نواكشوط - المغرب اليوم
ما زالت المرأة الإعلامية الموريتانية تتلمس طريقها لتحجز لنفسها مكانًا يلائم الحرية التي أحرزتها في مجال الصحافة بعيدًا عن القيود الاجتماعية، رغم انفتاح موريتانيا إعلاميًا في السنوات الأخيرة، وتصدرها للمرة الثانية على التوالي قائمة الدول العربية لحرية الصحافة، وشهدت الساحة الإعلامية الموريتانية خلال السنوات الخمس الأخيرة دخولاً قويًا للمرأة الإعلامية،
سواء تعلق الأمر بدورها كصحافية مذيعة لنشرات الأخبار أو منتجة ومعدة للبرامج الإخبارية أو محررة في الصحف الورقية أو المواقع الإلكترونية.
وساهم هذا الحضور النسوي في تغيير الصورة النمطية للمرأة في المشهد الإعلامي الموريتاني، تلك الصورة التي ارتبطت في أذهان الكثيرين بعدم قابلية المرأة لأن تكون مصدرًا للمعلومة الدقيقة، وبارتباطها عادةً في المخيّلة الاجتماعية بالثقافة الشائعة، وبعدم التحري في الوصول إلى المصادر الموثوق فيها.
ولكن الحضور الجديد للمرأة الإعلامية في موريتانيا بدأ يتجاوز مجرد شَغلها للأدوار الثانوية في المؤسسات الإعلامية إلى الإسهام في صناعة المادة الإعلامية، وذلك من خلال المشاركة في التأثير في صنع القرار وتوجيه الرأي العام، ومن هنا جاءت مبادرات إعلامية نسائية مثل: موقع "حذام"، "موريتانينا"، "الريم" ... وغيرها.
وبرّر هذا الحضور مدير إدارة الصحافة الإلكترونية في موريتانيا الإعلامي عبد الله ولد حرمة الله، حين أعلن: "رغم أنه ليست لديّ إحصاءات دقيقة لعدد المؤسسات الإعلامية التي تديرها نساء إلا أنني أستشعر مناخ الحرية الذي باتت فيه المرأة تنعم بسهولة الدخول إلى عالم ظَلّ إلى عهد قريب حكرًا على الرجل، وفي تصوري أن الإجراءات التي قام بها النظام الحالي من إلغاء لعقوبة حبس الصحافيين ومنع المصادرة وتحسين أوضاع المؤسسات الصحافية دفع الكثيرات إلى فتح مؤسسات إعلامية خاصة، في مختلف مجالات الإعلام، بغضِّ النظر عن عددها".
وأوضح ولد حرمة الله أن "هؤلاء النساء استطعن تجاوز المحاذير التي ظل يضعها المجتمع في طريقهن، بل إن المرأة صاحبة المبادرة أو المديرة أو الإعلامية أثبتت لدى المجتمع الموريتاني أنها أكثر قبولاً من الرجل نظرًا إلى تحملها للمسؤولية الأخلاقية، ولعدم تورطها في اختلاس المال العام".
وإذا كان عبد الله انطلق في رؤيته تلك من موقعه كرجل متابع للساحة الإعلامية، فما هو رأي الإعلامية الموريتانية نفسها؟
لخَّصَت إحدى مؤسسات موقع "حذام" الإلكتروني الذي يهتم بقضايا المرأة العربية، الصحافية الموريتانية الشابّة السالمة منت الشيخ الولي، أبرز التحديات التي تواجهها في "الاضطراب والهشاشة التي تطبع المؤسسات الإعلامية في موريتانيا بشكل عام، من حيث نقص التمويل وقلة الخبرة، فضلاً عن كون الساحة الإعلامية الموريتانية لم تتمكن لحد الآن من غربلة الإعلاميات الحقيقيات القادرات على البقاء في الساحة، وذلك بسبب كثرة الوافدات على الحقل الإعلامي ممن لا تربطهن أية صلة بالإعلام، ونحن نُعلِّق الآمال على السنوات المقبلة كي تتحقق قاعدة البقاء للأصلح".
وأكّدت منت الشيخ الولي على أن ذلك يتطلب المزيد من الصبر "ما دمنا تمكنّا من تجاوز القيود الاجتماعية التي كانت تمنع المرأة من الدخول إلى الإعلام، حيث غيّرنا الصورة الذهنية للمرأة لدى المتلقِّي، الذي أصبح يتعاطى معنا بشكل إيجابي، باعتبارنا مرجعًا للخبر المتعلق بالمرأة الموريتانية والعربية".
وأعلنت منت الشيخ الولي أنها وزميلاتها الصحافيات يسعَين إلى تجاوز النمط التقليدي لتغطية قضايا المرأة، كما تقول، ويؤصلن لنمط جديد يقوم على تقديم المرأة العربية بعيدًا عن قضايا الزينة والحميّة وغيرها.
وأوضحت قائلة: "تعوّد المجتمع الموريتاني والعربي عمومًا على متابعة إعلام نسائي غير منتج ولا يقدم وجهة نظر، بينما نحن نسعى إلى تغيير ذلك بتركيزنا على المرأة الوزيرة والسياسية والشاعرة والكاتبة وبائعة الكسكس، ولهذا استطعنا تقديم صورة مغايرة لسيدات صنعن مكانًا لهن في دول مثل الصومال وجيبوتي وجزر القمر".
والسبب، بحسب منت إسباعي، يُعزَى إلى "تأثير العادات الاجتماعية التي لا يرى أصحابها في المرأة الإعلامية سوى مذيعة جميلة الشكل، بالإضافة الى عدم رغبة صناع القرار في دعمها حتى تكون فاعلة وموجهة، ولهذا من الصعب أن يتم الاعتماد عليها في تقديم البرامج السياسية التى تؤثر على الرأي العام، كما لا يتم تعيينها في المناصب التي تسمح لها بالتأثير في سياسات المؤسسات الإعلامية".
وعلى الرغم من كل ذلك تحاول منت اسباعي من خلال إدارة مؤسستها الإعلامية الخاصة "موريتانينا" أن تركز على التحقيقات الاجتماعية الجريئة، محاولة قدر الإمكان مواجهة التحديات الكثيرة التي تعترضها، كعدم رغبة الكثيرين في الكشف عن هوياتهم أو ذكر أسمائهم أو نشر صورهم في قضايا مثيرة كالتحرش مثلاً.
وترفض المذيعة الشابة الغالية منت أعمر شين أن يكون السبب في منع المرأة من تبوّؤ مراكز التأثير في المؤسسات الإعلامية عائدًا إلى ضعف المستوى، وإنما يعود الأمر إلى رواسب نظرة المجتمع أصلاً لعمل المرأة.
وأعلنت "من خلال عملي في مجال الإعلام منذ عشر سنوات أحس دائمًا بأن هنالك تهميشًا للمرأة الصحافية، إذ لا تُسند إليها المهام الثقيلة كالبرامج السياسية أو مرافقة المسؤولين أو مرافقة الرئيس في أسفاره خارج البلاد أو داخلها".
وطالبت منت أعمر شين بأن يكون لدى المرأة الصحافية الإرادة القوية لتحدِّي تلك النظرة.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر