليمي، كما يصف ذلك، طالب في شعبة الدراسات الأمازيغية وناشط بعدد من التنظيمات الأمازيغية، محمد أبورات، إذ يرى أن إرادة الدولة ضيعت على المغرب فرصة تعلم الأمازيغية في المؤسسات التعليمية كما ينبغي.

 ولعل أبرز هذه العراقيل، وجود أساتذة غير ناطقين بالأمازيغين يوكل إليهم أمر تدريس اللغة الأمازيغية، زيادة على ما يصفه عدد من المتتبعين بعدم ملاءمة المقررات المبرمجة مع أعمار التلاميذ في السلك الأبتدائي، وكذا ضعف تكوين المؤطرين، وهو الأمر الذي أدى إلى نوع من الإرتجالية، واعتماد أساتذة غير متخصصين، كما تعاني مادة اللغة الأمازيغية من ضعف نصيبها الزمني بالمقارنة مع المواد الأخرى، زيادة على عدم توصل المؤسسات التعليمية هذه السنة بالمقررات، وهو الأمر الذي فتح المجال أمام عهد جديد تعيشه اللغة الأمازيغية.

ويأتي تصريح "دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية لا يعني بالأساس تدريسها"،  لوزير التربية الوطنية في ندوة عقدت مؤخرًا في مقر وكالة المغربي للأنباء، وكان تصريحًا جدد الصراع من جديد بين الوزارة وعدد من التنظيمات الأمازيغية، أبرزها جمعيات مدرسي اللغة الأمازيغية عبر ربوع الوطن، التجمع العالمي الأمازيغي، العصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان،وغيرها.

واعتبرت التنظيمات المذكورة تصريح بلمختار، محاولة لإقبار المكتسبات التي تحققت في الملف، وخرقًا سافرًا للفصل الخامس من الدستور المغربي، الذي اعتبر اللغة الأمازيغية لغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة الأمازيغية.

اعتبر  الناشط والباحث الأمازيغي، محمد بليهي، هذه التصريحات تزكي مقاربة رجعية في التعامل مع ملف تدريس الأمازيغية، كما قال بأنها تنم عن سلوكات سياسية الهدف منها الإرتداد والتراجع وبالتالي الإجهاز على المكتسبات التي تحققت في هذا الإتجاه على حد وصفه.

وبين هذا وذاك، يبقى نصيب اللغة الأمازيغية يتقلص في انتظار إعلان موتها في السنوات القليلة المقبلة، لاسيما وأن الوزارة المعنية لم تعلن بعد نيتها أن تأخذ الأمر بصادق نية، وهو أمر سيلقي لا شك بظلاله من جديد على المكون الأمازيغي المغربي، وقد تكون له تداعيات في المستقبل القريب.

وكان من المنتظر بعد ترسيم اللغة الامازيغية أن يعرف تدريسها تعميمًا أفقيًا وعموديًا دون أية عراقيل أو عقبات، لكن واقع الحال يقول عكس ذلك فبعد الترسيم عرف ملف تدريس اللغة الامازيغية تراجعات خطيرة.

المتتبع للدخول المدرسي 2014/2015 سيلاحظ أن آخر ما يؤرق جبين المسؤولين مركزيًا، جهويًا، إقليميًا هو الامازيغية.

بل في كثير من النيابات تم الاجهاض على العديد من المكتسبات السابقة في ملف تدريس اللغة الامازيغية، حيث تم الغاء تكاليف الأساتذة المتخصصين في تدريس هذه المادة خلال المواسم الفارطة، ومن بينها تكاليف غير محددة الأجل.

وهناك من النواب من كلف أساتذة اللغة الامازيغية الخريجين من المراكز الجهوية بتدريس العربية أو الفرنسية رغم أن تكوينه متخصص في اللغة الامازيغية، بعيدًا عن مسألة الكتاب المدرسي الامازيغي الذي لوحظ تغييبه هذا الموسم من طلبات مبادرة المليون محفظة. إ

لى آخره من المعطيات التي تبرز الوضع الكارثي الذي أصبحت تعيشه اللغة الرسمية الثانية للمغرب، واللغة الأم لنسبة أغلبية المغاربة.

عزز السيد الوزير ما كانت تتخبط فيه وزارته في ملف تدريس اللغة الأمازيغية، وأبان عن غياب أية استراتيجية أو تصور لدى وزارته إزاء هذا الملف، أن كان هذا يدل على شيء إنما يدل على عدم اكتراثه بهذا الملف مخالفًا بذلك القانون الأسمى للبلد الدستور أولًا والمذكرات والمراسيم التي أصدرتها ووقعتها وزارة التربية الوطنية منذ 2003 إلى الآن، مما يعود بنا إلى أكثر من عشر سنوات إلى الخلف.

ويتوجب على المجتمع المدني الأمازيغي والحركة الأمازيغية بجميع تلويناتها أن توحد الصفوف من أجل النضال عن ملف تدريس الأمازيغية، والعمل على تثبيت المكتسبات التالية" التعميم، الإلزامية، التوحيد، وحرف تيفناغ".